إنّ أساس كلامنا هدفه تقديم الشكر على جهود الممرّضين. ومن المناسب حقاً أن يقدّم الإنسان شُكره إلى كل ممرِّض، ويقدّر له هذا العمل الكبير الذي فيه الكثير من العناء وتحمّل للمسؤولية الثقيلة.
* نعمةٌ مجهولة
تعتبر قضيّة الصحّة من أولى القضايا المهمّة في حياة المجتمعات. فالحديث المعروف: "نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان" يشير بحقّ إلى أمرٍ أساس وحياتيّ. فالصحّة والأمان من النِعم الكبرى، وما لم يُحرم الإنسان منهما لن يدرك أهميتهما وقيمتهما؛ كالهواء والتنفّس، فما دام الإنسان متنفّساً، لا يدرك أهميّة هذه النعمة المجّانية المتوافرة؛ فإذا صعُب عليه التنفّس أدرك عندها أيّ نعمةٍ كبرى قد أضاعها. وشريحة الطبّ والتمريض وسائر الأجهزة الصحيّة هي في الواقع من أسباب تأمين هذه النعمة الكبرى للمجتمع.
* العلاج روحيّ وجسديّ
وفي بعض الأحيان يحلّ العلاج الروحيّ محلّ العلاج الجسمانيّ، وهذا أمرٌ علميٌّ أثبتتْه التجربة.
إنّ دور الممرّض في هذا المجال يُعدّ دوراً بارزاً، فالممرّض يبقى في سعيٍ وتحدٍّ مستمرٍّ على المستوى الروحيّ والنفسيّ؛ فليست القضية منحصرة ببدن المريض وسقمه. فالتعب الروحيّ في التعامل معه والشعور بالمسؤولية بأنّ عليه أن يقدّم الراحة لهذا المريض، بالإضافة إلى العلاج الجسمانيّ، هو قضيّة مجهدة جداً، وعملٌ ثقيل. ومثل هذه المسؤوليّة الثقيلة يتحمّلها الممرّضون.
تأكّدوا، أيّها الممرّضون، أنّ كل لحظةٍ، وثانية أو دقيقةٍ، تقضونها في مثل هذا العمل، مع الالتفات إلى الشعور بالتكليف تجاه المريض، وتجاه هذا الإنسان المبتلى، تُعدّ حسنةً من الله تعالى ولها ثوابٌ وأجرٌ. ففي الحسابات الإلهيّة لا تضيع أيّ ثانيةٍ. ولا يجوز أن نظنّ أنّ هذه اللحظات الصعبة التي يقضيها الممرّض إلى جنب المريض سيتمّ إغفالها في الحساب الإلهيّ. ليس الأمر كذلك، فإنّ كلّ سعي تبذلونه، وكل نَفَسٍ يصدر منكم مقابل المشقّات التي تعانون منها هي حسنةٌ وعملٌ يستحقّ الأجر؛ والله تعالى يسجّل هذه اللحظات كلّها، لذا يجب تقدير هذه الأعمال الشاقّة ذات الآثار الكبرى والمهمّة.
* ميثاق الأخلاق التمريضيّة
لا شكّ في أنّ التكاليف التي على كاهل الممرّض ثقيلةٌ ويجب الاعتناء بها؛ فالأخلاق التمريضيّة كالأخلاق الطبيّة، تُعدّ فريضةً وتكليفاً. فأجر الممرّض عظيمٌ جدّاً مثلما أنّ تكليفه ثقيلٌ جدّاً؛ لأنّ المريض إنسانٌ وليس قطعاً من الحديد والفولاذ، وليس مجرّد جسمٍ؛ فروح الإنسان وأحاسيسه ومشاعره، خصوصاً إذا مرض، يصيبها الوهن وتحتاج إلى الكثير من اللّطف والمواساة. وإنّ ابتسامةً من الممرّض أحياناً تكون أنفع من الدواء الذي يُعطى للمريض، ولها أثرٌ أكبر وقيمةٌ أعلى.
المريض يُبتلى بالاضطراب والانزعاج، وخاصّةً إذا كان من ذوي الأمراض الصعبة. وتقديم المساعدة له لا تكون مساعدةً لجسمه فقط، بالأدوية والحقن والعلاجات الطبيّة؛ بل لروحه أيضاً؛ إذ تحتاج إلى أن تعالج بالمحبّة والرأفة والملاطفة. إنّ سرور روح الإنسان وأعصابه ومشاعره لها تأثيرٌ إيجابيّ على بدنه. وهذا في أيدي الممرّضين.
* عملٌ صعبٌ وأجرٌ عظيم
يقع على عاتق الممرّض عملٌ صعب ومسؤولية ثقيلة. ولكن الأجر عظيم. وهذا التقابل بين الوظيفة والأجر، بين الحقّ والتكليف هو من الأركان الكبرى للمفاهيم والمبادئ الإسلامية. لذا، ينبغي للممرّض أن يعرف عظَمة عمله، والذي هو بالطبع متلازمٌ مع أهمية شخصيّته؛ فيؤدّي العمل كما يليق به.
* العزّة الجهاديّة
عندما يُقال إنّ الدم انتصر على السيف في عاشوراء وفي واقعة كربلاء، وهو كذلك، فإنّ عامل هذا الانتصار هو زينب عليها السلام. دلّت واقعة كربلاء على أنّ المرأة ليست في هامش التاريخ، بل هي في صلب الأحداث التاريخية المهمّة.
وقد أظهرت زينب عليها السلام أنّ المرأة يمكن أن تسمو بالحجاب وبعفافها إلى العزّة الجهادية؛ أي إلى جهاد كبير. إنّ عظمة المرأة تكمن في تمكّنها من الحفاظ على الحجاب والحياء والعفاف الأنثويّ الذي أودعه الله في جبلّتها؛ فتقوم بمزج هذا كلّه مع العزّة الإيمانيّة؛ وتخلطه بالشعور بالتكليف والمسؤوليّة. وإنّ قدرة ثورتنا وعظمتها إنّما كانت بالتمسك بالمعنويّات والجذبات الناشئة من اللطف الإلهيّ.
(*) من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاءِ جمعٍ غفيرٍ من الممرضات النموذجيات بمناسبة ذكرى ولادة السيدة زينب الكبرى عليها السلام بتاريخ: 21/4/2010م.