آية الله الشيخ حسين مظاهري
"لماذا لم أجد لي زوج/ة مناسبة حتّى الآن؟! ولماذا لم أتزوّج حتّى الآن؟!". سؤال قد يطرحه كلّ من الشاب والفتاة على نفسيهما، دون أن يدركا أنّهما من يخلقان، بالدرجة الأولى، موانع وعراقيل للزواج.. كيف ذلك؟! وما هو موقف الإسلام من هذا الأمر؟ هو ما سنتعرّف عليه في هذا المقال.
* الأعذار المصطنعة
إنّ اختلاق الحجج والأعذار هو أوّل وأهمّ مانع أو سدٍّ في طريق الزواج، وهو ما نراه متفاقماً يوماً بعد يوم. فاختلاق الحجج من طرف الفتاة، أو من طرف الشاب، أو من طرف الآباء والأمّهات، قد يجرّ في بعض الأحيان إلى بلوغ الفتاة 30 سنة بدون زواج، وإلى بلوغ الفتى 40 سنة أعزبَ. وعندما يُسأل ذلك الرجل عن عدم زواجه حتّى بلغ ما بلغ من العمر، يجيب قائلاً: "لم أجد زوجة مناسبة لي! أو لم أجد زوجة جيّدة!". وكذا بالنسبة إلى الفتيات العوانس.
لا معنى لعدم قبول الفتاة لأحد المتقدّمين لها من الفتيان مع أنّها مقتنعة 100% به، ولا معنى لعدم زواج الفتى من فتاة تعجبه 001%. إنّ الطبيعيّ في الأمر هو أنّ الإنسان العاقل إذا وجد نفسه يمكن أن ينسجم مع الطرف المقابل 50% أخلاقيّاً وذوقيّاً، لا بأس بأن يُقدم على الزواج، وإذا زدنا هذه النسبة إلى 70% فذلك خير على خير، وإنّ تلك الزوجة التي تتلاءم 70% مع زوجها تُعدّ زوجةً جيّدة جدّاً، وإنّ ذلك الزوج يُعدّ هو الآخر جيّداً جدّاً.
قد نشاهد شابّاً سعى للزواج حثيثاً مدّةَ 3 أو 4 سنوات، لكنّه لم يحظَ بما يريد أو يرغب؛ لأنّه يعيب على هذه جمالها، وعلى تلك طولها، وعلى أخرى أنفها، وما إلى ذلك. وبعضهم يبحث عن الأنساب العالية والرفيعة في الوقت الذي يكون هو من بين الأنساب المختلَطَة.
وقد يكون في مجتمعاتنا هذه بعض الفتيات من اللاتي تقدّم لهنّ أكثر من عشرين فتى، لكنّهنّ رفضنَ القبول بسبب بعض المسائل الجزئيّة أو التافهة.
* الزواج المبكِّر.. رسالة الله إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
إنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تحدّث كثيراً عن مسألة تزويج البنات في حضور العامّة والخاصّة، ليلفت أنظار المجتمع الإسلاميّ إلى خطورة بقاء البنات بدون زواج مبكّر، فقد جاء عن الإمام الرضا عليه السلام رواية تتعرّض لهذا الأمر، حيث قال: "نزل جبرائيل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يُقرئُك السلام ويقول: إنّ الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينعَ الثمر فلا دواء له إلّا اجتناؤه، وإلّا أفسدَتْه الشمس وغيّرتْه الريح، وإنّ الأبكار إذا أدركنَ ما تُدرك النساء فلا دواء لهنّ إلّا البعول، وإلّا لم يؤمَن عليهنّ الفتنة، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر، فجمع الناس ثمّ أعلمهم ما أمر الله عزّ وجلّ به، فقالوا: ممَّن يا رسول الله؟ فقال: من الأكفاء، فقالوا: ومن الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض"(1). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة تزويج الفتيان مبكّراً: "أيّما شابٍّ تزوّج في حداثة سنِّه عجَّ شيطانه: يا ويله! عصم منّي دينه"(2).
* أكرمُكم أحسنُكم إسلاماً
لقد حدثت في زمان الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وقائع عدّة من زواج عجيب، لكي لا يبقى هناك للمسلمين من حجّةٍ في ما يدّعون، ومن جملتها: زواج "زيد" و"المقداد". ولقد كانت تلك الحوادث والوقائع تتبنّى تزويج فتيات جميلات، ذوات حسب ونسب، من رجال ليس لهم من الدنيا إلّا تقواهم، وذلك حتّى يتمكّن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من إحياء قانون الأخلاق والدين في المجتمع. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما زوَّجت مولاي زيد بن حارثة زينب بنت جحش، وزوَّجت المقداد ضباعة بنت الزبير لتعلموا أنّ أكرمكم عند الله أحسنكم إسلاماً"(3). إنّ تزويجًا كهذا يُراد منه إفهام الناس أنّ هذه الجميلة ذات الحسب والنسب والأخلاق الفاضلة لا يليق بها إلّا الكفؤ، والكفؤ هو من تشرّف بشرف الإسلام، وأحسن إسلامه.
* أصل الاستخارة في الإسلام
من اقتنع بإحدى الفتيات، لا ينبغي له أن يستخير أيضاً، فالاستخارة لها أسبابها، ومن أسبابها انعدام حالة التفكير، أو عندما لا تكون المشورة مؤثّرة، أو عندما يقع الإنسان في إحدى حالات الإبهام أو الظلمة أو التشويش؛ عند ذلك يمكن أن يستخير المرء الباري تعالى بفتح كتابه، فإن كانت الآية تنذر بالسوء، فلا بأس في ترك القيام بذلك العمل. أمّا إذا كانت المسألة واضحة، والذي جاء يخطب إليك ابنتك خلوق ومتديّن ويتمكّن من فتح بيت الزوجيّة، فلِمَ الاستخارة؟ أو إذا رأيت فتاةً خيّرةً متديّنةً، خلوقةً، ملتزمةً تتمكن من مداراة الزوج، فعلامَ الاستخارة؟
* زوجٌ لا يملك من حطام الدنيا شيئاً
نقل لنا بعضهم حكاية عن المرحوم كاشف الغطاء (رضوان الله تعالى عليه)، وكما تعلمون أنّه كان أحد مراجع زمانه.
قال المرحوم كاشف الغطاء بعد انتهاء إحدى جلسات تدريسه مخاطباً طلّابه: لي ابنة بلغت سنّ الرشد، وأروم تزويجها من رجل متديّن خلوق، فإذا ما تقدَّم لها شخص كهذا زوّجته إيّاها، فقام أحد الفضلاء من مكانه ليجلس مرّة أخرى -عانياً بذلك أنّه يتقدّم لخطبتِها-، وعندها قال له المرحوم كاشف الغطاء: تعالَ إلى دارنا اليوم.
دخل ذلك الشابّ الفاضل منزل المرحوم الشيخ كاشف الغطاء، وفي حضوره قال منادياً ابنته: وجدتُ لك زوجاً لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، ولكنّه عالم متديّن، وفاضل خلوق، فهل ترضينَ به زوجاً لك؟ فأجابت: الأمر أمرك يا أبتاه. لقد كان صهر الشيخ كاشف الغطاء هو الشيخ محمّد تقي مسجد شاهي، له حاشية على "المعالم"، وهي ما زالت تعدّ من الأصول الحيّة، منذ 300 أو 400 عام على كتابتها. لقد كان أولاد هذا الصهر جميعاً علماء ومجتهدين، ولم ينقطع العلم والاجتهاد عن منزله إلى يومنا هذا. وخلاصة القول: كان ذلك العرس جميلاً وطيّباً، فشاع طيبه إلى باقي الأجيال، إنّه العرس الذي أراده القرآن الكريم، إنّه العرس الإسلاميّ الحقيقيّ.
*مَن ترضَون خُلُقَه ودينه
كان للعلّامة المجلسيّ ابنة فاضلة ومجتهدة وذات جمال، ولم تكن تتجاوز حينئذٍ عشرين سنة، وكانت تعدّ من أسمى العوائل نسباً وحسباً، وعلى الرغم من كلّ ما تمتلك من صفات حميدة، زوّجها المجلسيّ لأحد تلامذته، ممّن يملك أرفع مستوى من الأخلاق والتديّن والالتزام، إنّه الملّا صالح المازندرانيّ. يُقال: إنّ الملّا صالحاً كان عليه أن يطالع في ليلة زفافه، ولكنّه تعثّر في حلّ إحدى المسائل، عندها تمكّنت تلك الفتاة الشابّة من حلّ مسألته بسهولة؛ لأنّها لم تكن فتاة عاديّة، بل كانت عالمة معلّمة.
إذاً، لماذا وافق العلّامة على تزويجها من ذلك الرجل الذي كان أقلّ منها مستوى في العلم؟! لأنّه لم يكن من المتذرّعين بالحجج الواهية، ولأنّه كان من المؤمنين بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا جاءكم من ترضون خُلُقَه ودينه فزوّجوه، وإلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"(4).
(*) الأخلاق البيتيّة، آية الله الشيخ حسين مظاهري، بتصرّف.
1- بحار الأنوار، المجلسيّ، ج16، ص223.
2- ميزان الحكمة، الريشهريّ، ج2، ص1179.
3- (م.ن)، ج2، ص1183.
4- الوافي، الفيض الكاشانيّ، ج21، ص82.