إعداد: محمود دبوق
الكتاب: عقاب الذنوب.
الكاتب: السيد هاشم الرسولي المحلاتي.
الناشر: دار مكتبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.
*تعريف الذنب:
الذنب في اللغة هو الإثم والجرم والمعصية(1) وفي الشريعة هو ارتكاب فعل منهي عنه، أو ترك فعل مأمور به(2)، فهذا الذنب هو (جناية) يستحق مرتكبها العقاب والقصاص(3)، أما كلمة (الجريمة) فقد عرّفها بعض الفقهاء بأنها مرادفة لكلمة (الذنب) وعرّفها آخرون بأنها المحظورات التي زجر اللَّه عنها بحدّ أو تعزير(4)، والقانون الوضعي قسّم الذنب حسب شدته إلى جناية، وجنحة، ومخالفة، وهو يعرّف الذنب بأنه خروج عن دائرة القوانين والمقررات الموضوعة لحفظ مصلحة الجماعة، وصيانة نظامها وضمان بقائها، أضف أن القرآن الكريم أطلق على هذا الخروج اسم "تعدّي حدود اللَّه" ويهمنا أن نلفت أن المصنف قد عالج عناوين كثيرة في الذنب ضمن ثمانية أقسام نحاول الاستفادة منها قدر المستطاع.
*بين القانون الوضعي والتشريع
يعدّد الكاتب ثلاثة فروق بين ما يعتبره القانون الوضعي أعمالاً محظورة تسيء إلى مصالح المجتمع كالسرقة والقتل... بينما يتسع نطاق التشريع ليشمل كل ما تنطوي عليه النفس الإنسانية وكل ما يصدر عن الإنسان في خلواته، هذا في الفرق الأول، أما الثاني فهو حيث لا تستطيع القوانين الوضعية أكثر من تعيين العقوبات للمذنبين بينما يردع الإسلام الإنسان عن التفكير بارتكاب الذنب كي لا ينضج في الذهن ويتحول بعد ذلك لواقع عملي، وفي الحديث عن الأمير عليه السلام: "من كثر فكره في المعاصي دعته إليها"(5). والفرق الثالث أن القوانين الوضعية تحدّد للجرائم المختلفة عقوبات معيّنة محدودة كالسجن أو الغرامة وأمثالهما، بينما الإسلام يجعل عاقبة الجريمة خسران الدنيا والآخرة إن لم تتبعها توبة صادقة.
*مرض الذنب
يبدأ الحديث عن الذنب كونه نوعاً من الأمراض، ويستشهد الكاتب بمقولة لطبيبٍ أوروبي يقول: "إن العلم الحديث اكتشف أنَّ الذنوب ما هي إلا أمراضٌ نفسية قابلةٌ للعلاج". وهذا صحيح على أن الإسلام ركَّز على هذه الحقيقة من خلال قوله تعالى في القرآن المبارك وهو يتحدث عن المنافقين ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ (البقرة: 10). وفي علاج هذا المرض فإن هناك فرقاً آخر في طريقة العلاج بين الأطباء والنفسانيين وما يقدّمه الإسلام بحيث يركز على الإيمان كعاملٍ أساس للاطمئنان بمقدوره أن يقضي على كل قلق واضطراب كما أنه يدفع المرء لمراجعة الذات، إلى ذلك فالإسلام قد وفَّر الجو الاجتماعي اللازم لمعالجة هذا المرض فنهى عن تعيير المذنب وتوبيخه ولا يعني هذا الأمر زوال سدود المناعة بين المذنب وأفراد المجتمع، وعن علي عليه السلام: "لا تصحب الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه شراً وأنت لا تعلم"(6). ويذكر صاحب الكتاب شيئاً من بعض قصص الأنبياء عليهم السلام في هذا المجال تجدر مطالعته.
*آثار الذنب
يدور الحديث عن بعض آثار الذنب ومنها بشكل عام عدم استجابة الدعاء في المرحلة الأولى، وسلب توفيق الدعاء في مرحلة الثانية ولو توفّر للإنسان الدعاء بحق لمكّنه ذلك من الصمود أمام الهزات والحوادث، ثمَّ إنَّ على المذنب أن يستغفر أولاً ليستجاب دعاؤه وهناك شروط عديدة لاستجابته، وهو قد لا يستجاب لحكمة معيّنة. ومن الأمور التي تمنع استجابة الدعاء: عقوق الوالدين، والخبث والنفاق، وتأخير الصلاة، والبذاءة والفحش في القول. يقول الكاتب: "لو ألقينا نظرة على تاريخ الأمم لوجدنا أن الذنوب هي العامل الأساس في انحطاطها وفنائها، وهذا ما عبَّر عنه أمير المؤمنين عليه السلام إذ قال: "وايم اللَّه ما كان قومٌ قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها، لأن اللَّه ليس بظلاّم للعبيد". فالظلم إذاً من عوامل انهيار المجتمعات، وللذنب أثرٌ في زوال النعمة، وللتقوى أثر في وفورها، ويبقى الإنسان هو العامل الأساس في التغير الاجتماعي من وجهة نظر الإسلام. وعن علاقة الذنب بنقصان العمر يشرح الكاتب هذه المسألة من خلال الارتباط القائم بين هذا الموضوع وعقيدة البداء من خلال ما ظهر من الروايات من أن للإنسان أجلين أحدهما "حتمي" فإذا ما جاء فموت الإنسان قطعيٌ ولا مفرّ منه والآخر أجلٌ "غير حتمي" ويسمى "موقوفاً" أو "معلّقاً" ويُرفع بالدعاء والصدقة. ولا ينسى الكاتب أن يبيِّن العلاقة بين الكذب وقصر العمر، وهذا مما لا يخالف العلم لارتباط القوى المادية والمعنوية في كثير من الأحيان ببعضها، وهناك علماء يقرّون اليوم بتأثير الدعاء في شفاء الأمراض. ويتناول البحث مسألة هتك الذنب للعصم، وهي الحواجز والأطر التي تميّز بين الإنسان والحيوان إذ أنّ الذنوب تقضي على الفضائل الإنسانية في الكائن البشري وتحوله إلى وحش كاسر، وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "للمؤمن اثنان وسبعون ستراً فإذا أذنب ذنباً انهتك عنه ستر..."(7) وعن صادق أهل البيت عليهم السلام: "إن للَّه تبارك وتعالى على عبده المؤمن أربعين جُنّة، فمتى أذنب ذنباً كبيراً رفع عنه جنّة"(8). وفي خلاصة الرواية عن الإمام السجاد عليه السلام أن الذنوب التي تهتك العصم هي: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي الهزل، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب.
*الذنوب تورث القلق
لما كان كل إنسان يطلب السعادة ولما كانت وجهات النظر فيها مختلفة، فقد كان الكائن البشري أضعف من أن يبلغها دون هداية الأنبياء عليهم صلوات اللَّه، ونحن عندما نتحدث عن القلق من خلال النظر إلى الدنيا على قاعدة تحصيل اللذائذ المادية، فإن تلك الماديات لا تستطيع أن تروي عطش الإنسان للسعادة، لأسباب هي في خلاصتها ومفهومها؛ الحرص، وحب الدنيا وهو رأس كل خطيئة، أضف أن كل ما يتعلق به من الدنيا هو إلى زوال، ويسرد الكاتب العديد من الأحاديث الشريفة حول هذه النقاط، ليصل إلى القول أنه في المقابل لا رهبانية في الإسلام بإزاء الروايات التي تحث على الاستفادة من الدنيا كما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "ملعونٌ من ألقى كله على الناس"(9). وقول الإمام الصادق عليه السلام: "نعم العون على الآخرة الدنيا"(10)، ويتوقف الكاتب عند موضوع أنه لا طمأنينة للإنسان إلا في ظل الإيمان الذي يجلب السعادة وقد صوّر لنا القرآن نموذجاً راقياً في ذلك عندما أراد المشركون حرق النبي إبراهيم عليه السلام، ويذكر الكاتب بعضاً من هذه القصة وما دار بين النبي إبراهيم عليه السلام وجبرائيل عليه السلام وما في ذلك من العبرة والاتعاظ والتفكّر.
*التمادي بالذنوب
من الأخطار الكبرى للذنوب انسياق المذنب تدريجياً نحو إنكار المقدسات الدينية، ونحو رفض الأحكام الإلهية وبالتالي إلى الكفر والشقاء في الدنيا والآخرة، يقول سبحانه وتعالى ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (ص: 26) وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "اقمعوا هذه النفوس فإنها طلقة تنزع بكم إلى شرّ غاية"(11) فمّما لا شك فيه أن التمادي في الذنوب مهلكة لصاحبها، وعن الكيفية التي تجر بها الذنوب الإنسان إلى الكفر يذكر الكاتب ذلك ضمن أمرين اثنين من خلال الآية القرآنية ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ (القيامة: 3 - 6) إذ روي في تفسير ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَه﴾ أنه التعجيل بالذنب والتسويف بالتوبة والفخر الرازي يقول في تفسير هذه الآية الكريمة: "إن إنكار يوم القيامة إما أن يكون عن شبهة أو عن شهوة! فإن كان عن شبهة فقد أجاب اللَّه تبارك وتعالى في الآية الأولى عن هذه الشبهة حيث قال: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ بكل ما فيه من دقائق الخلقة والخطوط، وأما إنكار المعاد عن شهوة وهوى نفس فقد بيّنه تعالى في قوله: ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ أي أن الإنسان يريد أن لا يحد شهواته حد، ولا يمنع لذائذه مانع، ومن هنا ينكر المعاد ويوم القيامة والحشر والنشر، لأنه يرى في ذلك ما يحد شهواته ويمسك عنانه فينكر ويقول مستهزئاً: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَة﴾".
أما الذنوب المؤدية إلى الكفر فيذكرها المصنّف وهي: اتباع الهوى، والكبر، والحسد، والخمر، ويدرج ضمن سياقها قصصاً وعبراً وآيات وأحاديث، ثم يخلص في النهاية إلى أن انسلاخ الإنسان عن خط الرسالات الإلهية خطر عظيم يؤدي إلى أفظع المآسي والويلات. الكتاب يقع في مئة وخمس وخمسين صفحة وهو كتابٌ عملي إلى حدّ كبير إذ يتناول مسائل يعاني منها الإنسان في حياته العملية، وفّقنا اللَّه وإياكم للإفادة من عبرها وهو ولي التوفيق.
(1) لسان العرب، مادة "ذنب".
(2) التشريع الجنائي في الإسلام، عبد القادر عودة، تعريف الجريمة.
(3) تعليق السيد إسماعيل الصدر على كتاب عبد القادر عودة.
(4) الأحكام السلطانية للماوردي، ص192.
(5) غرر الحكم، ص664.
(6) شرح ابن أبي الحديد، ج2، ص538.
(7) البحار، ج73، ص362.
(8) الاختصاص، للشيخ المفيد، ص220.
(9) الكافي، ج5، ص72.
(10) المصدر السابق نفسه.
(11) غرر الحكم، ص138.