مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الأخلاق الزوجية

الشيخ محمد يونس‏


اهتمت الشريعة الإسلامية اهتماماً بالغاً بدور الأخلاق في بناء الشخصية الإسلامية، كما جعلت التحلي بالقيم والفضائل السامية ركيزة من ركائز حفظ المجتمع، بل ودعامة أساسية من الدعائم التي قام عليها الشرع الحنيف، وما قول رسول اللّه صلى الله عليه وآله "إنما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق" (1) إلا خير شاهد ودليل على أن رسالة الإسلام إنما هي في جوهرها ومضمونها رسالة أخلاقية سامية تدعو إلى الالتزام بالفعل الأخلاقي بأعلى مستوياته وأرفع درجاته.

ومن خلال كلام اللّه تعالى نرى أن القرآن الكريم اعتبر أن الأخلاق هي العنصر الأساس في عملية جذب الناس واستقطابهم إلى جمال الشريعة وذلك من خلال ما خاطب به رسول اللّه صلى الله عليه وآله بقوله: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159).

* دور الأخلاق في بناء الحياة الزوجية
رسالة الأخلاق هذه رسالة غنية شاملة لكافة الأطر والشرائح التي تُشكِّل المجتمع الإسلامي، والتي يأتي في طليعتها الأسرة كخلية تقوم عليها هيكلية المجتمع، وتعتبر في الواقع لبنته الأساسية. ثم إن المتأمل فيما أوردته النصوص من حقوق وواجبات بين الزوج والزوجة، والتي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة على كل منهما والتي تتمحور حول الجانب الإداري والرعوي لهذه الأسرة يستكشف أن هذه المساحة التي بينتها الشريعة أصغر بكثيرٍ مقارنة مع المساحة التي أهملت الحديث عن تفاصيلها، وهذا يدلل على أن طبيعة العلاقة القائمة بين الزوجين في مساحتها الكبرى إنما تعتمد على أخلاق الزوجين وتحليهما بالفضائل والمناقب في تخطي ما يعترض حياتهما من عقبات وعثرات لا يخلو أي بيت زوجي منها، وذلك لأن ساحة الحياة لا تستقر على نمط واحد من السعادة أو الشقاء، بل تتناوب عليها العافية والمرض والغنى والفقر والرفعة والسقوط، وهذا كله يحتاج لغنى أخلاقي كبير يتمتع به كلا الطرفين ويتمكنان من خلاله من تجنب وتجاوز كل المشاكل التي قد تلحق بحياتهما، تماماً كما تتخلص أمواج البحر من كل النفايات التي تُرمى فيه وتلقي بها على شاطئه الرملي.

ومن هنا أكَّد الشرع الحنيف على ضرورة وجود الجو الإيجابي بين الزوجين وذلك من خلال مخاطبة كل منهما بالتفكير بمصلحة مجموع الأسرة، فخاطب الرجل بما ورد عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (2) حاثاً الرجل على نكران الذات ونبذ الأنانية في إدارة أسرته، وخاطب المرأة بقوله: "جهاد المرأة حسن التبعل" (3) ليحثها كذلك على ضرورة الانسجام مع مصلحة الأسرة العامة حتى ولو كان ذلك مخالفاً لقناعاتها الخاصة معتبراً أن ذلك جهاد لها تثاب وتؤجر عليه.

* الزواج مسؤولية وتكليف‏

الحياة الزوجية هي شراكة بين طرفين تستبطن مسؤولية استمرارية النسل وحفظ المجتمع، فهي ليست شهوة آنية أو نزوة عابرة، بل هي مسؤولية أمام اللّه يُحاسَبُ عليها كلٌّ من الطرفين على أي تقصير يصدر منهما مهما كان صغيراً فليس مسموحاً للزوجين التعاطي بلا مبالاة أو بالتسرع واتخاذ القرارات العشوائية والتسلط والاستبداد بالرأي وكل ما من شأنه تبديد الجو الإيجابي وإشاعة جو من التباغض، وما يستتبع ذلك من انعكاسات على جو الأسرة كافة، ويهددها بالتفكك والضياع، لذلك نرى النبي صلى الله عليه وآله يوصي كلا الزوجين بقوله: "من كانت له امرأة تؤذيه لم يقبل اللّه لها صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر وأعتقت الرقاب وأنفقت الأموال في سبيل اللّه، وكانت أول من ترد النار" ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله: "وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إن كان لها مؤذياً ظالماً"(4).

* الدور الأخلاقي للزوجة
ركز الإسلام على الدور الأخلاقي للمرأة كأساس في عملية انسجام العلاقة بين الزوجين، هذا الدور الذي يتمحور بشكلٍ جوهري حول طاعة الزوج والعمل على رضاه، فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله: "لا شفيع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجها" (5)، هذا أمر إن دل على شي‏ء فإنما يدل على جزيل ما أنعم اللّه تعالى على الزوجة التي تصبو إلى راحة الزوج واستقرار الأسرة. ولا يخفى أن هذا الانسجام في العلاقة يتطلب منها الطاعة والصبر وأن تباشر شؤون منزلها، وهي تدرك أن أعظم الناس حقاً عليها هو زوجها فلا تغمه ولا تؤذيه ولا تتصرف في الأمور الأساسية بغير رضاه وأن تظهر له الحب والود وأن تهتم بجمالها وأنوثتها وتحفظ نفسها من كل دنس وعيب وأن لا تكلفه ما لا طاقة له به وأن تخفف عنه أحزانه والآلام.

* الدور الأخلاقي للزوج‏
وتماماً كما هو دور المرأة لفت الإسلام إلى دور الرجل في إشاعة جو الود والرحمة مع زوجته معتبراً المرأة وصية الرجل كما جاء في الحديث الشريف المروي عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله: "أوصاني جبرائيل بالمرأة حتى ظننت أن لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة" (6) وضرورة التوسعة على العيال من أهم ما ينبغي على الرجل المبادرة إليه لما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: "عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم اللّه عليه بنعمة فليوسِّع على أسرائه، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة"(7) فلا ينبغي على الزوج أن يقصِّر في تربيةٍ أو تعليمٍ أو نفقةٍ، بل عليه أن يعين زوجته على كل ما تنتفع به من المسائل الشرعية والدينية والمحافظة على جو الحشمة والعفة وسوى ذلك من أمور ضرورية لأي بيت يتوسم الخير والصلاح، ويجهد نفسه لاستدرار لطف اللّه ورعايته، وهذا ما أشار إليه مولانا الصادق عليه السلام حين قال: "إن المرء يحتاج إلى ثلاث خلال يتكفلها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة وسعة بتقدير وغيرة بتحصن"(8).

 وفي الختام نشير إلى أننا اليوم، وأمام حجم التحدي الثقافي المسموم الذي يبث على أمتنا فإننا بأمس الحاجة إلى الرجوع إلى وحي السماء وتعاليم النبي وسيرة أئمتنا الأطهار والتقيد بما أمرونا به واجتناب ما نهونا عنه، مؤمنين أن في ذلك سعادة الدارين، دنيا مظلَّلة برحمة اللّه ورعايته، وآخرة مكلَّلة بالرضى والرضوان.


(1) مستدرك الوسائل ج‏2 ص‏282.
(2) وسائل الشيعة ج‏20 ص‏171.
(3) من لا يحضره الفقيه ج‏2 ص‏277.
(4) وسائل الشيعة ج‏20 ص‏164 - 163.
(5) البحار ج‏103 ص‏257.
(6) وسائل الشيعة ج‏20 ص‏177.
(7) وسائل الشيعة ج‏20 ص‏171.
(8) البحار 78 ص‏236.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع