علي عبد المنعم طالب
بعد الحديث عن الزواج وفضله، وموقف الإسلام تجاهه، وصفات كل من الزوج والزوجة، وبعد الإسهاب في الكلام حول حقوق الزوجين على مدى ثلاث حلقات متتالية، وصل بنا الأمر إلى أحكام النظر واللمس والصوت واللباس بالنسبة لكلٍ من الرجل والمرأة. وفي هذا المجال حدّدت الشريعة الإسلامية المقدّسة النظر لكلٍ من الرجل والمرأة في موارد، بيَنت خلالها الحلال من الحرام، والعام من الخاص، لأنّ العين مفتاح القلب، والنظر طريق السقوط والانحطاط نحو الرذيلة.
قال تعالى: ﴿قُلْ للمُؤمِنينَ يَغُضّوا من أبْصارِهِمْ ويَحفظا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ الله خبيرُ بما يَصْنَعُون﴾.
إنّ الله عزّ وجلّ في هذه الآية يأمر الرجال بأن يغضّوا من أبصارهم ويمتنعوا من التطلّع إلى مواطن الفتنة من النساء خشية أن تكون النظرة سبباً للوقوع في المنزلق الحيواني السافل.
ورد في الحديث الشريف أن "النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة".
ومن المفيد هنا أن نفرّق بين حالات النظر المختلفة.
فالنظر المحرّم هو كلّ نظر بتلذذ من غير الزوجين لبعضهما، وكلّ نظر إلى غير الوجه والكفين من المرأة الأجنبية ولو كان بدون تلذّذ وريبة، سوى بعض الحالات التي سنذكرها بالتفصيل وهي على قسمين، عام وخاص.
- النظر الخاص ما يكون موجّهاً إلى الفتاة التي يريد زواجها، وهذا جائز بشروط أربعة:
1- أن لا يكون النظر بقصد التلذذ، ولا بأس بما يحصل قهراً من غير قصد.
2- أن يحتمل حصول زيادة بصيرة بها.
3- أن تكون ممّن يجوز تزوّجها.
4- أن يحتمل موافقتها على الزواج.
في هذه الحالة يجوز النظر إلى كلّ جسدها ما عدا العورة، والأحوط كونه من وراء الثوب الرقيق، ولم لم يحصل له الإطلاع بالنظرة الأولى جاز له تكرار النظر.
- النظر العام ما يكون موجّهاً نحو الزوجة أن المحارم أو نساء أهل الذمّة وما شابه، وقد حُدّد الجائز منه في سبعة موارد.
1- نظر كلّ من الزوج والزوجة إلى الآخر حتّى العورة.
2- نظر الشخص إلى محارمه ما عدا العورة وبدون تلذّذ وريبة.
3- النظر إلى وجه وكفيّ الأجنبية بدون تلذّذ، وكذا المرأة إلى الرجل الأجنبي.
4- نظر الرجل إلى مثله، والمرأة إلى مثلها إلى ما دون العورة من غير ريبة.
5- النظر إلى غير البالغة من البنات دون تلذّذ، والأحوط عد تقبيلها وحضنها إن بلغت ستاً.
6- نظر المرأة إلى الطفل والصبي المميز.
7- نظر الرجل إلى نساء أهل الذمّة ومطلق الكفار والمبتذلات اللاتي لا ينتهين إذا نُهين بشرط عدم التلذّذ، والأحوط الإقتصار على ما اعتدن إظهاره.
* حكم النظر بالنسبة للمرأة:
إذا ما انتهينا من أحكام النظر بالنسبة للرجل لا بأس بالتعرّج إلى تلك الأحكام بالنسبة للمرأة، وفي هذا الإطار لا بدّ من تكملة الآية الشريفة الآنفة الذكر.
قال تعالى:
﴿وَقُلْ للمُؤْمِنَاتِ يغْضُضْنَ من أبْصَارهِنّ ويَحفَظْنَ فُرُجَهُنّ ولا يُبْدِينَ زينَتَهُنّ إلاً ما ظَهَرَ منها، وليَضْربْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلى جُيُوبِهنَ، ولا يُبْدِينّ زِينَتَهُنّ إلاً لِبُعُولِتِهِن أو آبائِهِنّ … ولا يَضرِبْنَ بأرجُلِهنَ لِيُعْلَمَ ما يُخفِين من زِينَتِهِن، وَتُوبُوا إلى الله جميعاً أيّها المُؤمِنونَ لعلَكُكم تُفْلحُونَ﴾.
لقد خصًت الآية – الكريمة المرأة بتعليمات مشدّدة، فأولتها العناية في التوجيه بأكثر ممّا كان للرجل، ذلك لأنّها إحدى مواطن الفتنة التي يقع الرجل في شراكها، وهي الأنوثة الصارخة التي خُلقت لتكون لعبة الرجل كما جاء في الحديث، لذلك خاطبها الشارع فأمرها بالغضّ من بصرها لئلا تتطلع إلى الرجل فتستهويها رجولته، فتقع فريسة بين يديه رخيصة المنال، وكذلك أمرتها الشريعة بإخفاء مفاتنها ومظاهر أنوثتها لئلا تكون سبباً في إثارة شهوة الرجل فيقع في الشرك المحموم.
وفي الوقت الذي أوجب فيه الإسلام على المرأة ستر جميع بدنها وإخفاء مظاهر الزينة عن كلّ ناظر محترم، فقد رخّص لها إبداء بعض المواضع الأخرى وهي الوجه والكفّان.
سئل الإمام الصادق عليه السلام: عما تُظهر المرأة من زينتها؟ قال عليه السلام: "الوجه والكفّين".
* صوت المرأة:
لا بأس بسماع الرجال أصوات النساء الأجنبيات مع عد استلزام الشهوة والمفسدة للسيرة القطعية المتصلة بزمان المعصوم عليه السلام، ففي صحيحة عمّار الساباطي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه سأله عن النساء كيف يُسلّمن إذا دخلن على القوم؟ قال عليه السلام: "المرأة تقول عليكم السلام، والرجل يقول: السلام عليكم" ومن هذه الرواية يُفهم تسالم القوم على جواز سماع صوت المرأة، وإنّما كان السؤال عن الكيفية فقط وقد أقرّه الإمام عليه السلام على هذا الفهم.
أجل، لا يجوز لها أن تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض كما قال تعالى: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي في قَلْبِه مرَضُ﴾ التي تدل على حرمة اللّين في القول وترقيق الصوت، أما سماع المرأة لصوت الرجل فهو جائز بلا إشكال، كلّ ذلك بشرط عدم التلذّذ والمفسدة.
* لمس المرأة:
لا ملازمة بين جواز النظر إلى الوجه والكفين في المرأة وجواز اللمس، إذ هما موضوعان مستقلان لا ارتباط لأحدهما بالآخر، فإذا ثبت جواز النظر في بعض الموارد المتقدّمة ليس معناه جواز اللمس كما هو الحال عند بعض الفرق الإسلامية، حيث أنّ النظر أخف من اللمس عند العرف وجواز الأخف لا يستلزم جواز الأشد كما هو واضح، بل القاعدة عدم جواز لمس المرأة الأجنبية ومصافحتها وما إلى ذلك إلاّ لضرورة كعلاج مريض وإنقاذ غريق.
وفي هذا الإطار ذكرت صحيحة أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قلت هل يصافح الرجل المرأة ليس بذات محرم؟ أجاب عليه السلام "لا إلاّ من وراء الثوب".
* لباس المرأة:
إنّ لباس المرأة إذا كان شفّافاً، أو قصيراً لا يغطي ما وجب ستره، أو كان ممّا يفسّر أجزاء الجسد، أو ممّا يبرز مفاتنه، يعتبر تبرّجاً شرِعاً، وعليه فهو محرّم قطعاً لكونه سبباً تاماً في إثارة الغرائز والشهوات عند الرجل.
وفي هذا الإطار لا بأس بالتعرّف إلى بعض أنواع الألبسة وما حَلّ ارتداؤه منها وما حَرُم.
1- ممّا لا إشكال فيه حرمة لبس البنطلون بالنسبة للمرأة أمام الناظر الأجنبي، لكونه مفسّراً لجسدها ومبرزاً لبعض أعضائها بطريقة مثيرة، ولذا كان محرّماً من هذا الباب وليس من باب تشبهها بالرجال، لأنّ المراد بحرمة تشبه المرأة بالرجل وتشبه الرجل وتذكّر المرأة إن صح التعبير لا مجرّد لبس أحدهما لباس الآخر.
2- لا يجوز للمرأة ارتداء الثوب القصير أو الشفّاف الذي يحكي ما تحته، أما الأول فلوجوب ستر بدن المرأة بأكمله، وأمّا الثاني فلكونه مبرزاً لمفاتنها ومثيراً لغرائز الرجال، هذا بالإضافة إلى حرمة لبس كل ما يعتبر زينة حتى لو كان ثوباً مزخرفاً بألوان زاهية للسبب ذاته، أمّا ارتداء الثوب الفضفاض أو العباءة فهو أمر راجح جداً، بل هو واجب أمام كلّ ناظر أجنبي محترم.