صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

الإمام الهادي عليه السلام يتحدّى بريق السيوف

الشيخ حسن الهادي

 



إنّه الإمام الهادي النقيّ عليه السلام، الذي قاسى ما قاساه من استبداد ستّة من الحكّام العبّاسيّين وجَورهم. كيف واجههم؟ وكيف حفظ شيعته؟

•العبّاسيّون وقناع "الولاء لأهل البيت"
كان الطابع الحاكم في سياسة الحكّام العباسيّين تجاه أئمّة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم يتمحور في نهجين؛ ففي حين تظاهر بعضهم نفاقاً باحترام الأئمّة عليهم السلام وتكريمهم، وحفظ جانب من حقوقهم وتقريبهم من الحكّام ومواقع السلطة، أفرط بعضهم الآخر في التعامل القاسي والغليظ معهم ومع أصحابهم بالتعذيب، والتشريد، ومصادرة الحقوق، والممتلكات وصولاً إلى السجن والقتل. وتمثّل القاسم المشترك بين الحكّام العباسيّين جميعاً في تمسّكهم بالسلطة، واعتبار الخلافة من حقوقهم الطبيعيّة.

•الإمام الهادي عليه السلام والحكّام العباسيّون
عاصر الإمام الهادي عليه السلام الحكّام العباسيّين في مرحلتين:

الأولى: تتمثّل في الحقبة الزمنيّة التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجواد عليه السلام، ويبلغ أقصاها ثماني سنوات تقريباً، وقد عاصر فيها كلّاً من المأمون والمعتصم العباسيَّين.

الثانية: تتمثّل في الفترة الزمنيّة بين تولّيه عليه السلام لمنصب الإمامة إلى حين استشهاده عليه السلام، وهي أربع وثلاثون سنة تقريباً. وقد عاصر في هذه الفترة ستّة من ملوك بني العباس، وهم: المعتصم، الواثق، المتوكّل، المنتصر، المستعين، والمعتزّ. ونتحدّث عن أبرز الأحداث:

1- جرائم المتوكّل: تذكر المصادر التاريخيّة أنّ المتوكّل العباسيّ كان يرى أنّ وجود الإمام الهادي عليه السلام في المدينة بعيداً عن رقابته يُشكّل خطراً على دولته، فأمر باستقدامه إلى سامرّاء لكي يضعه تحت رقابته، ويرصد حركاته بعيداً عن قواعده الشعبيّة، من أجل عزله عنها تمهيداً لشرذمتها، وتمييع قضيّتها، وتيئيسها من الانتصار، كذلك حاول جعله تحت أنظار الحاكم بشكل شبه دائم؛ ليكون بين سمعهم وأبصارهم فلا تفوتهم منه شاردة ولا واردة، وحاول استعمال أساليب لا تثير مشاعر أتباعه وردّ فعل الجماهير، وتأمين طريق وصوله إلى سامرّاء(1). وممّا قام به:

أ- دعا المتوكّل العباسيّ الإمام عليه السلام إلى حضور العسكر على جميل من الفعل والقول، مدّعياً أنّه عارف بقدر الإمام عليه السلام وراعٍ لقرابته، وجاء في كتابه إلى الإمام عليه السلام: "وإنّ أمير المؤمنين مشتاق إليك، يحبّ إحداث العهد بك، والنظر إليك"(2). ولم يكن مكر المتوكّل خافياً على شيعة الإمام عليه السلام ومحبّيه، وإلى هذا أشار ابن الجوزيّ عن يحيى بن هرثمة -الذي تولّى جلب الإمام عليه السلام إلى سامرّاء- بقوله: "وعندما أرسلني المتوكّل إلى المدينة لإشخاص الإمام الهادي عليه السلام إلى سامرّاء، ودخلت المدينة، ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على الإمام عليه السلام"، وأضاف يحيى: "وقامت الدنيا على ساق..."(3).

ب- كان المتوكّل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم، مهتمّاً بأمورهم، شديد الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظنّ والتهمة لهم(4). فكان عصر المتوكّل أكثر عصور المحنة شدّة على الإمام الهادي عليه السلام وشيعته، حيث شنّ حملة مطاردة واضطهاد لقواعد أهل البيت عليهم السلام وأصحابهم.

ج- حاول المتوكّل تدمير كلّ أثر شيعيّ لهم، زيادة في إرهابهم وإمعاناً في إذلالهم.

د- حاول المتوكّل التظاهر بإكرام الإمام عليه السلام وتبجيله، إلّا أنّه بذل قصارى جهده للتقليل من مكانته عليه السلام والحطّ من منزلته بطريقة خفيّة، في الأوساط العلميّة والاجتماعيّة، مُظهراً للناس أنّه أحد رجال القصر والخادمين للسلطان، وأنّه لا يختلف عن غيره من هذه الحيثيّة(5).

هـ- كرّب(6) المتوكّل قبر الحسين وعفّى آثاره، ومنع الناس من زيارته، وتوعّد بالسجن على من زاره(7). وقد أثار المتوكّل بهذه السياسة حفيظة المسلمين بشكل عامّ، وأهل بغداد بشكل خاصّ. وقد ردّوا على الإهانات التي ألحقها بالعلويّين، فسبّوه في المساجد والطرقات(8).

2- المنتصر والتخفيف: بعد وفاة المتوكّل العبّاسيّ، تولّى الحكم ابنه المنتصر ستّة أشهر، وبمجيء المنتصر، خفّ الضغط على الإمام عليه السلام خاصّة، والعلويّين عامّة في سامرّاء، وتجلّت سياسته في اللين مع شيعة أهل البيت عليهم السلام، حيث أظهر حُسنه لهم، مخالفاً بذلك سياسة أبيه، وفي إزالة الخوف عنهم والسماح لهم بزيارة قبر الحسين عليه السلام. فقد كان المنتصر يؤثر مخالفة أبيه في أحواله جميعها، ومضادة مذهبه؛ طعناً عليه ونصرة لفعله، وإن بقي موقف بعض الوزراء والأمراء خارج سامرّاء على حاله من الضغط على الشيعة ومحاربتهم. وكان لهذا التخفيف ورفع القيود النسبيّة عن حركة الإمام عليه السلام، دور في إعادة تنظيم واقع الشيعة في سائر البلدان، حيث كان الإمام عليه السلام يتدخّل بسرعة لتنصيب البديل عن الوكيل الذي يُعتقل أو يُمنع من التحرّك في الوسط الشيعيّ. ولم يدم حكم المنتصر طويلاً، فقد تآمر عليه الأتراك وقتلوه(9).

3- المعتزّ قاتل الإمام عليه السلام: بعد مقتل المنتصر، تولّى الخلافة المستعين بالله، وأرجع عاصمته إلى بغداد، وقد تمّ قتله غيلة(10)، وتولّى المعتزّ الخلافة من قِبل الأتراك(11). وفي هذه المرحلة، ظلّ الإمام الهادي عليه السلام يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّى دُسّ إليه السمّ. والصحيح أنّ المعتزّ هو الذي دسّ إليه السمّ وقتله، حيث استشهد عليه السلام في أواخر مُلك المعتزّ، ويذكر غير واحد من المؤرّخين، أنّ المعتزّ قد يكون أمر بذلك، ويمكن أنّه استعان بالمعتمد في دسّ السمّ إليه.

•جهاد الإمام عليه السلام رغم التضييق
1- رعاية التشيّع: لقد أبدع الإمام القائد السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله بتصوير جهاد الإمام الهادي عليه السلام وسياسته في حفظ الإمامة، وحرصه على انتشار الشيعة وحضورهم العلميّ والاجتماعيّ القويّ والفعّال على امتداد جغرافيّة التشيّع في ذلك الزمان، بقوله: "... وفي مدينة سامرّاء نفسها، اجتمع عددٌ ملحوظٌ من كبراء الشّيعة في زمن الإمام الهادي عليه السلام، وتمكّن الإمام عليه السلام من إدارتهم، وإيصال رسالة الإمامة من خلالهم إلى مختلف مناطق العالم الإسلاميّ. فالرّسائل وهذه الشّبكات الشيعيّة في قم وخراسان والريّ والمدينة واليمن، وفي المناطق البعيدة، وفي أقطار العالم جميعها، هي التي استطاعت أن تروّج وتنشر وتزيد من المؤمنين بهذا المذهب. وقد استطاع الإمام الهادي عليه السلام أن يقوم بهذه الأعمال كلّها، تحت ظلّ بريق السّيوف الحادّة والدمويّة لأولئك الخلفاء الستّة، ورغماً عن أنوفهم"(12).

2- توسيع نظام الوكلاء: وعلى الرغم من العزلة التي كانت قد فرضتها السلطة العباسيّة على الإمام عليه السلام، حيث أحكمت الرقابة عليه في عاصمتها سامرّاء، ولكنّ الإمام عليه السلام كان يمارس دوره المطلوب ونشاطه التوجيهيّ بكلّ دقّة وحذر، وكان يستعين بجهاز الوكلاء الذي أسّسه الإمام الصادق عليه السلام، وسعى من خلال هذا الجهاز المحكم لأن يقدّم لشيعته أهمّ ما تحتاج إليه في ظرفها العصيب، حيث كان وكلاؤه موزّعين على المناطق التي يقطنها أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وخاصّة في إيران، فكانوا خير وسيلة للتواصل مع شيعته أينما كانوا. وكان الوكلاء يتواصلون مع الإمام عليه السلام عن طريق المكاتبات بواسطة الثُّقات من الشيعة. وقد قسّم الوكلاء المناطق الآهلة بأكثر عدد من أتباع أهل البيت عليهم السلام إلى مناطق عدّة: بغداد، المدائن، السواد والكوفة، البصرة والأهواز، مدينتا قم وهمدان، الحجاز، اليمن، ومصر(13).

3- حفظ الدين: يؤكّد الإمام الخامنئيّ دام ظله أنّ جهاد أئمّة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم حَفِظَ الدين من الاندثار والضياع والانحراف، ولا سيّما في عصر الإمام الهادي عليه السلام فيقول: "فلو لم يكن للإسلام أمثال هؤلاء من أولي العزم، الذين جذّروا هذه المعارف العظيمة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الأذهان على مرّ التاريخ الإنسانيّ والإسلاميّ لما استطاع أن يعود غضّاً طريّاً يوقظ هذه الصّحوة الإسلاميّة بعد 1230 سنة؛ بل كان ينبغي أن يزول شيئاً فشيئاً..."(14).


1.تذكرة الخواصّ، ابن الجوزيّ، ج2، ص493.
2.الإرشاد، المفيد، ص644.
3.تذكرة الخواص، (م.س)، ج2، ص492.
4.مقاتل الطالبيّين، الأصفهانيّ، ص 478 .
5.أعلام الورى، الطبرسيّ، ج2، ص126.
6.الكرب: إثارة الأرض للزرع.
7.انظر: تاريخ الطبري، ج7، ص363.
8.تاريخ الإسلام السياسي، د. حسن ابراهيم حسن، ج3، ص5.
9.تاريخ الطبري، (م.س)، ج7، أحداث عام 248 هـ.
10.الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج7، ص50 وما بعدها.
11.مروج الذهب، المسعودي، ج2، ص407 - 408.
12.إنسان بعمر 250 سنة، الإمام الخامنئي دام ظله.
13.التاريخ السياسي لغيبة الإمام الثاني عشر‏، جاسم حسين، ص137.
14.إنسان بعمر 250 سنة، (م.س)، بتصرّف.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع