مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

وصايا العلماء: هؤلاء شيعتنا (4)

آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (حفظه الله)


ذكرنا في الأعداد السابقة روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام تتحدّث عن أوصاف الشيعة. وفي هذا العدد نتابع الرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث وصلنا إلى قوله عليه السلام: ".. إنّما شيعتنا من لا يهِرُّ هرير الكلب ولا يطمع طَمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفّه وإنْ مات جوعاً"(1).

* الشيعة ليسوا سيّئي الخُلق
يُعدّد الإمام عليه السلام ثلاث صفات للشيعة الحقيقيّين. الصفة الأولى: أنّهم ليسوا سيّئي الخُلُق والطباع، وليسوا كالكلاب التي تحمل على الآخرين، أو تؤذيهم بسلوكها. وقد تحدّث القرآن الكريم عن بلعم بن باعوراء وشبّه حاله بالكلب: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون (الأعراف: 176).

من جملة صفات الكلب أنّه ينبح عندما يقترب منه شخص غير معروف، ثمّ يهجم عليه قبل أن يتعرّض له. ومن هنا يستعينون بالكلاب المدرّبة للحراسة والمحافظة على المكان من دخول السارق. وهكذا، من وجهة نظر الإمام عليه السلام، تكون حال الأشخاص المتشائمين الذين يثورون بمجرّد مواجهتهم للآخرين، ظنّاً منهم أنهم ينظرون إليهم نظرة سوء، فيشبّههم بالكلب الذي ينبح قبل الهجوم عليه. بعض الناس لم يتربَّ تربية صالحة، وقد اعتاد على الكلام السيّئ والجارح، لا بل يحاول تأمين رزقه وما يريده من طريق الكلام السيّئ، ما يجعل الآخرين -واتّقاءً لشرّه وسوء لسانه- يهيّئون له كلّ ما يريد.

* حَسَنُ الظنّ
الشيعيّ الحقيقيّ، من وجهة نظر الإمام الصادق عليه السلام، هو الذي يمتلك ظنّاً حسناً بالآخرين، وهو لطيفٌ في تعامُله معهم ولا يؤذي أحداً بلسانه. الشيعيّ الحقيقيّ يعمل بوظائفِه، ويدافع عن دينه وبلده وروحه إذا وقع الخطر، إلّا أنّه لا يتعرّض لأحد من دون سبب، وهو الذي يسيطر عليه العطف على الآخرين والاتزان في التعاطي معهم.

* بعيدون عن الطمع
أمّا الصفة الثانية التي يعتبر الإمام عليه السلام أنّ شيعته بعيدون عنها فهي الطمع. يقول الإمام عليه السلام: "ولا يطمعُ طمَعَ الغراب". المعروف أنّ الغراب حيوان طمّاع حريص.
فالحيوانات عادةً، تتناول الطعام بمقدار حاجتها، ولا تَدّخر منه شيئاً إلّا الغراب، فإنّه يَدّخر الطعام بعد الشبع. هو يفضّل تناول الجوز، وبعد أن يشبع يدفن الباقي في الأرض ليأتي الوقت المناسب لتناوله. ولكنه عندما يأتي باحثاً عنه لا يجده؛ وذلك لأنّ العديد من أشجار الجوز ينمو فوق الأرض نتيجة ما دفنه الغراب.

الشيعة الحقيقيّون يستفيدون من الإمكانيات الدنيويّة بمقدار الحاجة اليوميّة، ويفكّرون في خدمة الخلق ويمتثلون الوظائف الإلهيّة ويتقرّبون إلى الله تعالى قبل التفكير في الدنيا وتهيئة الثروة للمستقبل. الشيعة لا يتعلّقون بالدنيا ولا يسعون لادّخار مال ينفعهم لمدّة عشر سنوات في المستقبل.

* عزّة النفس
الصفة الثالثة للشيعة التي ذكرها الإمام عليه السلام هي عزّة النفس. فقد يعيش الشيعة ضائقة ماليّة شديدة إلّا أنّهم لا يتركون الآخرين يطّلعون عليها، حتى لو ماتوا من الجوع، ولا يمدّون أيديهم إلى العدوّ. أمّا وصف الإمام عليه السلام هذا للشيعة فهو تفسير لقول الله تعالى في القرآن: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا (البقرة: 273).

الشيعة يهتمّون بماء وجوههم ولا يطلبون من أحدٍ شيئاً سواء كان ذلك علانية أو بالكناية، ولا يظهرون حاجتهم في حضور الآخرين.

"قلت: جعلت فداك فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال: اطلُبْهم في أطراف الأرض. أولئك الخَشِنُ عيشهم، المتنقّلة دارهم، الذين إنْ شهدوا لم يُعرفوا، وإنْ غابوا لم يُفتَقدوا، وإنْ مَرِضوا لم يعادوا، وإنْ خطَبوا لم يزوّجوا، وإن ماتوا لم يُشهدوا. أولئك الذين في أموالهم يتواسون وفي قبورهم يتزوارون ولا يختلف أهواؤهم وإنْ اختلفت بهم البلدان"(2).

* الحياة الصعبة للشيعة في صدر الإسلام
الظاهر أنّ الشخص الذي كان يسمع من الإمام الصادق عليه السلام، والذي كان يعتبر أنّ الشيعة كُثُر ويفتخر بكثرتهم، لم يجد أنموذجاً عنهم بعد سماعه صفات الشيعة الحقيقيّين، لذلك سأل الإمام عليه السلام عن المكان الذي يطلبهم فيه، فأجابه عليه السلام بأنّهم متفرّقون في الأرض. وهذا يعني أنّ الظلم الذي عاشه الشيعة دفَعهم إلى التفرّق في البلدان والقرى. وقد لجأوا إلى الأماكن النائية في البلاد الإسلاميّة خوفاً من الظلم. وعليه كانت حياتهم قاسية وبسيطة، تتوفّر بين أيديهم إمكانيّات على قدر الحاجة والضرورة.

كانت بيوتهم على أكتافهم وكانوا لا يختارون مكاناً معيّناً للحياة؛ لسببين: الأوّل، لأنّ أعداءهم كانوا يتتبّعونهم للقضاء عليهم، فكانوا ملزمين بالهجرة من مكان إلى آخر، والثاني: أنّهم كانوا لا يرغبون في اختيار مكانٍ للاستقرار والبقاء فيه على امتداد الأجيال اللاحقة. كانوا لا يهتمون إذا ما كانت بيوتهم اليوم في مكان وغداً في مكان آخر.

كان الشيعة في صدر الإسلام وزمان أهل البيت عليهم السلام قلّةً في الأماكن التي يعيشون فيها، وكان الأعداء يترصّدونهم بالأذى والتوهين. من هنا، كان بعض الشيعة يشكو لأئمّة أهل البيت عليهم السلام عدم اهتمام أهل مدنهم وقراهم بهم. نحن معزولون والآخرون يوجّهون لنا الإهانات بوصفنا "جعفريين" و"رافضة".

* مجهوليّة الشيعة
كان أئمة أهل البيـــت عليهم السلام يمـــدّون الشيعة بالأمل، ويرفعون قلقهم واضطرابهم، ويعالــجون ما لحق بهــم من أذى وإهانة وتحقير، لذلك كانوا يتوجّهون إليهم بأنّ الهدف والمقصد لا يجب أن يكون شيئاً آخر سوى الحصول على رضا الله تعالى.

من هنا اعتبر الإمام الصادق عليه السلام مجهوليّة الشيعة في زمانه، واحدةً من صفات أتباعه القيّمة؛ ولذلك كان يقول: "الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا...". ومع ذلك فهم يواسون إخوانهم في الدين مهما لحق بهم من ظلم وألم ويعتبرون الآخرين شركاء لهم في حياتهم وأموالهم. فإذا احتاج إليهم شخص بادروا إلى رفع حاجته، وهم أوفياء لإخوانهم يحترمون حقوقهم حتّى إنّهم لا ينسونهم بعد الممات، بل يواظبون على زيارة قبورهم.
لا يختلفون.. هدفهم رضا الله

عندما يجتمع الشيعة بعضهم ببعض يتفاهمون بشكل كامل، حتّى لو كانوا ينتمون إلى أماكن وأعراق متعددة. لا يختلفون في أفكارهم وأهدافهم؛ لأنّ هدفهم رضا الله؛ لذلك يأخذ بعضهم بأيدي بعضهم الآخر للوصول إلى الهدف، وبالتالي لا يخدعون بعضهم بعضاً. أمّا المنافقون أصحاب الأهداف والمصالح الدنيويّة، فيخدعون بعضهم بعضاً في الباطن والفكر حتى لو كانوا موحّدين في الظاهر؛ لأنّهم يعتبرون الآخرين ينافسونهم على المصالح. المنافق لا يهتمّ لخداع الآخر وسوء الاستفادة منه بهدف الوصول إلى أهدافه العبثيّة والباطلة، ولا يمتنعون عن كلّ عمل يؤدّي إلى المزيد من المنافع والمصالح.


(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج65، ص165.
(2) (م.ن).
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع