مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

سياسة: معرفة الاستكبار العالمي‏


لا يمكن لشعب من الشعوب أن ينال حريته واستقلاله وسيادته على أرضه ما لم يكن يمتلك الوعي الكامل لإبعاد الحياة وتشخيص خصائصها الأساسية ومحدداً خطوط حركاتها المستقبلية. ولذلك دأب علماء الاجتماع والمؤرخون على دراسة الأقوام والمجتمعات الغابرة وأخذ العبر منها. وإن المعرفة الدقيقة للأعداء لهي من أبرز هذه الخصائص حيث عُبِّر عنها على ألسنة قادة الدين وأئمة المذهب عليهم السلام بصانعة الحياة. أمير المؤمنين عليه السلام يعتبر أن الإطلاع الدقيق على مخططات العدو وموازين قواه ومعرفة استعداداته العسكرية وغيرها شرط أساسي لتحقيق النصر.

إن سبب انتصار الثورة الإسلامية يعود إلى الدافع الإلهي وحضور الشعب ووعي وحكمة القيادة الشجاعة الإمام الخميني رحمه الله. فلولا الوعي الكبير للقيادة الإسلامية وإحاطتها بموازين القوى السياسية والاقتصاد المتحكمة في العالم لم تتمكن الجمهورية الإسلامية من قطع يد الأجانب عنها والصمود لسنوات طويلة أمام الهجمة الشرسة للكفر العالمي. لهذا كان لا بد أن تطرق هذا الباب لتعريف القارئ‏ الكريم بالعدو اللدود للإسلام والمسلمين؛ عنيت به الاستكبار العالمي (أو: الاستكبار والأنظمة العالمية).

* الفصل الأول‏
- الاستكبار
الاستكبار في اللغة من الكبر، وهو المبالغة في التكبّر وإظهار الرفعة والعلو على الآخرين. وكان أول من استكبر إبليس عندما تمرّد على الأمر الإلهي بالسجود لآدم ثم أطلقت كلمة الاستكبار على السعي للسيطرة وبسط النفوذ على الآخرين انطلاقاً من الشعور بالعلو والرفعة.

- الإستعمار
الإستعمار لغة عمارة الأرض واستخراج خيراتها. إلا أن المعنى الاصطلاحي لها تغير كلياً ويفيد تسلط الدول القوية على الدول الضعيفة من أجل الاستفادة من ثرواتها الطبيعية وطاقاتها البشرية بذريعة إعمار هذه الدول وقيادة أبنائها نحو الرقي والتمدن، وهو من شعب الاستكبار.

- الامبريالية
وهي تعني الجماعات التي تؤيد الحكومة الامبراطورية أو السياسة التي تعمل على بسط نفوذها وسيطرتها على الآخرين. ويمكن اعتبارها نوعاً خاصاً من أنواع الاستكبار. حيث تعمد هذه الحكومات بمعونة الجماعات الامبريالية التابعة لها لسياسة التوسع والتسلط على الشعوب الأخرى ونهب ثرواتها الاقتصادية والمالية والإنسانية. وقد راجت هذه الكلمة في إنكلترا التي كانت تعرف بالامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس واشتهرت تلك الفترة (1880- 1914) بعصر الامبريالية. إن أول من استعمل كلمة الامبريالية بهذا المعنى الشيوعيون وخصوصاً الماركسية. وكان لينين يعتبر أن المرحلة العليا للامبريالية هي الرأسمالية.

- الرأسمالية
الرأسمالية نظام ظهر مع بداية ظهور الثورة الصناعية في أوروبا الغربية وأمريكا. ثم انتشر في بلاد أخرى. في هذا النظام، تحتل الآلة الميكانيكية المكانة الأولى كوسيلة إنتاج بدلاً من العمال، ويعتمد قسم كبير من نظام الحياة الاجتماعية على القوة الإنتاجية والرأسمالية. ومن الناحية الاقتصادية، فإن النظام الاقتصادي الرأسمالي يعتمد على السوق الحرة حيث تديره مؤسسات خاصة غير تابعة للدولة.

- الإشتراكية
الإشتراكية: وقد ظهرت على شكل نظام سياسي اقتصادي على أثر الثورة البولشيفية في روسيا ثم انتشرت في مناطق أخرى من العالم. في هذا النظام، يحتل العامل المكانة الأولى في الحقوق مقابل رب العمل. لأن الاقتصاد الإشتراكي يقوم على مؤسسات رسمية تابعة للدولة على عكس الاقتصاد الحر الرأسمالي.

- الاستكبار
إن الاستكبار سمة من سمات الكفر وخصلة من خصاله. ويمكن أن نعبر عن نظام الاستكبار العالمين بنظام الكفر العالمي. لأن معنى الكفر هو إنكار الحق وجحوده ومن هنا يكون منشأ الاستكبار. ونرى آثار ذلك واضحة في الظلم والفساد والطغيان والنفاق والشرك وغيرها من علامات الاستكبار والكفر. ولو نظرنا نظرة سريعة إلى واقع الأنظمة السياسية الحاكمة على العالم لرأينا حقيقة الكفر وخصائصه بارزة بوضوح. ولذلك يمكن تسميتها بأنظمة الكفر.

*أصول النظام الاستكباري‏
يقوم النظام الفكري والإيديولوجي للإستكبار على ثلاثة أصول:
1- العنصرية
يعتقد البعض أن العناصر والأعراق البشرية تتفاوت فيما بينهما في درجة الذكاء والإبداع الفكري والثقافي. فالعنصر الأسود يختلف عن الأبيض والأصفر وغيرهما من العناصر البشرية، وكذا العرق السامي أو الآري عن غيرها من الأعراق. وينتقل هذا التفاوت عبر الأجيال عن طريق الوراثة. فالنازية تعتبر العنصر الألماني الآري يفوق الآخرين جميعاً ويجب أن يسود عليهم. وقد كانت أول من صب العنصرية في قلب نظام عقائدي سياسي وإجتماعي. ومن الأنظمة العنصرية أيضاً النظام الحاكم في جنوب أفريقيا والصهيونية العالمية. فهذه الأنظمة تعلن عن عنصريتها بصراحة، إلا أننا نستطيع أن نلحظ النزعة العنصرية عند سائر الأنظمة الاستكبارية وخصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية.

2- إنكار حقائق العالم
الأصل الثاني للاستكبار عدم الاعتقاد بواقعيات العالم وبعبارة أخرى إنكار الحقائق والقوانين والسنن الإلهية. فالمستكبر لا يؤمن بحقيقة ثابتة أو قانون سوى منافعه الشخصية ومصالحه الخاصة. فهو مستعد لارتكاب أي عمل مهما كان شنيعاً إذا كان يصب في خانة مصالحه أو يتجاوز كل الحقوق في سبيل ذلك ويعبرون عن ذلك بسياسة المنفعة والمصلحة. يقول الإمام رحمه الله "عندما تقتضي مصلحة القوى الكبرى أن يضحوا بأصدقائهم وحلفائهم فإنهم لا يتورعون عن ذلك أبداً. فليس عندهم قيمة للصداقة والأخوة وأمثالها. إن ملاك قراراتهم حين منافعهم وهم يقولون ذلك بصراحة في كل مكان".

3- التحكم بالإمكانات المادية
يمكن اعتبار جذب الإمكانات والقدرات المادية من جملة الأصول التي يعتمد عليها النظام الاستكباري. والقدرة حسب الاصطلاح السياسي هي التمكن من إخضاع الآخرين وجرّهم نحو التسليم المطلق بأي نحو كان.
إن توفر الأسباب المادية يؤدي في حال الغفلة عن الله تعالى إلى الشعور بالاستغناء وهو بدوره يدفع بالإنسان نحو العلو والطغيان. يقول الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى﴾.

حيث أنه من الصعب جداً أن يمتلك الإنسان ثروة كبيرة وموقع اجتماعي رفيع وغير ذلك وفي نفس الوقت يتجلّى هذا الإنسان بالتقوى والإيمان. وحده الإيمان القوي والعناية الإلهية يحفظ الإنسان من الانحراف والطغيان في مثل هذه الحالات. ولذلك كان القرآن الكريم دائماً عندما يتحدث عن الانتصارات العسكرية التي يحققها المسلمون، فإنه يرجع أسبابها المباشرة إلى الله تعالى. فعند حديثه عن معركة بدر يؤكد أنه ﴿وما النصر إلا من عند الله إلى غير ذلك من الآيات مثل ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى أو﴿ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبأذن الله.
 

*كيف تشكل النظام الإستكباري المعاصر
مع التطور العلمي والصناعي في أوروبا والذي أدّى إلى ازدياد قدرات الحكومات الأوروبية وخصوصاً على المستوى العسكري اعتقد الأوروبيون أن العرق الأوروبي أرقى من الأعراف الأخرى ويجب على سائر الشعوب من الأعراف الأخرى أن تنصاع له. ومنذ القرن التاسع عشر كانت المجتمعات الأوروبية تطرح النظريات المختلفة حول كيفية الاستفادة القصوى من سائر الشعوب وفي أسرع وقت. فمثلاً كان ماركس- وهو أحداً أعلامهم- يرى أن الاقتصاد هو الذي يسبب تطور المجتمع. وعلى الشعوب المتخلفة أن تكون تابعة للدول المتطورة حتى تنهض من تخلفها فإنه لا بد من ذلك في البداية. وبهذا ليس فقط يعطون لأنفسهم صلاحية التسلط على الآخرين بك يرون أنه لا يحق للشعوب أن يقوموا ضد هذا التسلط وإلا فإنهم يحكمون على أنفسهم بالتخلف الدائم. من هذا المنطلق رأينا كيف تعاملوا مع غرينادا ونيكاراغوا وإيران وفلسطين وأفغانستان وكمبوديا وسائر مناطق العالم في السنوات الأخرى.

* الفصل الثاني‏
* أصول معرفة الأنظمة
النظام عبارة عن انتظام مجموعة من العلل والعوامل المتفرقة على أساس برنامج ابتكره مدير ما لتعمل بشكل متناسب ومتوافق مع تحقيق أهدافه. وإن الخطوة الأولى في معرفة أي نظام- خصوصاً الأنظمة الإجتماعية والسياسية- هي بالتعرف على الأسس والأصول الفكرية التي يقوم عليها ومعرفة نظرته إلى العالم، المجتمع، والتاريخ والإنسان ومن الطبيعي أن النظام الذي لم يكن له تحقق خارجي ولم تبتعدَّ أصوله وأفكاره صفحات الكتب- مثل جمهورية أفلاطون- فإن البحث بشأنه لن يعدو أن يكون فكرياً ونظرياً فحسب، أما التعرف على نظام سنحت له الظروف لإدارة مجتمع ما فلا بد أن يكون من خلال التحقيق العيني والواقعي لهذا النظام، وذلك بالإجابة على الأسئلة التالية:
ألف- ما هي الأسس والأصول التي يقوم عليها بنيان هذا النظام؟
ب- ما هي المراحل التي مر بها منذ بداية منشئه وحتى زواله؟
ج- كيف كانت إنجازاته وما هي الآثار والظواهر التي خلّفها؟
فعلى هذا الأساس، من أجل معرفة الاستكبار أيضاً- يجب تقييم مبانيه الفكرية حول الإنسان، المجتمع، التاريخ والعالم كما يجب تجزئة وتحليل السياسات التي يتبعها والمذاهب الإجرائية والأهداف الاقتصادية والمادية التي ينشدها.

- طريقة معرفة الظواهر والموضوعات السياسية
إن التعرف على أصول التجزئة والتحليل السياسي يؤهل الإنسان للتنبؤ بالأحداث المستقبلية قبل وقوعها مما يمكّنه من اغتنام الفرصة للاستعداد المناسب لتلافي المخاطر المحتملة. في حدود سنة 49 1348 ثم (70- 1971م) توقع أستاذ مطلع (؟) دون أن يدعي العلم بالغيب بل على تحليل مطالعاته السياسية أنه في أواخر سنة 1360 (تقريباً 1982م) سوف يحصل تحول كبير في البلد محوره الإسلام وسوف يمتد تأثيره على منطقة الخليج الفارسي برمّته. في ذلك الزمان كان هذا الكلام خيالياً لأن الظاهر أن حكم الشاه قوي ولديه جهاز أمني قوي والآخرون لا يملكون شيئاً. لقد اعتمد الأستاذ في تحليلاته على المعلومات التالية: إن الاستفادة من ثروات الدنيا حتى سنة 1980 يكون قد استنفذ حتى الثروات الغير اقتصادية ولذلك فإن العالم سوف يحتاج إلى ثروات هذه المنطقة. وقد اعتبر أن محور هذا التحول هو الإسلام لأنه شاهد أن هذه المنطقة تشكل طليعة التجديد لحياة الإسلام. وهكذا رأينا كيف صدقت تحليلاته إلى حد كبير بانتصار الثورة الإسلامية سنة 1357 (1979).

- نظريات إستكبارية
يعرض أنصار الأنظمة الاستكبارية والتسلطية نظرياتهم المختلفة في تبرير إستكبارهم وتسلطهم. ونحن ننتخب منها ما يلي:
ألف- لا تسلّط في العالم‏
أنصار هذه النظرية يعتبرون أن الشعوب هي التي تتقبل تسلط الآخرين عليها. لأن هذا هو الطريق الوحيد لاستخراج خيراتها وخلاصها من التخلف والرجعية واللحوق بركب التطور والتقدم الحضاري. والدليل على ذلك أنه لا يمكن لأي سلطة البقاء والاستمرار في الحكم ما لم تكن مقبولة عند الشعب وحاصلة على رضاه. وما حصل في فيتنام خير دليل على ذلك إذ لم تستطع أمريكا وهي قوة عظمى البقاء والاستمرار أمام رفض الشعب الفيتنامي لها. إن هذه الجماعة تنكر سوء نية الاستعمار في تسلطه على الآخرين بل تعتبره وسيلة من أجل خدمة تطور البشرية وتقدمها فلو لم يذهب الغرب إلى أفريقيا لكان علينا أن نتصور شعوبها غارقة في التوحش والتخلف. وكذلك غيرها من المناطق الأخرى.

ب- التسلط أمر لا مفر منه‏
يعتبر مؤيدو هذه النظرية أن المجتمعات الإنسانية دائماً كانت- وما تزال- تنقسم إلى مجموعات ضعيفة وعاجزة وأخرى قوية ومقتدرة لذا فإن من الطبيعي أن أصحاب القدة والقوة يتسلّطون على الضعفاء وهذا أمر منطقي ولا يمكن القدح فيه مطلقاً. إن النظام الحاكم على الطبيعة يعطي السلطة للأقوياء لقوتهم على الضعفاء لضعفهم لا لشي‏ء آخر. فتسلط الأقوياء أمر طبيعي بل إن عدم مراعاته ومقاومة الضعفاء للأقوياء تعتبر خروجاً على ناموس الخلقة وخدشاً بها ومناقضاً لقانون العلية الحاكم على العالم.

ج- العالم مجتمع واحد
أدعياء هذه النظرية يرون أنه لا يوجد تسلّط في العالم فالعالم بأجمعه يشكل مجتمعاً واحداً ومجموعة واحدة وكل بلد يعتبر جزءاً وقسماً من هذه المجموعة. إلا أنه من الطبيعي أن يكون لكل بلد ميزات خاصة تختلف عن ميزات البلاد الأخرى. ففي أوروبا مثلاً لا تتساوى كل الدول والمدن والقرى مع بعضها البعض، بل يوجد لكل مكان خصائص ترتبط به بشكل خاص من مائية وهوائية وإجتماعية واقتصادية وثقافية و... إلخ. وينشأ على أثر ذلك نقاط ضعف وقوة فقر وغنى، صحة ومرض حسب خصائص كل بلد. بعض هذه المناطق تتمكن من حل مسائلها الخاصة ومشاكلها المتنوعة أما البعض الآخر فلا يتمكن من ذلك إلا بالارتباط بالآخرين. ومن هنا منشأ السلطة بطلب الشعوب نفسها. وهكذا نرى أن الاستعمار وفي محاولة تبرير وجوده غير المشروع يصبغ على نفس لقب (منجي البشرية).

