الشيخ نعيم قاسم
تواترت الروايات التي تتحدث عن عصر الظهور، حيث وصفته بالعصر الذي يكثر فيه الفساد بجوانبه المختلفة كعلامة فارقة تطبع ذلك الزمان من ناحية، وتتواجد فيه الثلة المؤمنة المجاهدة والمضحية التي تحافظ على دينها وتدافع عنه وتصمد من ناحية أخرى. وقد تكررت تسمية آخر الزمان على هذا العصر، كما استخدمت الروايات هذه التسمية للإيذان بانتهاء المرحلة البشرية عند قيام الساعة وبدء الحساب الأخروي، وذلك لتقارب الزمانين، ولنا حديث لاحق عن هذا الأمر. إنَّ صورة الفساد في عصر الظهور قاتمةٌ ومؤلمةٌ وكبيرة وواسعة الانتشار على المستوى العالمي، وهي أقصى ما وصلت إليه البشرية على مستوى الانحراف بما يخالف الطبع البشري، وبما يطابق المعنى القرآني: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ (التين: 5). لقد توسَّعت الروايات على كثرتها في وصف الفساد، نكتفي بنموذجين منها للدلالة على المقصود:
عن محمد بن مسلم الثقفي، قال سمعتُ أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول:
"القائم منصور بالرعب، مؤيدٌ بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويُظهر الله عزَّ وجل به دينه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا وقد عمر، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلي خلفه. قال: قلت: يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: إذا تشبَّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركبت ذوات الفروج السروج، وقُبلت شهادات الزور، ورُدَّت شهادات العدل، واستخفَّ الناس بالدماء، وارتكاب الزنى، وأكل الربا، واتُقيَ الأشرارُ مخافةَ ألسنتهم، وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخُسف بالبيداء، وقُتل غلامٌ من آل محمد بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحق فيه، وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فأول ما ينطق به هذه الآية: ﴿بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(1).
وروى الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، قال: سمعته يقول: "يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة وهو شرُ الأزمنة نسوةٌ كاشفات عاريات، متبرجات من الدين (خارجات)، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات، مستحلاتٌ للمحرمات، في جهنم داخلات"(2). وعلى الرغم من تحليل البعض، في فترات زمنية سابقة، بأنَّ عصرهم هو عصر الظهور، بسبب تقييمهم للفساد المنتشر آنذاك، بأنَّه مطابق لما ورد في الروايات، وذلك بدءًا من أجواء الحكم العباسي، لكنَّ الواقع أثبت خطأ تطبيقهم وتحليلهم، ومما لا شك فيه، أن الفساد الفاحش قد ازداد مع مرور الزمن، إلى درجة اعتبار ما قبله أقلُّ فساداً، ذلك أنَّ تصدي المنحرفين الدوليين للترويج للانحراف، وبذل الإمكانات الكبيرة، وقيام الدول الاستكبارية المادِّية والفاسدة، وانتشار وسائل الاتصال والإعلام، قد جعل انتشار الفساد أسرع وأكثر تأثيراً في البشرية، وهو أمرٌ لا يحصل بطريقة عشوائية، بل بتنظيم وتخطيط يستهدف تعميم الثقافة والحياة الماديتين في العالم، وهما متلازمتان مع الإغراق في شهوة الجسد، وإشاعة المنكرات، وتعطيل الحدود، وإلغاء المحرمات، وقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال صلى الله عليه وآله: نعم، وشرٌ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً"(3).
ولأنَّ تقديرنا بأنَّ سقف ما وصلنا إليه هو الأعلى، ولم يعد في تصورنا ما هو أعلى منه، ولأنَّ الانحراف والفساد قد طرقا جميع الأبواب من دون استثناء، بأبشع صورهما، فإنَّ التوقع الطبيعي للمؤمنين، بالمقارنة العامَّة والإجمالية لما ورد في الروايات مع الواقع المعاش، إنَّنا في عصر الظهور، ونحن بذلك لا نجزم، ولا نُأوِّل الروايات، ولا نفسرها بالظاهر تارة وبالباطن أخرى، وإنما نستعرضها بحدودها المفهومة في اللغة العربية، ونأمل أن نكون في عصر الظهور، فإنَّ استنتاجنا أو إحساسنا بهذا الأمر، يتوافق مع تصميمنا على الولاء لإمام الزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، واستمرارنا في طريق التضحية والعطاء، ولو طال الوقت عن حساباتنا وتصوراتنا، فإنَّ الأولوية عندنا هو الإيمان والتسليم اليقيني بظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه بعد عناء ومشقة، وبعد فساد مستفحل في الأرض، ويكفي أن تتعلق القلوب بالظهور وتأمل بقربه، حتى يتحقق الهدف من الموالاة والثقة بنصر الله تعالى وفرج المؤمنين، أمَّا التوقيت الدقيق فهو تابع لما قدَّره الله تعالى ويراه مصلحة للمؤمنين وللبشرية على الأرض. ولكن هل يمكن الجزم بتاريخ معين؟ وهل يمكن تطبيق الأحداث بالأسماء والصفات على زماننا؟ هذا ما سنوضحه في الحلقة القادمة.
(1) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 331.
(2) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص:390.
(3) الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص59.