السيدة زهراء مصطفوي(*)
يمكن الحديث حول رؤية الإمام الخميني قدس سره إلى قضية فلسطين والقدس من عدة جوانب:
1 - وعيه المبكّر:
فمن الناحية الزمنية يعود تاريخ نظرته إلى ما يقرب من أربعة عقود أي منذ أوائل ظهور الدولة الصهيونية. وهذه الخلفية الطويلة تدل على يقظة الإمام ودقة رؤيته فيما يتعلق بمعرفة العدو. فهذا الموضوع يعتبر مهماً للغاية في تلك الفترة وفي ظل سعي وسائل الإعلام إلى تضليل البشرية بشكل خفي بحيث كان التطرق إلى قضية فلسطين والقدس الشريف التي لم يكن أحد يستطيع أن يناقشها آنذاك يستتبع نتائج مختلفة منها غضب الأجهزة الاستعمارية كما يحدث اليوم. كما أن هذا الموضوع يحظى بالأهمية من حيث الظروف والمقتضيات التي طرح فيها الإمام مثل هذه القضية. ذلك لأن النظام الشاهنشاهي كانت تربطه آنذاك علاقات على مستوى عالٍ مع النظام الصهيوني. كما أن عملاء الصهاينة في إيران كانوا يتحينون الفرص لكم الأفواه الحرة ووأد الأفكار الحرة كي تغتال بذرائع مختلفة هؤلاء الأشخاص من الناحيتين المعنوية والمادية. وقد نُفذّ كل من هذين الأسلوبين فيما يتعلق بالإمام. وفي هذا المجال يرى الكثيرون أن استشهاد آية اللَّه السيد مصطفى الخميني ابن الإمام هو جرس إنذار للتوقف عن طرح مثل هذه القضايا التي ابتلي بها العالم الإسلامي.
2- نيته وقصده من التطرق إلى هذا الموضوع:
في ذلك الوقت كان الإمام يمثل شخصية فقهية مجتهدة وليس شخصية حكومية. فقد توصل من خلال الاستنباط الشرعي فيما يتعلق بقضايا الحياة اليومية إلى هذه النتيجة المهمة وهي أن عليه أن يكشف عن حكمه فيما يتعلق بفلسطين. وبناء على ذلك فإن نية الإمام من طرح هذا الموضوع هي نية إلهية وذات جانب أخلاقي بحت وفي إطار العمل بالواجب الإسلامي وهو الدفاع عن حياض الإسلام ومحاربة الاحتلال والاعتداء والدفاع عن حقوق الإنسان وخاصة الأشخاص الموحدين. وبالطبع فإن المصالح الوطنية لدول المنطقة طيلة هذا التحرك كانت قائمة على أساس القيم. وقد سعى الإمام الخميني قدس سره دوماً في هذا المجال إلى أن يذكّر مخاطبيه الذين كانوا يمثلون بصورة عامة رجال الحكم والنخبة والمفكرين وأبناء الشعوب بكلا البعدين الأخلاقي والمصلحة الوطنية لبلدان المنطقة. ذلك لأنه لم يكن هناك تضاد بين هذين النوعين من المصالح فيما يتعلق بفلسطين. ولم يكن الاهتمام بأحدهما يمنع من تحقيق الآخر، فقد كان ذلك باباً جديداً فتحه لمخاطبيه.
3 - نطاق رؤية الإمام لهذا الموضوع:
فقد كان يؤمن بأن القضية ليست مجرد احتلال تدريجي لبلدان المنطقة بل إن الحقيقة السلطوية للصهاينة باعتبارهم عملاء للمستعمرين تحظى بالأهمية أيضاً. ولذلك لم يعد هناك معنىً لبلدان المواجهة والبلدان الهامشية بل إن جميع دول المنطقة تتعرض جميعها على حد سواء لاحتلال المستعمرين من الناحية الثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها. فعلى جميع البلدان أن تسعى من أجل أن تتخلص من شر هذا النظام الغاصب. لأن إزالة هذا النظام هو السبيل الوحيد للحد من هذه المشكلة.
4 - عمق رؤية الإمام للموضوع:
فهو يعتبر قضية اليهود منفصلة عن الصهيونية ويرى أن أميركا والشرق والغرب المستعمر أسهموا في ظهور الصهيونية وبقائها واستمرارها. ولذلك فإنه حوّل فرضية الحرب بين اليهود والمسلمين إلى حقيقة الحرب ضد العالم والمستعمرين الطامعين والمعتدين. واعتبر القدس محور هذا الدفاع المقدس.
5 - الغاية النهائية للإمام فيما يتعلق بهذه القضية:
أكد الإمام قدس سره مرات عديدة وبأشكال مختلفة أن المستعمرين سعوا منذ البدء من أجل أن يرسخوا ويثبتوا الوجود الصهيوني في الأذهان من خلال القوة والتهديد. وأن يحولوا النقاش بين صاحب الدار والمعتدي إلى نقاش بين أخوين يطالبان بالميراث، بين أخ ذي شخصية حقيقة يدعى الشعب الفلسطيني وأخ ذي شخصية حقوقية يدعى الصهيونية. وعلى هذا الأساس فإن الأعداء يسعون من أجل أن يتجاهلوا ببساطة شرعية وجود إسرائيل. لقد كان الإمام يرى أن العلاج الوحيد هو القضاء الكامل على هذا النظام الغاصب.
6 - الأسلوب الدفاعي للإمام أمام العدو الصهيوني:
يقوم الأسلوب الدفاعي للإمام على محورين: المعرفة الشاملة للنفس والمعرفة الكاملة للعدو. فقد كان يرى أننا لا نستطيع أن نواجه العدو ما لم نعي أنفسنا وقدراتنا ونثق بها. ولذلك فإنه كان يؤكد كثيراً على الوحدة بين بلدان المنطقة والاتحاد بين الشعوب والدول. وكان يلفت الأنظار إلى ضرورة تجنب الاختلافات الداخلية التي يثيرها المستعمرون للقضاء على قدرات المنطقة. كما كان يؤكد على أن معرفة العدو من أبعاده المختلفة هو حق مسلَّم به ومبدأ أساسي لمواجهته، وهي معرفة تشتمل على الادعاءات والشخصيات والسياسات والاستراتجيات والتقنيات في المجالات الثقافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والسياسية والسكانية وغيرها.
7 - كيفية القيام بهذا الدفاع المقدس:
كان الإمام قدس سره يرى أننا إذا ما دخلنا ساحة العمل في جبهة المقاومة الفعلية من جهة وتعرضنا من جهة أخرى في مجال الإنتاج والتوزيع والاستهلاك الاقتصادي والثقافي للغزو الصهيوني فإن ذلك سوف يُضعف العدو من جهة وتعزز وجوده من جهة أخرى ونتيجتها المؤكدة هي ما نراه الآن. ولذلك فقد كان يشدّد على أن نقاطع العدو مقاطعة اقتصادية بشكل جاد ونحافظ في نفس الوقت على شريحتنا الشابة النشطة بواسطة تعريفها بمدرسة الوحي والقيم الإنسانية والتراث الوطني والثقافة الذاتية من التأثيرات المشؤومة لثقافة الأعداء.
8 - خطر حدوث تغير في مبادئ الدفاع:
كان الإمام يرى أن بلدان المنطقة يجب أن لا تحل مبادئ الدفاع الوطني محل الدفاع على نطاق المنطقة. وأن لا تستغل التطبيع والتوجه الموحد مع العدو بهدف وضع استراتيجية رادعة للدفاع عن السيادة في إطار التطبيع الاقتصادي والسياسي. ذلك لأن مثل هذه الاستراتيجيات سوف تؤدي على المدى البعيد إلى تكريس وجود العدو وتعزيز نزعته التوسعية طوال المستقبل وكذلك ذوبان مصالح المنطقة في إطار مصالح بلدان المنطقة. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى خطر كبير.
9- التأكيد على الحقيقة الاستعمارية لأميركا ومصالحها من وجود الكيان الصهيوني وتكريس كيانهم في المنطقة:
لقد أكد الإمام قدس سره في مرات عديدة أن أميركا تتخذ من إسرائيل قاعدة استعمارية لها وأن الشرق والغرب يتحالفان من أجل بقاء هذا النظام. ولذلك فإن تعليق الأمل على هذه القوى وهذه المشاريع ليس إلا سراباً.
10 - التأكيد على مثلث الإيمان والجهاد والشهادة في مواجهة العدو:
فقد كان الإمام قدس سره يرى أن السبيل الوحيد للخلاص هو اتباع هذه الأساليب الثلاثة. وبالطبع فإن بالإمكان أن نشير إلى رؤية الإمام بأشكال مختلفة أخرى.
(*) ابنة الإمام الخميني قدس سره.