الشيخ خضر نور الدين(*)
بداية لا بد من الحديث عن المقاومة بحيث نفهم من خلال تعريفها الموقع والدور والأهمية لها. وباختصار يمكن القول إن المقاومة بشكل عام هي ضرورة لأي كائن حي للحفاظ على الوجود، حيث إننا بشكل مختصر يمكن القول إن ذلك موجود في النبات والحيوان والإنسان وكل كائن حي. فهذه الموجودات الحية تتعرض وبشكل عادي إلى اعتداءات من ميكروبات وطفيليات تستهدفها وهي تمتلك بالخلقة في داخلها مكونات مناعة لمهاجمة كل ما يشكل خطراً عليها...
وتختلف هذه المقاومة من جسم إلى جسم حتى ضمن الفصيل الواحد، وإذا ما ضعفت ينهار صاحبها ويتعرض للفناء والموت. وبشكل فيه تفصيل أكثر ننظر إلى الإنسان الذي يتعرض دائماً إلى ما يعرّض حياته للخطر من خلال الفم أو الجلد أو عبر الدم وغير ذلك إلى ما يضره... والذي يحمي جسمه من كل ما يضر يُعبَّر عنه بالمقاومة التي تؤمّن له المناعة الكافية، وتتمثل هذه المقاومة بالكريات البيضاء التي تهاجم كل جسم غريب يدخل الجسم لتحميه، وتحتاج من حين لآخر إلى تقوية من خلال تنشيطها إذا ما ضعفت في مواجهة العدو... وينتهي الإنسان إذا ما سقطت هذه المقاومة في جسده...
هذا على مستوى داخل الجسم وكذلك في مواجهة الأخطار الخارجية يحتاج للدفاع عن نفسه إلى قوة بدنية أو ما يتقوى به إذا ما تعرض إلى الأذى من خلال آخرين... هذا على مستوى الشخص فكيف على مستوى الوطن والأمة في مجتمع بشري تأكله الأطماع ويطمح فيه القوي إلى السيطرة على الضعيف؟ فمن الطبيعي أن يعمل أي مجتمع لحماية نفسه بشتى الوسائل للمحافظة على استقلاله، خصوصاً إذا ما كانت الحياة لأي أحد تعني أكثر من نفس الوجود الجسدي بحيث كانت القيم الإنسانية من الأمور التي لا يحيا الإنسان بدونها بشكل يفقد إنسانيته وحيثيات وجوده الحقيقية من أهداف يعتبرها مقدسة في حياته وأهمها العمل على إيجاد مجتمع الخلافة وإحياء المفاهيم الإلهية وإقامة الأسس لبناء المجتمع الإنساني العادل والقويم. وباعتبار أن هذه الأهداف السامية مهمة للإنسان، لأنها تدخل في صلب أهدافه الواجبة بحيث يكره التخلف عنها تراجعاً، وحفظها واجب إلهي يوجب إهماله عقاباً وحساباً صعباً تصبح الأمور التي تؤمّن ذلك ضرورية، وبما أن هذه الأمور ترفع الإنسان إلى اللَّه قدس الأقداس فإنها تكتسب القداسة لإيصالها إلى المقدس الأول ما دامت في إطار الواجب المقدس، تحت شعار عدم الركون إلى الظالم ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ (هود: 13).
* أي قداسة للمقاومة؟
مستوى هذه القداسة للمقاومة ينسجم مع قداسة الهدف وهذا الهدف يخدم باتجاهين:
الاتجاه الأول: شرعي له علاقة بأهداف الإنسان الذي يشكل فرداً من أي مجتمع ويعمل للوصول بنفسه وبمجتمعه إلى حيث يرضى اللَّه عزَّ وجلَّ عنه. وهذا واجب لا يمكن التخلي عنه.
الاتجاه الثاني: وطني له علاقة بالسيادة والاستقلال وحرية القرار، وأي مواطن يتأثر سياسياً واقتصادياً وثقافياً عندما يتعرض لاعتداء أو لاحتلال. والمواطنية تقضي على أي مواطن صالح أن يعمل على حفظ كل القيم الوطنية التي يحتاجها أي بلد، لما في ذلك من استقرار وتكامل وتطور. ومن الطبيعي أن تلعب المقاومة دوراً أساسياً في حفظ أي وطن، لأنها تردع أي طامع وبالتالي تحفظه.
*حفظ المقاومة
بعد ما تقدم من أهمية للمقاومة شرعياً أو وطنياً نستنتج ضرورة حفظها وهذا بشكل طبيعي يدفع باتجاه حفظ كل ما تحتاجه والسلاح على رأس تلك القضايا لأنه من الوسائل الأساسية... وإذا ما ذهب البعض كما هو حال الكثيرين إلى أن هناك وسائل أخرى تتبع اليوم في العالم مع وجود هيئة أمم متحدة ومجلس أمن دولي ودول كبرى ترعى ما يعبر عنه بالسلام الدولي. فإن الإجابة على ذلك سهلة ومفادها: حبذا لو كان في العالم ما يغني أي وطن من عناء الذهاب إلى دفع التضحيات وغيرها وبذلك ينصرف الناس إلى حياتهم الخاصة ليعيشوا مع عائلاتهم براحة واطمئنان. ولكن من خلال ما عشناه ويعيشه الآخرون من تجارب في العالم عموماً وفي منطقتنا بشكل خاص فإننا أمام انحياز واضح من قبل المؤسسات الدولية الخاضعة لإرادة الدول العظمى العاملة على تأمين مصالحها الإستراتيجية، وبالتالي مصالح أتباعهم بعيداً عن أي مراعاة لحقوق شعوب هذه المنطقة...
وما جرى في فلسطين منذ الأربعينات ومع الدول العربية المحيطة بها منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا يكشف بوضوح عن عدم المبالاة كلياً بالعرب والمسلمين... كما يشار إلى أن الكيان الإسرائيلي لم يترك أرضاً عربية احتلها بالطرق السياسية والسلمية إلا في مصر وكان ذلك بموجب اتفاق فرض على مصر أكبر دولة عربية الاعتراف بالكيان الغاصب وفرض قيوداً على دولة مصر وفي الأردن احتفظ العدو الإسرائيلي بالأرض في وادي عربة تحت عنوان الاستئجار. وها هو لا يزال محتلاً لأراض سورية ولبنانية. نعم الأرض الوحيدة التي تركها بعد أن احتلها دون أن يحقق شيئاً له كانت أراضي لبنان التي احتلها منذ عام 1978 وبعدها عام 1982. وهذا أكّد بما لا يمكن التشكيك به صوابية منطق المقاومة في تحقيق الاستقلال والكرامة والعزة لأهلها بعد غياب كل المؤسسات الدولية عن مسرح الأحداث، واليوم مع بقاء جزء من الأرض اللبنانية محتلاً، ومع وجود أسرى في سجون العدو ومفقودين مجهولي المصير، وعدم إعطاء خرائط للمناطق المزروعة بالألغام فإن من الطبيعي استمرار هذا الواجب المقدس لتحقيق كل ما يؤمّن المطالب المحقة...
ويمكن الإضافة إلى ما ذكر أن هذا العدو لا زال يشكل خطراً على الشعب اللبناني من خلال اعتداءاته الجوية والبحرية والبرية، وبالتالي فإن ذلك يتطلب ما يردعه عن القيام بأي شيء يؤدي إلى أذية لبنان واللبنانيين، ومع عدم قدرة الدولة لوحدها على الحفاظ على الاستقلال لأسباب عديدة داخلية وخارجية كان من الطبيعي القول إن المقاومة ضرورة وطنية وشرعية للحفاظ على البلد وانجازات التحرير الذي حصل عام 2000. وما يتحدث عنه البعض من ضمانات دولية تكفي لبنان ليعيش الأمان من هذا العدو، كلام لا يمكن الركون إليه حيث إن العدو الإسرائيلي لم ينفذ أي قرار دولي له علاقة بالمنطقة، ولم يفرض عليه ذلك بالقوة. بل إنه لم يُدَن على كثير من جرائمه البشعة بحق أهلنا في لبنان، خصوصاً مجزرة قانا... وما حصل في أريحا مؤخراً من دخول الإسرائيلي إلى سجن أريحا وأخذ من كان فيه على الرغم من وجود ضمانات دولية من دولتين عُظميين أميركا وبريطانيا دليل جديد على عدم جدوى هذه الضمانات، وبالتالي رعاية تلك الدول والمؤسسات الدولية معها.
(*) عضو المجلس السياسي في حزب اللَّه.