نسرين إدريس قازان
عبّاس محمّد عثمان (علاء)
اسم الأم: نجاح عثمان
محل وتاريخ الولادة: بعلبك 2/2/1981
الوضع الاجتماعي: متأهّل وله ولدان
رقم السجل: 32
تاريخ الاستشهاد: 20/5/2013
"الصداقة" هي المفتاح الذي فتح به عبّاس قلوب مَن حوله، فعاملهم بتفاهم ومداراة ومحبّة، وكأنه أراد من خلال الأثر الطيّب الذي يتركه في نفوسهم إرساء العلاقات الطيّبة فيما بينهم، في زمن صارت الـ"الأنا" سيّدة النفوس.
*خدمة الآخرين طريق سلوك إلى الله
فتح عبّاس بابه لمن قصده ليل نهار. ومن يعرف عبّاساً، يدرك جيّداً أنه إنسان اتّخذ من خدمة الآخرين طريقاً من طرق السلوك إلى الله، فكان لا يتوانى عن تقديم أيّ خدمة لأحد خصوصاً من الناشئة والشباب الذين يصغرونه سنّاً. وقد عمل على استقطابهم إلى العمل الجهاديّ من خلال متابعتهم دينيّاً واجتماعيّاً. وما سهّل عليه مهمّة التأثير بهم أنه كان واعظاً لهم بغير لسانه. كان من حوله يعرف جيّداً أن عبّاساً هو من يبادر إلى الاعتذار من الآخرين الذين أساؤوا في حقّه، ليس لأنّ نفسه هيّنة عليه، بل لأنّ ما سيجنيه من ذلك أهمّ وأعظم بكثير. كان عبّاس يتعامل مع والديه بحساسيّة بالغة، ويحرص كلّ الحرص على مشاعرهما. وقد تميَّز بالمبادرة تجاههما. وكادت علاقته بوالديه تشبهُ في بعض النواحي عطف الأب على ولديه لكثرة ما حمل لهما من حنان ورأفة.
*حلّال المشاكل
وُلد عبّاس في أسرة متواضعة. وكان الابن الخامس.. وقد رأى والده في الرؤيا أثناء حمل زوجته بعبّاس، رجلاً يشعّ النور من وجهه أخبره أنّ الجنين صبيّ واسمه "عبّاس". ولم تكن تلك الرؤيا هي التي ميَّزته فحسب، فكان طفلاً شديد الهدوء متزناً ما دفع والديه إلى الاعتماد عليه في حلِّ الخلافات الطفوليّة بين إخوته، فعلّمهم التسامح، وانسحبت تلك الصفة على تعاملهم مع كلّ الناس.
بدأ بتأدية واجباته الدينيّة في مسجد الإمام عليّ عليه السلام المحاذي لمنزلهم، فاتّخذه مكاناً لعبادته وللاستئناس بالوحدة بين يدي الله تعالى. كما كان يهتمّ بوالديه وإخوته على الصعيد الشخصيّ، وخاصّة بأمورهم الدينيّة فكان يسألهم عن صلاتهم كلّاً على حدة. وكان يحثّ إخوته على الصلاة في المسجد.
*في صفوف التعبئة
أجمل الخدمات التي قدّمها عبّاس للناس هي عندما رزق زيارة المقامات المقدّسة في العراق، فقسّم وقته بين دعاءٍ وابتهالٍ، وبين خدمة الزوار، فكان يطهو الطعام ويغسل الأواني وعيناهُ تفيضان بدموع الشكر لله دوماً على نِعَم الله العظيمة.
تماهت الحياة الجهاديّة لعبّاس مع حياته الشخصيّة، فهو عاش الحالة الجهاديّة العامّة منذ طفولته. وفي الرابعة عشر من عمره انخرط في التعبئة العامّة رسميّاً. وقد سكنته محاور الجنوب كما سكنها، فحمل ذكريات رائحة التراب والمطر، والشوك والزهر. وظلّت أصداء اللّطميات القديمة ترنّ في قلبه. وكان له العديد من المشاركات في العمليات العسكريّة والمهمّات الجهاديّة. وتعدّدت مهامه العمليّة تبعاً لمواصفاته الشخصيّة. غير أنّ شيئاً لم يكن يُهدّئ روع روحه إلّا الحضور المباشر في المحاور.
مع رفاقٍ مجاهدين، كان الصديق الصدوق والأخ الناصح، وحين كان يُطلب منه تدريب مجموعة من الإخوة، كانت دروسه العسكريّة مطعّمة بالدروس الدينيّة والاجتماعيّة، وكان بتعامله يترك أثراً كبيراً في النفوس.
*مُنية عبّاس
تعرّض عبّاس للكثير من الحوادث والإصابات خلال عمله، لكن أيّاً منها لم يكن ليبعده عن عمله. فلئن كانت الإصابة تقعده عن عمل معيّن، سرعان ما كان يجد لنفسه مهمّة أخرى يقوم بها. وهذا ما حدث في حرب تموز 2006، إذ كان يقوم بعمله في بعلبك وهو مصاب، إلى أن أقعدته إصابة أخرى في ظهره ويده ورجله أثناء تصديه للإنزال الإسرائيلي الفاشل في مستشفى دار الحكمة.
كانت معركة الدفاع عن المقدّسات مُنية روح عبّاس. وكيف لعبّاس ألا يحمي سيّدته زينب عليها السلام ؟ فكان من المجاهدين الأوائل الذين وضعوا أرواحهم على أكفّهم، وتنقّل من قرية إلى قرية، حيث شهدت القرى استبساله في قتال التكفيريين. وقد حاز على تنويه مع أفراد مجموعته على المهمّات البطوليّة الناجحة. ولكنه كان يرى أن التنويه الأعظم هو ذلك الممهور بدمه والذي يعطيه الله لمن يحبّ من عباده المخلصين. وكانت تلك اللّحظة التي صدق ما عاهد الله فيها، في المعركة التي برز فيها الحق كلّه لمقاتلة الكفر كلّه؛ معركة القصير.