- آراء في نشوء الاستعمار
1- نظرية ماركس‏
يعتقد ماركس أن المرحلة الأولى لظهور الاستعمار مقبولة لأنه يوجب نمو المجتمعات وتطورها. أما استمراره فهو محكوم لإرادة الشعوب واختيارها. ولذلك دافع عن الاستعمار الفرنسي للجزائر والإنكليزي للهند. وكان يقول أنه لو أردنا أن نترك أمريكا تسير نحو الرأسمالية بنفسها لاحتجنا إلى أكثر من ألف عام، في حال أنه من خلال استعمار الإنكليز لها وصلت إلى هذه المرحلة بمئة وخمسين سنة. إن النظرة السطحية في تعيين الموضوع وعدم التوجه إلى دوافع ظهور الاستعمار من أبرز الإشكالات على نظرية ماركس. ولا يخفى أن الماركسيين يحددون التحولات الاجتماعية على أساس قوانين جبرية مبينة مدتهم وفق أصول المادية الديالكتيكية.

2- نظرية هوبسون‏
يعتبر هوبسون من المناهضين للامبريالية. فهو في الواقع ماركسي بل من مجددي الماركسية ومطوريها. ويعتقد هوبسون أن ازدياد القوة الإنتاجية يحدث اضطراباً في الاقتصاد الرأسمالي. وهذا يدفع الدولة لاستعمار شعوب أخرى من أجل فتح أسواق لبيع منتوجاتها. إذاً، ازدياد الإنتاج وعدم تكافؤ الأسواق الداخلية يولد الطمع في أراضي الآخرين. ولذلك اعتبر هوبسون أن الامبريالية وليدة النظام الصناعي. وبينما يؤكد ماركس أن الاضطرابات الاقتصادية سوف تطيح بالرأسمالية إلى مرحلة الشيوعية حسب القانون الجبري للمادية الديالكتيكية، إلا أن هوبسون يرى أنه يمكن للرأسمالية أن تتجاوز هذه الاضطرابات وتستمر طويلاً دون الانتقال إلى مرحلة الشيوعية.

3- نظرية لوكسمبورغ‏
يعتقد لوكسمبورغ أن سبب نشوء الاستعمار والنظام الامبريالي هو التوزيع الغير عادل للثورة. ومن أجل تجنب هذا الوضع ينبغي أن توزع الثروة بشكل عادل بين أوساط الشعب والمجتمع. إ لا أنه يوضح أسباب عدم التوزيع العادل للثروة وكيفية العلم من أجل توزيعها بشكل عادل.

* الفصل الثالث‏
الأسس الفكرية للنظام الاستكباري‏
+ الأصول‏
تقوم المذاهب الامبريالية الحاكمة على العالم أساساً على نفس المباني الإلهية وما يسمى اصطلاحاً ما وراء المادة والحس ويتم هذا الإنكار في عالم الاشتراكية بالصرامة والوضوح من خلا تبني الفلسفة المادية. أما عالم الرأسمالية فلا يصرّ بذلك بل نرى فه حضور المذاهب الدينية ظاهراً وحتى الحكومات فإنها تؤيد ظاهراً حرية الاعتقاد الديني. ولكنه من جهة الحكم والسياسة والخطط الحكومية فإنها تتبنى المباني المادية المحضة.
وقد مر معنا في الفصل السابق أنه لمعرفة أي نظام اعتقادي واجتماعي فإنه يجب البحث وتحليل نظرة هذا النظام للإنسان، العالم، المجتمع والتاريخ.

+ الإنسان من وجهة نظر الاستكبار
لكي تتضح نظرة النظام الاستكباري نحو الإنسان ينبغي أن نبحث بشي‏ء من التفصيل فيما يلي:
1- الخصائص الإنسانية في النظام الاستكباري.
إن أساس النظرية الاستكبارية نحو الإنسان يقوم على الاهتمام بالبعد المادي له فليس الجانب الإنساني. وبتعبير آخر فالمستكبر عندما ينظر إلى الإنسان ويقوم بتحليله فإنه ينظر إليه كموجود مادي محسوس. والمعايير الإنسانية الأصيلة في النظام الاستكباري هي كالتالي:
أ- قيمة الإنسان:
تتفاوت قيمة الإنسان من شخص لآخر في النظام الاستكباري والمعيار في ذلك مقدار الإنتاج والصرف للفرد وكلما كان الإنسان ينتج أكثر كانت قيمته أكبر. أما في المعايير الإسلامية الإلهية، فهي مختلفة تماماً مثل العلم، التقوى، الإيثار، الإنفاق والجهاد.
ب- هدف الإنسان:
يتضح الهدف عند الإنسان المستكبر من تحديده لقيمة الإنسان فهو لا يعيش إ لا لتحصيل اللذة والرفاه المادي في الحياة. وكل مساعيه تتمحور في هذا الاتجاه. ولذلك فإن الإنسان المتقي والورع لا يعتبر متمدناً ومتحضراً.
ج- طلب الدنيا:
ينظر النظام الاستكباري إلى اللحظة الحاضرة دائماً ولا ينظر إلى المستقبل- حسب التعبير القرآني التوجه نحو الدنيا فقط- لأنه لا يعتقد بالآخرة والحساب. ولذلك فهو يقوم بأي شي‏ء من الظلم والفساد- الأعمال الغير مشورعة من أجل تحصيل السعادة في الدنيا.

2- نسبة الأخلاق:
إن مجموعة القيم الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً بارتهان الأفراد وبالتالي المجتمع أو استقلالهم. لأن كل خصلة من الخصال الأخلاقية تكون بدورها منشأ لظواهر وآثار عديدة وعلى مر الزمن تشكل وضعاً اجتماعياً عاماً. والشعوب التي لا تسعى لتطبيق القيم الأخلاقية فمن البديهي أنها ستكون فاقدة للصبر والقناعة ومقاومة الأعداء. إن البناء الأخلاقي للمجتمع يعتمد على المسلك العقائدي لذلك المجتمع. فالعقيدة هي في تحديد القيم عند الشعوب. ففي المجتمعات الغربية الصناعية ذات الطابع العقائدي المادي تجعل القيمة للآلات والأموال والمظاهر الدنيوية البراقة. ولذلك لا اعتبار للقيم الأخلاقية مثل الصدق والأمانة والتضحية والعفة وغيرها فإنها جميعاً محكومة بمقدار الفائدة المادية المتحصلة منها. وهذا هو المقصود من نسبية الأخلاق في النظام الاستكباري.
وقد عمل الاستكبار على ترويج الفساد والفحشاء في أوساط الشعوب فيما سمي بالحرب أخلاقية، إذ أنه وجد في ذلك عوناً له على إضعاف الشعوب ونزع الروح الثورية والجهادية من أنفسهم مما يسهّل عليه استعمارهم والتسلط عليهم.

3- الإنسان في المجتمع الرأسمالي والاشتراكي:
يدعي كل من الاستكبار الغربي والشرقي وجود اختلافات أصولية بينهما في تقييم مكانة الفرد والمجتمع إلا أنه لا يعدو في الواقع أن يكون شكلياً، فالرأسمالية تعطي الأصالة والحرية للفرد بالمطلق. وهي تبغي إعطاء الأولوية في التملك والحرية للفرد. فالفرد هو الأساس. أما الاشتراكية فإنها تعطي الأصالة والحاكمية للمجتمع. فالفرد لا يحق له بالتملك سوى ما يكفيه لمعاشه وبالتالي لا اقتصاد حر عند الاشتراكيين.

* المجتمع من وجهة نظر النظام الاستكباري‏
إن العامل الوحيد المتحكم في كل التحولات الاجتماعية من وجهة النظر الاستكبارية هو العالم المادي لأن تحليلهم لكل أمور العالم ينبع من البعد المادي. فعلى سبيل المثال، إن أساس فلسفة ماركس هي "المادية الديالكتيكية" ويتبعها "المادية التاريخية". حيث فسّر التكامل البشري عبر التاريخ من خلال تكامل وسيلة الإنتاج والتي ينتج عنها تحولاً في الروابط الاجتماعية من قبيل المذهب، الأخلاق، الدولة، السياسة، التعليم والتربية وغيرها من الخصائص الاجتماعية. ويعتبر الماركسيون أن هذا التحول جبري وميكانيكي حتى الوصول إلى مرحلة الشيوعية التامة.

في النظام الرأسمالي ينظر إلى المجتمع على أساس ظاهرة اقتصادية بحتة، وهدفه الأصلي تنمية القدرة الرأسمالية. والعامل في التغييرات الاجتماعية هو القدرة الاقتصادية. ويمكن هنا ملاحظة أن الأنظمة الرأسمالية ويغر الرأسمالية تنظر إلى المجتمع نظرة متشابهة من حيث التأكيد على الروابط الإنتاجية. وفي دنيا الاستكبار، المجتمع هو وسيلة لإجراء السياسات المختلفة التي تؤدي إلى تحصيل المكاسب والمنافع الشخصية ويستخدمون في سبيل ذلك حتى العلم حيث يقومون بدراسات وتحقيقات في عادات البشر والشعوب وآدابهم ومعتقداتهم لتسهيل عملية التسلط عليها. وخير ذليل على ذلك علماء الاجتماع والإنسان والتاريخ والاستشراق الذين أغنوا جامعاتهم بالتحقيقات والدراسات الإنسانية.
 

*العالم من وجهة نظر النظام الاستكباري‏
1- تقييم العالم‏
إن الاعتبار الأصم للعالم لجهة كونه عنصراً مادياً بعيداً عن المعنويات. ولا اختلاف في ذلك بين الشرق والغرب. لأن البناء الاعتقادي لكلا النظامين كان مادياً. فلو وجدنا اختلافاً في ظاهر الأمر، فإن التحليل العميق يؤكد وحدة الرؤية عندهم. وإن ادعاء الغرب للمسيحية يكذبه الالتزام العملي بالمبادئ‏ المادية.

2- الإنسان والعالم‏
إن الهدف من هذا العالم هو تأمين الحاجات النفسية وإشباع اللذات والأهواء الشخصية، وبالنظر إلى عدم التفاتهم إلى عالم الآخرة فإنهم لا يشعرون بأية مسؤولية تجاه أعمالهم، ولا يتورعون عن الاستفادة من أحدث وسائل العلم والتكنولوجيا في سبيل تحقيق مصالحهم ومآربهم.

3- معايير التقييم‏
إن القيمة والمعيار وانطلاقاً من البناء العقائدي المادي- هو لكل ما يزيد في كمية الثروة والقوة والميزان في حقانية العدل ومقبوليته هو التوفيق والنجاح وأن يؤدي إلى تنامي الثروة وازدياد الإنتاج ولا عبرة بكيفية أداء هذا العمل.
وهكذا تحولت العلاقة بين الإنسان والعالم من علاقة الاستفادة المتبادلة، حيث كان عليه تأمين الإمكانات اللازمة لاستمرار الحياة للأجيال القادمة وعدم إهدارها والإسراف في صرفها، إلى علاقة أحادية والاستفادة من كل ما أمكن. فعلى سبيل المثال إن استمرار في استخدام النفط على هذا المنوال سوف يستنفد الذخائر النفطية خلال الأربعين سنة القادمة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع