مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كيفية إدارة الحياة الزوجية

الشيخ محمد زراقط

خلق اللَّه سبحانه الإنسان وشرَّفه على سائر مخلوقاته بما آتاه من عقل وإرادة واختيار، ولكنه رغم هذا التميز والفرادة في هذا المجال شارك سائر الكائنات الحيَّة أو أغلبها على أقل تقدير في تكاثره عن طريق التزاوج وهذا ما قرره قوله تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(الذاريات: 49).

والفرق الأساس بين الإنسان وغيره من المخلوقات المشابهة هو أن هذه الأخيرة تعيش حياتها بالفطرة والغريزة، بينما نرى أن الإنسان يديرها بالعقل والتدبير. ويؤدي تطور الحياة وتعقيدها وبعض الخصائص النفسية للإنسان إلى طروء كثير من المشكلات التي تعكر صفو الحياة الزوجية ما يدفع الإنسان إلى التفكير في اجتراح الحلول الناجعة أو التي تمنع من بروز هذه المشكلات أو تحلل تعقيداتها في حال طروئها. وهذا ما سأحاول في هذه المقالة طرحه عبر الإشارة إلى شي‏ء من هذه المشاكل والانتقال بعد ذلك للبحث عن الأساس الواجب اعتماده في إدارة الحياة الزوجية.

* بعض مشكلات الحياة الزوجية:
الأمور المساعدة على انقطاع أواصر المودة بين الأزواج كثيرة ربما يكون من أهمها:

1- التفاوت الثقافي والاقتصادي:
الاختلاف سنة الحياة التي أودعها اللَّه في مخلوقاته جميعاً فلا نرى تشابهاً تاماً بين مخلوقين ولعل الاختلاف هو من أفضل الأمور التي تكسر رتابة الحياة. ولكن نعمة الاختلاف قد تتحول إلى نقمة عندما لا يستفاد منها بالشكل المطلوب، فإذا كان الزوجان مختلفان ثقافياً أو اقتصادياً ولم يحسنا التعامل مع هذا الاختلاف فسوف يؤدي ذلك إلى الخلاف علماً أن الخلاف والاختلاف ليسا شيئاً واحداً ولا هما شيئان متلازمان. ومن هنا لا بد من التسليم بعدم إمكان الحصول على شريك حياة مساو من جميع الجهات لشريكه الآخر وعليه فالحل الأمثل بل الأوحد هو الرضا بالشريك المختلف ومحاولة ردم الهوة الحاصلة عن هذا التفاوت بواسطة حسن إدارة الحياة والتعامل بحكمة وإخلاص مع الشريك المختلف للوصول إلى التقارب لا التشابه الكامل الذي هو غاية لن تدرك. ولو رجعنا إلى الإسلام لنرى ما هو الأساس في اعتبار الزوجين متكافئين أو غير متكافئين، للاحظنا أن المعيار هو الإيمان لا الوضع الاقتصادي ولا المستوى الثقافي ولا غيره من الأمور. ثم لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا التفاوت المشار إليه سابقاً ليس طارئاً بعد الزواج وعليه فلا ينبغي أن يترك أثراً على علاقة الأزواج إذ من المفروض أن يتم اتخاذ قرار الزواج عن وعي كامل، وأما إذا كان هذا التفاوت طارئاً فمن الخيانة والغدر أن يتنكر من يحسب أنه ارتقى، لشريكه الذي كان مساوياً له في طبقته ومساوياً له في مستواه.

2- برودة العواطف ورتابة الحياة:
قد يبالغ بعض الأزواج في إظهار عواطفهم لشركائهم قبل الزواج، وأما بعد الزواج فإننا نجد أن هذه العواطف بدأت تذبل ويخبو ضياؤها شيئاً فشيئاً نتيجة القرب الدائم والانشغال بأمور الحياة اليومية، فيستحيل ذلك الحب المتأجج إلى برودة ولا مبالاة. وهذا باب واسع جدا لتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق. وفي بعض الأحيان بل ربما في أكثرها نجد بعد التأمل والتدقيق أن قلب كل من الطرفين ما زال يخفق بحب كبير ولكنه مستور لا يجد طريقة للبوح به والتعبير عنه، وكأن الزوجين لا يريان لذلك ضرورة أو يخجلان من التصريح بهذا الحب غافلين عن أن الحب والعواطف قد تخبو أو لا تترك أثرها إذا أضمرت ولم تجد طريقها إلى التعبير عنها، ومن هنا نلاحظ أن الإسلام قد اهتم اهتماماً بالغاً بهذا الأمر ودعا إلى إظهار الحب وعدم كتمانه بل التعبير عنه بما تيسر من أساليب نشير إلى بعضها:
أ- التعبير عن الحب بالكلام: فقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا"(1).
ب- التهادي والمحبة: وورد عنه أيضاً: "تهادوا فإن الهدية تسل السخائم(*) وتجلي ضغائن العداوة والأحقاد"(2).
ج- التعبير عنه بالسلام والتحية: وعنه أيضاً: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شي‏ء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام"(3).

3- الغيرة والشك المتبادل:
يعتقد الكثيرون من الناس أن الغيرة هي دليل الحرص على المحبوب وبالتالي فحيثما توجد يوجد الحب وعندما تنعدم ينعدم، قد يكون في هذا الكلام شيئاً من الحقيقة إلا أن الغيرة لها سببان أحدهما هو الحب والسبب الآخر هو الأنانية الزائدة عن الحد المعقول الذي يعطي للحياة الزوجية دفئها ويضفي عليها شيئاً من الخصوصية، وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "المرأة تغار على الرجل تؤذيه؟ قال: ذاك من الحب"(4). وإذا أردنا تشبيه الغيرة بشيء من الأمور المحسوسة فلا نجد أقرب من الملح شبيهاً لها فإنه يعطي للطعام مذاقاً لذيذاً ولكنه عندما يزيد عن حده المعقول يتحول إلى مشكلة تحتاج إلى حل وعلاج. والغيرة لها أسبابها ومبرراتها فلا يمكن الحديث عن غيرة سيئة بالمطلق ولا أخرى حسنة بالمطلق إلا بعد البحث عن أسبابها ومبرراتها، ومن هنا نجد أن الإسلام امتدح الغيرة وعدها من صفات اللَّه تعالى حيث ورد في الحديث: "إن الله غيور يحب كل غيور. ومن غيرته حرَّم الفواحش ظاهرها وباطنها"(5)، ولكنه في الوقت عينه نهى عنها. أما غيرة النساء فقد اعتبرها أحد أبواب الكفر ومداخله حيث ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "غيرة النساء حسد والحسد أصل الكفر، إن النساء إذا غرن غضبن وإذا غضبن كفرن إلا المسلمات منهن"(6). وأما غيرة الرجال فقد ورد في وجوب ضبطها والحد منها عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إياك والتغاير في غير موضع الغيرة فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم ولكن أحكم أمرهن فإن رأيت عيباً فعجل النكير"(7).

4- العلاقات بين الأقارب:
من بين الأمور الموجبة لبعض أنواع سوء التفاهم بين الزوجين هي كيفية التعامل مع الواقع الطارئ على العلاقات بين كل من الزوجين وأقارب الآخر حيث إن كلاً منهما قد يرى في علاقة أحد الزوجين مع أقاربه السابقين تهديداً لحياته الخاصة أو تهديداً للعلاقة المرجوة بينه وبين أقاربه الجدد. وهنا لا بد من الالتفات إلى أن كلاًّ من الزوجين له شخصيته المستقلة التي تستلزم علاقات قرابة خاصة به تختلف عن علاقته بأقارب الآخر ولا ينبغي أن يتوقع أي منهما أن ينفصل شريكه عن ماضيه ويتنكَّر له وإن حصل ذلك فإنما يحصل في حالات نادرة على خلاف الطبيعة البشرية وقد يكون في كثير من الأحيان مؤشراً ودليلاً على خلل معين، والأمر الصحيح هو أن لا تكون علاقة أحد الزوجين بأقاربه وماضيه على حساب شريكه.

