مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة: كبيرُ وُلْدِ عليّ

أحمد بزّي


مبارك لكم ذكرى ولادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام  15 شهر رمضان عام 3هـ

- "اقتربَ موعدُ الصلاة. إنَّه سيخرُج يا (أصبغ)، سيخرج".
- "ما النَّفعُ في أن أبقى في شرطة الخميس وإمام الزمان ترك الكوفة؟ نعم، جئتُ المدينة خلفه. فقد عاهدتُ عليّاً أن أبقى معه حتّى النصر أو الشهادة، وإلى الآن، لم يُكتبْ لي إلّا النصر. سألازمُه".

•"لقد خرج"
وجدْتُ كُرسِيّاً مُهملاً من قَشّ، تناولته ووضعتهُ في أوَّلِ الزُّقاقِ الذي يُقيمُ فيه. جلستُ ووجَّهتُ بصري نحو بابِ دارِه. لقد حفظتُ موعد خروجه، فأنا أراقبه منذ أن وصلنا قبل أربعة أيّام. أماميَ ساعة من التَّحديقِ في حلقةِ بابه، وخشبِه، وعتبتِه، وشكلِ الظلال. الشُّمسُ حارقة، وسخونةُ الهواءُ تلسعُ الوُجوه، والترابُ عطشٌ لوقعِ خطاه. بدأتْ حركةُ النّاسِ تهدأ شيئاً فشيئاً. هم يعرفون موعدَ خروجه أيضاً، حتّى كأنَّ الطريقَ قد انقطع، لم يعُد يمرُّ فيه أحدٌ إجلالاً له.

أضاءَ لونُ الباب، ثمَّ انفتح. خرج ابن الثمانية والثلاثين عاماً، مُتعمِّماً بعمامةٍ من قطن، وقد ألقى طرفاً منها على صدرِه، وأخذ بيدهِ عصاً. هو أشبه النّاس في خروجه برسولِ الله، عليه سيماءُ الأنبياء، وفيه بهاءُ عليّ، فهو كبيرُ ولده، ووليُّ عهده، وشريكُ سرِّه، والخبيرُ بصبرِه.

- "لقدْ خرجَ الحسن".

•قبل ثمانية وثلاثين عاماً
ما زالت المدينة تتذكّر، قبل ثمانٍ وثلاثين عاماً، ليلة الثلاثاء في النصف من شهر رمضان، العام الثالث للهجرة، هبطَ جبرائيلُ إلى الأرض. كان خاتم المرسلين في دار عليٍّ وفاطمة، يقف فوق رأس أمّ أبيها، وبقربه كان يقف عليّ. الجمادات كانت تتراقصُ فرحاً، وهو يحمِلُ حفيده الأوّل؛ خدّاه أملسان كالسهول، خلقته منيرة بيضاء، عيناه بامتداد السماء، عنقه كإبريق فضّة، يشبه رسول الله محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم.

- "سمِّهِ يا عليّ"، قالت سيّدة الأمّهات.

- "لا أسبق رسول الله في ذلك، يا نورَ عيني، يا فاطمة". ابتسم عليٌّ وعيناه تتلألآن، وهو ينظر في وجهها.

- "الحمد لله على سلامتكِ. مبارك مولودنا".

أخذ النّبيُّ خرقةً بيضاء ولفَّهُ بها، ثمَّ قال: "ما كنت لأسبق ربّي".

وصل جبرائيلُ بين يدي الأمين، وقال: "العليُّ الأعلى يقرئك السّلام والتهنئة ويبلّغك أنّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمِّهِ باسم ابن هارون، سمِّه شُبَّر".

- "السّلام على موسى الكليم، ولكنَّ لساني عربيٌّ يا جبرائيل"، ألمحَ النبيُّ.

- "سمِّهِ (الحسن) حسن الاسم، والخلقة، والخُلُق، والمنزلة".

أبلغ النبيّ أبا الحسن عليّاً باسم مولوده، فأزهرت فاطمة، وطلبتْ ولدها إليها. قبَّله النبيُّ في جبينه، ووضعه بين يديها. عاد الأمين جبرائيلُ إلى السماء. كانت أفراح أهلها أشدّ من فرح الأرض بقدوم سيّد شباب أهل الجنة.

•يتبرّكون من طرف عمامته
أمّا المدينة اليوم، فقد كنتُ أظنُّ أنّني الوحيد فيها الذي أجلسُ منتظراً خروجَه، وإذا بالناس قد تجمهروا خلفه. فمنذُ عودتِنا إلى المدينة أصبحَ بيتُ المُجتبى حرمَها الثَّاني بعد مسجدِ النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

رمى الإمامُ ابتساماتهِ في الوجوه، ونشر السَّلام في كلِّ اتّجاه، وبانحناءةٍ خفيفةٍ واليدُ على الصَّدرِ الذي شمَّه الرَّسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقَّر من بقيَ من صحابةِ جدِّه وأبيه.

ثمَّ مشى ناحية المسجدِ والنَّاسُ يمشون خلفه. أعطى سائلاً قبلَ أن يسأله، وتقدَّمَ منه سائلٌ آخر فطلبَ منه أن يكتبَ حاجتهُ على الأرض، لم يشأ أن ينظرَ في وجههِ حتّى لا يرى ذلَّ السُّؤالِ فيه. أكملَ سَيرهُ والنّاسُ من حولهِ في ازدياد، يتبرَّكون بطرفِ عمامته، وردائهِ، وأصابع يمينه وشماله، وهو يدعو ويُحدّث ويسأل ويُجيب.

•دعوة العمر
حتّى رأى في الطريقِ غلاماً يأكلُ من رغيفٍ لقمةً ويُطعمُ كلبه لقمة.

- "ما حملكَ على هذا؟"، سأله الإمام.

- "إنّي أستحي أن آكلَ ولا أطعمه"، أجابَ الغلام.

- "لا تبرح مكانك حتّى آتيك".

ثمَّ عادَ الإمام، وعادَ خلفه كلُّ الذين يتبعونه. وصلَ الرّكبُ العفويُّ يتقدَّمه الإمام إلى سيِّدِ ذاك الغلام، وبأسرعِ صفقةٍ رأيتها في حياتي، اشتراهُ منه واشترى البُستانَ الذي يعملُ فيه.

عُدْنا إلى الغلام. أعتقهُ الإمامُ وملَّكه البُستان، ودعا له.

حمَلني فعله على التَّفكير؛ شفقة الغلامِ على الكلب وتقاسمهُ الطّعامَ معه، حرَّرهُ وأغناهُ وأنالهُ دعوةَ العُمْر على لسانٍ لا تُردُّ دعوتُه!

تهتُ في الفكرةِ حتَّى وصلنا المسجدَ النَّبوي.

•"سيّد شباب أهل الجنّة"
تغيَّر حالُ الحسن، أحنى رأسه للقبَّة الشريفة، وقصُرتْ خُطْواته، تعاهدَ نعليه، ودخلَ باليُمنى، ونحنُ نفعلُ مثلَه. هنا وقبل ثلاثين عاماً خطبَ النَّبيُّ وإلى جانبه الحسن، كان ينظرُ النَّبيُّ إلى النّاسِ مرّةً وإلى الحسن مرّة، يوجِّه أنظارَهم إليه، فإذا نظروا يقولُ لهم: "ابني هذا سيّد شبابِ أهلِ الجنة".

ارتفعَ صوتُ الأذان. وقفَ الحسنُ في محرابه للصلاة، اصطفّ أهل المدينة، كبَّر فيهم، كبّروا خلفه.

وما إن أنهى الإمامُ صلاة العصر، جلس في النّاس ووجههُ أصبحَ قِبلتهم. تحلّقوا حوله يسألونه ويُجيبُهم، وجلستُ أدوِّنُ ما لمْ تسمحْ لي ظروفُ الكوفة أن أكتبَه. سأتفرَّغُ في المدينة للعلم ورواية الحديث، وسأبقى على عهدي لعليٍّ عليه السلام، سأبقى إلى جانبِ سيّدي ومولاي الإمام الحسن عليه السلام حتّى النّصر أو الشهادة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع