مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام الخامنئي: تفاهما كي تستقيم الحياة

كنت يوماً عند الإمام الخميني قدس سره في زيارة مقتضبة. وكان سماحته يريد قراءة صيغة العقد لزوجين شابين. فأشار سماحة الإمام لي أنْ تفضّل وكنْ أحد طرفي القبول أو الإيجاب. وخلافاً للتفصيل الذي اعتدنا عليه في قراءة خطب الزواج أوجز سماحته خطبة العقد وأعقبها بجملتين أو ثلاثة ثم توجّه إلي الفتي والفتاة قائلاً: "اذهبا وتفاهما مع بعضكما بعضاً". فكّرت مع نفسي أننا نطيل في الوعظ والإرشاد عندما ننصح هؤلاء الفتية، فيما أوجز الإمام كل موسوعة الحياة المشتركة بهذه الجملة: "اذهبا وتفاهما مع بعضكما بعضاً".


*ثمار التفاهم طيبة
أيها الزوجان اسعيا حثيثاً لأن تبنيا،
في السنوات الأولى من حياتكم، صَرْحاً للتفاهم والتوافق فيما بينكما، تفاهما معاً لأجل إنجاح حياتكما المشتركة. وإذا أخلّ أحدكما بهذا التفاهم فليبادر الآخر لتقويم أسسه سريعاً، وستجدان بعد ذلك ثماراً طيبة تؤتي أُكلها لحياتكما، وتعبّران فيها عن معاني التسامح والتفاهم الذي سيساعدكما علي طي الحياة بنجاح.


* ما معني التفاهم بين الزوجين؟
هل التفاهم يعني أن تري الفتاة في الشاب المتقدّم إليها كامل المواصفات التي تتمنّاها؟ وهل أي نقص ولو مثقال ذرّة في تلك المواصفات، بحسب نظرة تلك الفتاة أو الشاب، يعني أنهما لا يمكن أن يتفاهما؟!
كلا، ليس هذا هو المراد من التفاهم بين الزوجين. إنّما التفاهم هو أن يسعى الزوجان جهدهما للتصالح والحوار فيما بينهما خاصةً بعد أن وضعا وحدّدا معاً مسارات الحياة الزوجيّة.


*تنازلا... قليلاً
أول المطاف، وفي بداية الحياة الزوجية، يظهر بين الزوجين نوع من الاختلاف في الرؤى والثقافة التي يحملها كلا الطرفين، ونرى الاستياء على ملامح الزوجين. فهل نجزم بأن لا جدوي من هذه الحياة المشتركة؟! الجواب طبعاً لا، إذ لا بد للإنسان من السعي الحثيث لإصلاح الخلل، وإذا لم يتمكن فعليه أن يطبّع علاقته بالآخر، ويحفظ مفهوم التفاهم الأسري، وهذا ما يتوجب فعله علي كل صاحب لُبّ سليم في رحاب الحياة.
فالتفاهم في الأسرة من أهم الواجبات في الحياة. وليس صحيحاً أن يعتقد كل من الزوجين أن قراره هو الذي يجب أن يمضي، وليس صحيحاً أيضاً أن ينظرا فقط إلى ما يرغبان به. إذ لا بد، لاستمرار الحياة الزوجية، أن يكون مبدأ التفاهم سائداً بينهما. وحتى إذا رأيتم أن رأيكم لا يتحقق، تنازلوا في بعض الجوانب كي تستقيم الحياة لأن التفاهم هو أساس بقاء الحياة الأسرية، وهو الذي يولد المحبة والألفة بين الزوجين، ومن ثم نزول البركات الإلهية.
إذا رأيتم شريك حياتكم يمتلك نقصاً معيناً، ولا بد من تحمل مواقفه وأخلاقياته الخاطئة، فتحمّلوا لأنه، في المقابل، هو أيضاً يتحمل بعض مواقفكم وأخلاقياتكم الخاطئة. فالإنسان ينظر إلى عيوب الآخرين فقط ولا ينظر إلى عيوبه، وإذا سعى إلى النظر إليها بفهم، أدرك ضرورة التفاهم في الحياة الزوجية.


*التفاهم مسؤولية الزوجين
في الماضي كانوا يقولون إن على الزوجة تحديداً أن تبادر إلى التفاهم مع زوجها. وهذا غير صائب في الإسلام، فالإسلام أكّد على التفاهم بين الطرفين وأن تكون السماحة والألفة والعطف أساساً للحياة بينهما فلا تقتصر هذه المعاني على أحدهما دون الآخر.
لقد وضع الإسلام تقنيناً، عبر وسائل التربية الإسلامية، لحل الخلافات الأسرية. فلو وضع الزوجان هذه الوسائل نصب أعينهما لاستطاعا تفادي المشاكل وتجاوزاها سريعاً. وأما عدم الالتفات إلى هذه الوسائل، سيؤدي إلى هدم أساس البنيان الأسري وسيسيء الرجل والمرأة حينها التصرّف.


*تسهيل أمر الزواج

ولا بدّ في الزواج من اتّباع منهج البساطة في كافة مواطن الحياة، وذلك بدءاً من مراسيم الزواج. فهذه المراسيم إذا تمت بطريقة بسيطة وسهلة فستستمر كذلك في كافة المواطن. أما إذا بدأت أمور الزواج بترف وبذخ فستبدأ معكم حينها مسيرة من الطلبات التي لن تستطيعوا إيقافها. فلا بدّ من البداية أن تؤسسوا كيان الأسرة على البساطة واليسر لكي تتوفر لكم ولأهلكم وللمجتمع بأسره وسائل الراحة والعيش الهانىء.


*القناعة والبساطة
وعليكم أيها الشباب أن تسارعوا لمنع تفاقم ظاهرة النفقات الباهظة للزواج. كما لا تجبروا آباءكم على ما لا يطيقون. فالأساس هو مؤسسة الزواج وهي أساسٌ عظيم للبناء الإنساني. وإذا كان الشاب -أو الشابة- يتحلى بالقناعة منذ بداية الأمر، فسيُجبَر الآباء أيضاً على سلوك سبيل القناعة في كافة الأمور.
كونوا منصفين في أموركم ولا تقارنوا أنفسكم مع الآخرين. فالراحة النفسية والحياة الهانئة تكمن في اتخاذ منهج القناعة والبساطة. والبساطة لا تنافي الرفاهيّة وسدّ الحاجات الضروريّة للإنسان، بل يمكن جمعهما ولكن بتعقُّل وتدبّر.
لا تدخلوا أنفسكم في سباق مادي من البذخ والإسراف والسعي لاقتناء الأفضل، فذلك لن يجلب لكم الراحة إطلاقاً لأن الإنسان بطبعه كلما حصل على شيء يريد الأكثر والأفضل. أمّا الإسلام فيربّي الإنسان على العفاف والكفاف كي لا يكون محتاجاً للآخرين وأن لا يمدّ يده لطلب المساعدة دوماً. فعدم القناعة يسبب للإنسان عذاباً نفسيّاً وهو ما يهدم العشّ الزوجي. ولا بّد من الفصل بين أن يعتمد الإنسان على نفسه في حياته المشتركة، وأن يقنع بما عنده، وبين أن يبذل ما بوسعه لأجل الترفيه عن نفسه وعياله. وهنا دوماً يكمن الخلل في الفهم، فالقناعة تختلف عن حرمان النفس من الاستزادة من نعم الحياة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع