مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

من القلب إلى كلّ القلوب: تكليفنا في زمن الفتنة(*)

سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)
 

ثمّة في لبنان حالة تفلُّت وانحطاط أخلاقيّ، وإسفاف وعدم انضباط، سواء في الشارع، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، وأحياناً في وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة، والأخطر من ذلك كلّه وجود صعوبة في ضبط هذا الأمر بشكل كامل.

مسؤوليّتنا جميعاً؛ كلّ القوى السياسيّة والقيادات الدينيّة والسياسيّة في الدولة وفي المجتمع، وكلّ النخب، وكلّ من لديه إحساس بالمسؤوليّة، أن لا نسمح لبلدنا أن ينجرّ إلى الفوضى وإلى الفتنة، خصوصاً إذا كانت ذات طابع مذهبيّ أو سياسيّ. إنّ كلّ ما يحصل يهدّد بالانجرار إلى فتن مذهبيّة وطائفيّة وسياسيّة، وهذا الأمر سيستمرّ، إذ نشهده يوميّاً عبر مواقع التواصل، وأحياناً تسلّط عليه وسائل الإعلام الضوء.
 

•الجيوش الإلكترونيّة تحيك الفتن
كلّنا نتذكر عندما خرج شخص قبل مدّة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ بالصوت وبالصورة، وقال كلاماً مسيئاً بحقّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وقد استنكر الشيعة هذا الأمر، واعتبروا أنّهم استُهدفوا لأنّه تمّت إهانة إمامهم. وبتاريخ 6/6/2020م حصل أمر مشابه أيضاً، حيث تمّ عرض فيديو عبر بعض وسائل الإعلام يظهر فيه شباب يشتمون أمّ المؤمنين السيّدة عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اعتبر أيضاً إخواننا السنّة أنّ هذا استهداف وإهانة لهم، والتحقيق يجب أن يُظهر ما إذا كان ذلك الفيديو مفبركاً أو حقيقيّاً.

وحول هذه المسألة، نقول: طالما أنّ الإعلام غير منضبط، ومواقع التواصل الاجتماعيّ غير منضبطة، فإنّ الانحطاط الأخلاقيّ والاختراقات الأمنيّة والإسفاف والعبث ستبقى موجودة في البلد. بمعنى أنّ الجيوش الإلكترونيّة، الإسرائيليّة وغير الإسرائيليّة، والتي تريد أن تعمّ الفتنة هذا البلد، هي جاهزة كلّ يوم لأن تطلق السباب والشتائم، وإهانة رموز ومقدّسات كلّ المسلمين والمسيحيّين، وكلّ القوى السياسيّة، للإيقاع فيما بينهم.

•التعاطي بمسؤوليّة وحكمة

1- المطلوب من الشيعة
هل يجوز أن نضع البلد وشعبنا كلّه بين أيدي عملاء وسفهاء وجواسيس وجَهَلة؟ أم يجب أن نتصرّف بمسؤوليّة؟ والمسؤوليّة هنا تعني أن نتعاطى مع كلّ حدث بحدوده الطبيعيّة؛ فعندما خرج ذاك الشخص، وشتم الإمام عليًّا عليه السلام وأساء إليه، ماذا يجب أن نقول نحن الشيعة في هذه الحالة؟ يجب أن نقول إنّه لا يمثّل طائفته، كما أنّ علماء السنّة وقياداتهم في لبنان لا يقبلون بهذا الشيء، وهو لا يعبّر عن مزاج ورأي الطائفة السنيّة الكريمة في لبنان. هذا شخص إمّا سفيه أو عميل أو مدفوع لإحداث فتنة، هذا هو حجم القضيّة، ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى. ونحن بدورنا نطالب القضاء والأجهزة الأمنيّة أن يبحثوا عن أولئك الذين يثيرون الفتنة، ويعتقلوهم ويحاسبوهم، ولا يجوز لنا نحن الشيعة أن نفتح من هذه الحوادث معركة.

المشكلة هي مع الذي أساء، حتّى ليس مع أبيه ولا أمّه، ولا مع زوجته ولا أولاده ولا عائلته ولا قريته ولا مع حزبه، إذا كان ينتمي إلى حزب سياسيّ، فضلاً عن أن تكون مع طائفته؛ فالحكمة، والحقّ، والدين، والشرع، والمصلحة الوطنيّة، والأخوّة، والأخلاق تقتضي ذلك. أمّا أن نأتي نحن، ونأخذ هذه الحادثة، ونبني عليها تحريضاً مذهبيّاً وطائفيّاً وسياسيّاً واستهدافاً لقيادات سياسيّة في الطائفة السنيّة الكريمة، فهذه جريمة بحقّ أنفسنا قبل أن تكون جريمة بحقّ الآخرين.

2- المطلوب من السنّة والمسيحيّين
عندما يخرج أيّ شاب شيعيّ، ويشتم أو يسيء للسيّدة عائشة أمّ المؤمنين زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كيف يجب أن يتصرّف أهل السنّة؟! المنطق يقتضي -مثل ما قلت عن الشيعة- أن يقولوا: ولا تزر وازرة وزر أخرى. هذا الشاب أخطأ، ارتكب خطيئة أو جريمة، حتّى أبوه وأمّه وعائلته لا يتحمّلون أيّ مسؤوليّة، وإذا كان ينتمي سياسيّاً إلى أحد -وهو لا ينتمي سياسيّاً إلى أحد- فإنّ حزبه أو تنظيمه أو حركته لا تتحمّل أيّ مسؤوليّة، فضلاً عن طائفته، وعلمائها، وقياداتها السياسيّة. فلا نصبّ الزيت على النار، ونفتح ملفّات التاريخ ونبحث عن فرص للزعامة، أو لترميم خسائر شعبيّة معيّنة، ونذهب إلى المزايدات، ونضع البلد على حافّة فتنة مذهبيّة أو طائفيّة.

كذلك عندما يتعلّق الأمر بالمسلمين والمسيحيّين؛ كأن يسيء أحد من المسيحيّين إلى رمز إسلاميّ، أو أحد من المسلمين إلى رمز مسيحيّ، لا يجوز أن نأخذ البلد إلى ردود الأفعال.

•لتوحيد المواقف الرافضة للفتنة
إنّنا نتفهّم أنّ بعض الشباب المتحمّسين هنا أو هناك، يمكن أن يندفعوا بهذا الاتّجاه، لكنّ الذي يرقى إلى مستوى الخيانة الوطنيّة والخيانة الأخلاقيّة والإنسانيّة، أنّ قيادات سياسيّة أو دينيّة هي التي تتورّط في تحريض من هذا النوع وبهذا المستوى. واسمحوا لي أن أرفع الصوت في هذه المسألة؛ لأنّ هذا الموضوع لم ينتهِ، وسوف يتكرّر؛ لأنّ هذه حقيقة البلد، وحقيقة العالم اليوم.

بطبيعة الحال، عندما يُساء إلى رمز إسلاميّ، يجب على علماء وقادة المسيحيّين أن يأخذوا موقفاً. وعندما يُساء إلى رمز وعنوان ومقدّس مسيحيّ، يجب على المسلمين أن يأخذوا موقفاً. وكذلك عندما يُساء إلى مقدّس سنّيّ، فعلى علماء الشيعة وقيادات الشيعة أن لا ينتظروا مطالبة، وكذلك فيما يعني السنّة. إذا اعتمدنا هذا الأصل وهذه المقاربة في المعالجة، نستطيع أن نتفادى المخاطر والخسائر والسلبيّات. وطبعاً، إذا كنّا نستطيع أن نصل إلى مجتمع لا يُسبّ فيه أحد ولا يُشتم، وأن نربّي ونهذّب ونضبط في الوقت نفسه، فهذا ممتاز جدّاً.

إنّ هذا الشرخ الذي تُنشئه تلك التصرّفات، يدخل على كلّ بيت، وعلى الضمائر، والقلوب، والأرواح، ويستحضر التاريخ، وهو يؤسّس إلى فتنة، ولا يجوز التسامح معه على الإطلاق.

•مسؤوليّة جماعيّة وفرديّة
إنّني أدعو الى الهدوء، وإزالة الاحتقان، وضبط الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ ضمن الأطر القانونيّة، وذلك بالتفاهم والنصيحة وبتنبيه هؤلاء الى أين يأخذون البلد. في لحظة من اللحظات تشعر أنّ البلد كلّه يهتزّ نتيجة كلمة، أو تغريدة على مواقع التواصل؛ لأنّ أحدهم غير مدرك لما يقوله أو أنّه مدرك له.

هذا كلّه يحتاج إلى معالجة وانتباه، وهو مسؤوليّة القيادات السياسيّة والدينيّة، وكذلك مسؤوليّة وسائل الإعلام، والمسؤولين والأجهزة الأمنيّة والقضاء، وكلّ الناس والنخب في مجتمعنا، لا بل يجب أن يحمل مسؤوليّة هذا الأمر كلّ فرد في مجتمعنا.


(*) من كلمة سماحة الأمين العام السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) حول آخر التطوّرات الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة بتاريخ 16/6/2020م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع