نهى عبد الله
لم تسهُل طريق العودة رغم جهود قائد الحرس، الذي أسره جلال تلك السيدة وشموخها في موقف الثكل والانكسار، أمام طغيان ذلك الطاغوت وكيده، محاولاً كسر عزيمتها بنثر مروج الأشواك في طريقها... وعندما فشل أمام جلالها، حاول أن يحافظ على ماء وجهه بأقل الخسائر، فأوصى –على مضض- قائد الحرس بأن يرافق جلالها وعائلتها إلى موطنهم، وأن يوصلهم سالمين.
لم تكن وصية الطاغية سبب سلوك قائد الحرس التخفيف عن قافلة المثكلات، فقد كان خجِلاً طوال الطريق، يدور حول القافلة بنفسه ويراقب أطفالها. كان حريصاً على سلامة القلوب الكسيرة، ومنع الجنود من النظر إليهن وراعى حشمتهن...
رغم حزنها، علمت سبب سلوكه وأدبه، فقد راقبته يذوب خجلاً من عار رفاقه، وعبثاً يحاول التعويض عما لا يمكن أن يعوض، أو يعود... فقد رحلوا، وهي تخطو المنازل نفسها، الطريق نفسه دون الحسين أو العباس، ولا الأكبر... ولم تعد ضحكات الصغار تنثر الفرح، فلم يعد أبناء مسلم معهم، ولم تعد رقية...
وصلت إلى مدينة الجد. أجّلت الكلام مع الدور المقفرة التي تسأل عن أصحابها، جمعت الهاشميات هناك، اختفين قليلاً... حتى حضر جلالها وأشارت إلى صرّةٍ صغيرة: هذه الحلى هي ما تبقى في بيوتنا، جزاؤك بصحبتك إيّانا بالحسن من الفعل. استنكر قائد الحرس، وصرّح بالدافع الحقيقي: لو كان عملي للدنيا، لأرضاني هذا الأجر، لكن كان لله ولقرابتكم من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم(1).
إلا أنّ جلالها حسم الموقف، فأخذها عن رضا... بعد أن شهد جلال الرسالة، وجمالها.
هكذا يزرعون الولاء، رغم كثرة الأشواك.
1- راجع تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، ج4، ص 354.