القاعدة القرآنية لإدارة الحياة الزوجية:
يقول اللَّه سبحانه في كتابه الكريم: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(الروم: 21). تبين هذه الآية على قِصَرها ووجازتها فلسفة الحياة الزوجية وأهدافها وأسس إدارتها، وذلك من خلال عناصر هي:

أ- الزوج جزء من النفس: هذا الخطاب يشمل كما يبدو كلاً من الرجل والمرأة وإن كان الوارد هو صيغة المذكر وذلك لأن اللغات التي تشتمل على صيغتي التذكير والتأنيث تغلِّب المذكر عند الحديث عن النوعين.

ب- السكن هو الهدف: يحدد اللَّه سبحانه هدفاً أساسياً من الزواج هو أن يسكن كل من الزوجين إلى الآخر ويلجأ إليه كما يأوي الإنسان بعد سفر طويل إلى بيته ليرتاح باحثاً فيه عن السكينة التي لا يجدها في مكان آخر، وكما العصفور يأوي إلى عشه، بعد رحلة بحث عن حبة قمح أو قطرة ماء ربما لا يجدها وإن وجدها فربما حال بينه وبينها بعض المنغِّصات. على هذا النحو يصور لنا اللَّه الحياة الزوجية سكناً لا إلى بيت أو شخص آخر بل سكناً إلى الذات والنفس.

ج- المودة هي الحل: لا يحلو هذا السكن إلا إذا نشأت بينه وبين الساكن علاقة مودة وحب فالإنسان لا يطيب له العيش في بيت لا يعشقه أو لا يشعر أنه يمثل جزءاً من شخصيته وكذلك لا يشعر كل من الزوجين بالراحة والسكينة تجاه الشريك إلا إذا نشأت بينهما علاقة المودة والحب، وقد لا تكون المودة عنصراً كافياً في تمتين العلاقة بين الزوجين؛ ولذلك توج اللَّه هذه العناصر بالعنصر الأخير وهو الرحمة.

د- الرحمة رأس الهرم: الرحمة هي البلسم الذي يغطي كل مصاعب الحياة ويصبغها بصبغة اللَّه ويلبسها لبوس أجمل صفاته فلم يكتفِ سبحانه بكونه رحيماً وإنما جعل الرحمة شعاراً للمسلمين في عباداتهم وحياتهم اليومية داخل مؤسسة الزواج وخارجها.

وفي الختام نسجد للَّه تعظيماً لهذه النعمة وهذه الجنَّة الأرضية ودعوة مفتوحة نوجهها لكل الراغبين ليحولوا حياتهم الزوجية إلى جنة اللَّه سبحانه، وأي مشكلة تستعصي على الحل إذا أحب الزوج زوجته، والزوجة زوجها وشعر كل منهما بالتوحد والتكامل مع الآخر على أساس المودة والرحمة.


(*) السخيمة، والجمع سخائم أي الضغائن والعداوات.
(1) وسائل الشيعة، م.س.، ج‏14، ص‏10.
(2) وسائل الشيعة، م.س.، ج‏14، ص‏213.
(3) عن السيد عبد الحسين شرف الدين، النص والاجتهاد، ص‏554.
(4) وسائل الشيعة، م.س.، ج‏14، ص‏110.
(5) وسائل الشيعة، م.س.، ج‏14، ص 108.
(6) وسائل الشيعة، م.س.، ج‏14، ص‏110.
(7) وسائل الشيعة، م.س.، ج‏14، ص‏175.

أضيف في: | عدد المشاهدات: