صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

الارتباط الروحيّ بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

الشيخ بسّام محمّد حسين
 

"كم هو رؤوف إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بأولئك الذين يذكرون اسمه، وينادونه، ويستغيثون به! إنّه أرأف بهم من أبيهم وأمّهم!". (المقدّس الشيخ بهجت أعلى الله مقامه)(1).

* أهمّيّة العلاقة بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
تمثّل العلاقة بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف أبعاداً مختلفة للإنسان الموالي لأهل البيت عليهم السلام؛ فعلى المستوى العقائديّ لا بدّ من الاعتقاد بوجود واسطة بين الحقّ سبحانه والخلق؛ لأنّ الأرض لا تخلو لله من حجّة، ومن الضروريّ أن لا ينقطع هذا الحبل المتّصل بين الأرض والسماء، الذي اسمه وليّ الله وحجّته وخليفته في الأرض. وعلى المستوى السياسيّ والاجتماعيّ، يرتبط الإنسان في الشأن العامّ بالمشروع المهدويّ الكبير، من خلال سعيه الدؤوب لتمهيد الأرض لإقامة العدل ورفع الظلم وإعداد العدّة لظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وهناك مستوى آخر يعدّ أساساً لبناء الشخصيّة المهدويّة للإنسان، وهو عامل الارتباط الروحيّ والمعنويّ بإمامــــــه عجل الله تعالى فرجه الشريف ومشروعه العالميّ الكبيــــــر، وهو ما رسمته لنا الأدعية والزيارات والأعمال الواردة في هذا الشأن.
وسوف نحاول الإطلالة على هذا الأمر من خلال هذه المقالة الموجزة.

* الارتباط الروحيّ في الدعاء والزيارة
الدعاء هو حالة اتّصال روحيّ بين العبد وربّه، فالعبد حينما يريد الحديث مع خالقه، صاحب القدرة الحقيقيّة، والقوّة المطلقة، والإرادة الكبرى، والذي ترجع الأمور كلّها إليه، يستمدّ من هذا التواصل العزّة والمنعة والقوّة والثقة بالله والتوكّل عليه.
والزيارة بما تمثّله من حضور بين يدي حجّة الله، تعبّر أيضاً عن حالة اتّصال مع خليفة الله، المسؤول عن إقامة العدل والإصلاح في الأرض، ليقوم الإنسان بتقديم البيعة والعهد والعقد مع هذا الإمام، وإبراز حالة الانتماء والجهوزيّة للمشاركة والتضحية في سبيل مشروعه.
وعلى هذا الأساس، فإنّ الدعاء والزيارة يعبّران عن ركيزتَين للعلاقة الروحيّة والمعنويّة بالله تعالى الذي له الحاكميّة المطلقة، وبوليّه في الأرض الذي يقود عمليّة التغيير والإصلاح وإقامة العدل، ضمن نظام الابتلاء وسنن الله في جريان الأمور، عبر وسائطها وأسبابها الطبيعيّة.

* الأدعية والزيارات المهدويّة
بالرجوع إلى الأدعية والزيارات الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، التي تؤسّس للعلاقة الروحيّة مع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، نجد أنّ حجم الجرعات الروحيّة في المناسبات المختلفة، يضخّ مستوى عالياً من التواصل، بحيث يغطّي مساحة كبيرة للارتباط لو التزم بها الإنسان على مدار الأيّام والشهور.
وسوف نقوم باستقصاء بسيط حول هذا الاهتمام من خلال ملاحظة تكرّر أهمّ هذه الأدعيّة والزيارات، ومناسبتها في حياة المؤمن.

وهذا جدول ببعض الأعمال الواردة مع المدّة الزمنيّة التي يُطلب فيها هذا الارتباط:

العمل المدّة الزمنيّة
دعاء العهد 40 يوماً قابلة للتجديد على مدار السنة
دعاء الافتتاح 30 ليلة من أعظم ليالي السنة في شهر رمضان الذي هو أفضل الشهور
دعاء الندبة يوم في الأسبوع على مدار السنة، وأيّام الأعياد
دعاء الفرج (اللهم كن لوليّك) ليالي القدر وهي أهمّ الليالي في السنة، وكلّ ما حضرك من دهرك
الارتباط به يوم الجمعة من خلال تعيين مناسبة أسبوعيّة كيوم يخصّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
ذكره عجل الله تعالى فرجه الشريف وزيـــــارته في الأعياد (الفطر، الأضحى، الغدير) هو ارتباط من خلال مناسبات سنويّة جامعة لها أبعاد عباديّة وسياسيّة
الارتباط به في يوم عاشوراء أعظم المناسبات السنويّة حضوراً في الوجدان هو يوم عاشوراء باعتباره يوم إعلان ظهوره
الزيارات كزيارة آل يس وغيرها من التوســــلات والأدعية المتفرّقة  


* مناسبات مختلفة خلال السنة
1- دعاء العهد أربعين صباحاً
ورد دعاء العهد كأحد الأدعية اليوميّة التي يقوم الإنسان من خلالها بتجديد العلاقة بإمام زمانه عجل الله تعالى فرجه الشريف بشكل يوميّ. وقد حثّت الرواية على قراءته أربعين صباحاً كحدّ أقلّ، لما في تكراره هذه المدّة من رسوخ مفاهيمه وتثبيت العلاقة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، من خلال ما يتضمّنه من مضامين تحكي عن مشروع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وحالة الاستعداد لظهوره.
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد، كان من أنصار قائمنا، وإن مات، أخرجه الله إليه من قبره وأعطاه الله بكلّ كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيّئة"(2).

وينقل أحد المقرّبين من الإمام الخمينيّ قدس سره أنّه قال: "أحد الأمور التي أوصاني بها الإمام في أيّامه الأخيرة هي قراءة دعاء العهد. كان يقول: اقرأ هذا الدعاء في كلّ صباح، فإنّ له دوراً في تحديد مصيرك"(3).

2- دعاء الافتتاح ثلاثين ليلة
ليالي شهر رمضان المبارك هي أعظم الليالي على مدار السنة، وفيها ليلة القدر، أعظم ليلة على الإطلاق، حيث نزل فيها القرآن الكريم، وتُنزَّل الملائكة والروح فيها. وفي شهر الصيام والقيام والدعاء، يقوم الإنسان بقراءة دعاء الافتتاح في كلّ ليلة والتوجّه إلى الله تعالى من خلاله بإمام زمانه عجل الله تعالى فرجه الشريف بما يشكّل ارتباطاً روحيّاً عالياً تهيّئه له عظمة الزمان وفضل أوقاته.
خصوصاً أنّ تنزّل الملائكة والروح في ليلة القدر إنّما هو على قلب إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وحجّته على عباده، فهي بتعبير الإمام الخمينيّ قدس سره: "ليلة التوجّه التامّ للوليّ الكامل، وليلة ظهور سلطنته الملكوتيّة، بتوسّط النفس الشريفة للوليّ الكامل، وإمام كلّ عصر، وقطب كلّ زمان، وهو اليوم حضرة بقيّة الله في الأرضين، سيّدنا ومولانا وإمامنا وهادينا الحجّة ابن الحسن أرواحنا لمقدمه الفداء"(4).

3- دعاء الندبة كلّ جمعة وفي العيد
وردت قراءة هذا الدعاء كما هو معروف في الأعياد الأربعة: يوم الجمعة، وعيدي الفطر والأضحى، وعيد الغدير الأغرّ(5). وفيه معارف عالية، ومقامات سامية، وصفات ومنازل للإمام، وشرح لوظائف وأهداف حركته، ونجوى وندبة، وحنين وأنين، يراد من ذلك كلّه ربط المنتظِر بإمامه روحيّاً وقلبيّاً وفكريّاً ومعرفيّاً.
ولطالما حفلت مجالس هذا الدعاء التي يقيمها المحبّون والموالون، والعلماء والمجاهدون، بأجواء روحيّة خاصّة وتعلّق قلبيّ، وبكاء من هؤلاء المشتاقين لإمامهم، ولا شكّ في أنّ عناية الإمام كانت تشملهم بلطفه وترعاهم بعينه الحاضرة. وفي الحقيقة، إنّ مضامين هذا الدعاء تحرق القلوب، وتقطّع الأكباد، وتجري الدماء من آماق الذين شربوا قليلاً من شراب محبّته عجل الله تعالى فرجه الشريف، ووصلت مرارة سمّ فراقه إلى حلوقهم(6).

ينقل المحدّث النوريّ رحمه الله في بعض قصص اللقاء عن الشيخ زين العابدين السلماسي تلميذ السيّد بحر العلوم (المعروف بلقائه الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف): "أنّه في إحدى المرّات وكان يوم الجمعة، والمولى المذكور يقرأ دعاء الندبة، وجماعة يقرؤونه بقراءته، وكان يبكي بكاء الواله الحزين، ويضجّ ضجيج المستصرخين، وهم يبكون ببكائه، وإذا بشرق مسك ونفحته قد انتشر في السرداب، وملأ فضاءه، وأخذ هواءه، واشتدّ نفاحه، بحيث ذهبت عن الجميع تلك الحالة، فسكتوا كأنّ على رؤوسهم الطير، ولم يقدر أحد على حركة وكلام، فبقوا متحيّرين إلى أن مضى زمان قليل، فذهب ما كانوا يستشمّونه من تلك الرائحة الطيّبة، ورجعوا إلى ما كانوا فيه من قراءة الدعاء"(7).

4- زيارة آل يس
وهي زيارة معروفة جدّاً، وينقل عن بعض أهل العبادة أنّها والزيارة الأخرى أو الاستغاثة التي تبدأ: بـ"سلام الله الكامل التامّ الشامل العامّ"، طريق إلى التشرّف بلقاء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف(8).
وبما أنّ الزيارة تعبّر عن الحضور المعنويّ والقلبيّ للزائر بين يدي وليّ الله وحجّته، خصوصاً مع ما تحمله من مضامين عالية؛ توحيديّة ومعرفيّة وسلوكيّة وتربويّة وغيرها، فلا شكّ في أنّها تساهم في ضخّ جرعة روحيّة كبيرة من شأنها أن تقوّي العلاقة والارتباط بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

* أعمال أخرى
لو تتبّعنا جملة أخرى من الأعمال الواردة في الأدعية والزيارات، سنجد أنّ ثمّة مساحة كبيرة تغطي الأيّام والشهور والمناسبات المختلفة التي لها علاقة بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، يُراد للإنسان أن يرتبط فيها بإمامه، كما ورد عنهم عليهم السلام في دعاء الفرج أن يُقرأ في الأوقات جميعها: "وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك"(9)... إلى غير ذلك من أوجه الارتباط الروحيّ التي يراد معها لهذه الحقيقة أن تبقى نابضة في قلب المحبّ والموالي لإمام زمانه عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ ليستشعر لطفه وعنايته ومحبّته وحضوره الذي لا تخفيه سحب الغياب، والسلام عليك يا بقيّة الله في أرضه.
 

(1) در محضر بهجت، ج2، ص366.
(2) بحار الأنوار، المجلسي، ج83، ص47؛ المزار الكبير، ص663.
(3) برداشتهايي أز سيره إمام خميني، ج3، ص 42.
(4) الآداب المعنوية للصلاة، ص497.
(5) بحار الأنوار، (م.س)، ج99، ص104.
(6) النجم الثاقب، المحدّث النوري، ج2، ص522.
(7) (م.ن)، ج2، ص292.
(8) انظر: آداب عصر الغيبة، حسين كوراني، ص70.
(9) الكافي، الكليني، ج4، ص162.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع