د. علي الحاج حسن
يُعتبر الحجاب في الإسلام من جملة القِيَم الأساس التي
يتميّز بها المسلم عن غيره، والمتديِّن عن غير المتديِّن. وتشكّل قيمة الحجاب،
الهويّة الدينيّة للمرأة المسلمة؛ حيث يحكي عن الشخصيّة المتديّنة الملتزمة
والمعتقدة بسلسلة من المعارف والتعاليم الربّانية. ولأنّ تشويه الحجاب وإفراغه من
مضمونه يساهم في نسف وتشويه هذه المعتقدات والشخصيّة الإيمانيّة للأفراد، كان محلاً
لهجوم أعداء الإسلام الذين عملوا للقضاء عليه.
* لماذا الحرب الناعمة على الحجاب؟
ويلاحظ أنّ أنجع الحروب وأكثرها تأثيراً، على مستوى القضاء على الحجاب، كانت الحرب
الناعمة وهي الأكثر فائدة، أيضاً، لمنظّميها. وقد لا نحتاج إلى الكثير من
الاستدلالات لتوضيح ما أراده المعتدي والمستعمر من الحجاب، إذ تكفي قراءة بعض ما
ذكروه في كتاباتهم ليتّضح لنا ذلك. فهذا "فرانز فانون" يؤكّد في كتابه "الجزائر"
أنّ الحجاب كان واحداً من الأهداف الأساس للمستعمرين الذين عملوا على تشويهه
تمهيداً لإزالته لأنّه يحكي عن الهويّة الدينيّة لأهل هذا البلد(1). وقد أكّد الأمر
نفسه الجاسوس البريطانيّ "مستر همفر" في مذكّراته، حيث أكّد أنّ المستعمر أراد نشر
الرذيلة والفساد والسفور... والسبب في ذلك أنّ الحجاب هو واحد من أبرز نقاط القوّة
في العالم الإسلاميّ(2). وبشكل عامّ، لم يعد خافياً على أحد ما يجري من محاولات
لتشويه الحجاب عبر اللّجوء إلى آليّات وخطط مدروسة ومعدّ لها مسبقاً.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل للحجاب فوائد وآثار معيّنة تجعله عرضة للحرب
الناعمة؟ هنا، يمكن الإشارة إلى بعض العناوين ذات العلاقة بهدف المقال.
* أهميّة الحجاب وفوائده
1 - الحجاب والأمن الروحيّ والنفسيّ:
ممّا لا شكّ فيه أنّ الحجاب يضفي نوعاً من الهدوء والاستقرار الاجتماعيّ، باعتبار
أنّه يشكّل حائلاً أمام كافّة الأوهام والتصوّرات المنحرفة التي قد ينجرّ إليها
الأفراد. عدا عن أنّ الحجاب يساهم في الطمأنينة على مستوى حفظ العرض والنفس.
﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ
بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (النور: 30). وإذا كان المطلوب غضّ البصر لارتباطه
بالتزكية فالحجاب من أبرز العوامل التي تساعد في الوصول إليها.
2 - الحجاب وتمتين قواعد وأسس العائلة:
إذا كان الحجاب عنواناً للعفاف ومقدّمة للدخول في عالم الفضائل الأخلاقيّة ذات
العلاقة بالاجتماع البشريّ، على وجه التحديد، فإنّه بهذا الطريق يكون وسيلة لتمتين
أواصر العلاقات العائليّة؛ إذ يساهم في سيادة الهدوء والاستقرار العائليّ. فحيث
تحكُم القِيَم الدينيّة وتتجلّى قيمة العفاف تنبري العائلة للتطلّع إلى أفق
المستقبل الرّحب بعيداً عمّا يعكّر صفو ذلك.
3 - الحجاب والمجتمع القويّ المتماسك:
أراد الإسلام للمجتمع المسلم أن يكون موحّداً متعاضداً تحكمه قيمه النبيلة، وهذا
ممّا لا يمكن أن يحصل عند التساهل في القيم والتسامح في الفضائل، إذ إنّ التساهل
والتسامح يفتحان المجال أمام كلّ طاغٍ لا يحسب حساباً لحدود الآخرين. ولعلّ الحجاب
أحد أهمّ مظاهر عدم التساهل وعدم الانجرار وراء الموبقات؛ فبه تُحفظ الحدود وعلى
أساسه يتقدَّم المجتمع ويتماسك.
4 - الحجاب ومواجهة الغزو الثقافيّ الغربيّ:
بناءً على ما تقدَّم وإذا كان الحجاب قيمة، فهو بالتأكيد الوسيلة التي يمكن من
خلالها مواجهة الغزو الثقافيّ الغربيّ الذي أراد نزع الحجاب عن المسلمة ليمهّد
لتكريس قِيَمِه، بالأخص، المخالفة للإسلام. وبعبارة أدقّ، إذا كانت الحرب الناعمة
تَستخدم سلاح الاستحالة الثقافيّة كأفضل سلاح لنزع القِيَم والهويّة، فالقضاء على
الحجاب وإفراغه من مضمونه هو أبرز تجليّات هذه الاستحالة(3).
* حرب منظّمة.. على الحجاب
تُشنّ الحرب الناعمة على الحجاب اليوم بأساليب وأشكال متعدّدة، وكلّها تهدف إلى
تشويهه وإظهاره بالمظهر المخالف للقِيَم، والفضائل الإنسانيّة. ولذلك عمل الأعداء
على ترويج عدد من الأفكار:
أ- فكرة عدم وجوب الحجاب في الإسلام
عمل العديد من أصحاب الثقافات، بالأخصّ المسلمون منهم، لنشر فكرة عدم وجوب الحجاب،
محاولين قراءة النصّ القرآني، ذي العلاقة بالحجاب، بعيداً عن المنهج الذي اعتمده
المسلمون لذلك، معتمدين على خلفيّاتهم الذهنيّة وثقافاتهم الواردة. أمّا الحجاب،
طَبق فهمهم، فلا يعدو كونه عادة اجتماعيّة تمثّل فئة معيّنة من الناس، ذات تقاليد
وأعراف وقِيَم محدّدة، وليس من الضروريّ أن تدلّ على الإسلام(4).
ب- الترويج لبرامج وجمعيّات مناهضة
الترويج لبرامج، وجمعيّات، ومؤسّسات نشطت على مستوى إقامة برامج خلع الحجاب
المنظّمة. وقد شاهدنا في الآونة الأخيرة بعض هذه البرامج حيث تظهر نساء محجّبات،
على الهواء مباشرة، ثمّ تبادر إلى خلعه لأنّها أصبحت غير مقتنعة أو لأنّه لا يتماشى
مع حالات الانفتاح والتقدّم والرّقي. وليس أبلغ دلالة على ذلك من الدعوة التي خرجت
في مصر للاحتفال بمليونيّة خلع الحجاب في ساحة التحرير في الأول من أيار 2015. وفي
هذا الإطار، الكثير من الكلام حول البرامج والأنشطة التي لا تعدّ ولا تحصى.
ج- حجاب الموضة
الترويج الممنهج لحجاب الموضة غير المطابق في الغالب للساتر الشرعيّ الذي أراده
الإسلام. وقد استُخدمت، في سبيل ذلك، كافّة وسائل الإعلام والدعاية، ومنها المعارض،
والمسلسلات والأفلام ناهيك عن التقارير الوثائقيّة، والتحليلات النفسيّة التي
يقدّمها أشخاص يقرأون فيها حجاب "الموضة".
من جملة العناوين التي رفعها مروّجو حجاب الموضة: أنّ حجاب الموضة هو الأجمل، وهو
الأليق بالمرأة، وهو الذي يتماشى مع الحداثة والعصرنة ومن ثمّ الترتيب... هذا من
جهة، ومن جهة أخرى في نفس السياق نلاحظ أنّ حجاب الموضة دخل كمادّة أساس في العديد
من الأعمال "الفنيّة" التي يراد لها أن تكرّس قيماً محدّدة عند المتلقّين. الحجاب،
في هذه الحال، لا يمنع الاختلاط المحرّم ولا يمنع الكثير من الأعمال التي يمكن أن
تؤدّيها المرأة غير المحجّبة...
د- مقارنة الحجاب بالجهل
الترويج لفكرة مقارنة الحجاب للجهل، وهذا الذي عمل عليه العديد من مراكز الدراسات
التي بيّنت أنّ الحجاب هو حجاب على العقل وهذا الذي يدفع نحو السلوك الانعزاليّ غير
المنفتح على العلم والمعرفة(5).
ما تقدّم، هو شيء يسير ممّا عمد إليه معارضو الحجاب، إلّا أنّ هذه المحاولات لا
تعدو كونها أعمالاً للنيل من الإسلام وقِيَمه. ويبقى أنّها محاولات خالية من سياقات
الفكر الإنسانيّ والاستدلالات المنطقيّة والمعتبرة؛ لأنّ العنوان الأبرز لها هو
تشويه الإسلام فقط، فلم نرَ على سبيل المثال أيّ كلام منطقيّ يحلّل الحجاب وآثاره
ولا يعرف المثقّفون أيّ عمل بحثيّ في هذا الإطار إلّا ما يعود منه إلى المكائد
والمؤامرات.
1- راجع: كتاب "الجزائر" لمؤلّفه فرانز فانون، دار الفارابي ومنشورات ANEP ،
2004.
2- "مذكرات مستر همفر"، ص63 وص71.
3- راجع "ثقافة الحرب الباردة"، فرانسيس سوندرز، إصدار المجلس الأعلى للثقافة -
القاهرة، 2002، ص123.
4- كتاب: "السفور والحجاب"، نظيرة زين الدين. طبع الكتاب أوّل مرّة عام 1928 ثم
أُعيدت طباعته عام 1998 وهو كتاب يهاجم الحجاب معتمداً على آراء شخصيّة غير منهجية.
هناك الكثير من الشخصيّات أيضاً التي عملت على هذا المنوال؛ كـ"قاسم أمين" والشيخ
"أحمد الغامدي" و"جمال البنا" وسواهم.
5- مقال: "الحجاب هو حجاب على العقل"، موقع الحوار المتمدّن، 10/5/2014.