نلا الزين
الحياة الزوجية أنس ومودة ورحمة، وهي تحتاج إلى الضوابط الشرعية والأخلاقية لتقوم على أعمدةٍ متينةٍ كما تحتاج إلى فن التعامل مع الشريك، والشريك الذي يجهل السباحة في يمِّ الزواج والحياة المشتركة بين الزوجين سيكون أسير الأمواج التي قد يصادفها وتهدد استقرار هذه الحياة، فالحياة الزوجية تنطوي على تفاصيل دقيقة تتطلب من الزوجين أن يكونا محيطين باحتياجات هذه الحياة، فالانفصال والنزاع والخلافات بين الأزواج وفي العائلات كثيراً ما ينجم عن جهل بهذه المستلزمات والاحتياجات وبسبب غياب الخبرة في الحياة الزوجية.
* الأسباب الكامنة وراء الخلاف بين الأزواج:
1- عدم المعرفة الكافية بالشريك:
إنّ الزواج الذي يقوم على تصورات خاطئة أو غير صحيحة سيكون عرضة للتدهور والمشاكل، لذلك يتطلب الزواج فرصة كافية من أجل أن يتعرف الطرفان على بعضهما البعض من أجل بناء حياةٍ مشتركة على أرضٍ واضحة.
2- عدم الاستفادة من تجارب الغير:
التجارب الزوجية مفيدة للذين لم يخوضوا مثل هذه التجربة صحيح أنَّ الناس أجناس وطبائع مختلفة إلاَّ أنَّ تجارب البعض قد يستفاد منها، كما أنَّ تجربة الوالدين لكلِّ طرف من الأطراف مفيدة أحياناً فلا بُدَّ من أخذ رأيهم ببعض المسائل وهنا لا بدَّ من أن يكون الأهل منفتحين على عصرهم وعلى حاجات أبنائهم وبناتهم المقدمين على الزواج، بشكل موضوعي ومدروس لكي يقدموا النصيحة اللازمة للابن أو للبنت اللذين سيدخلان حياة مشتركة.
3- الأحلام والتصورات الخيالية:
هناك بعض المشاكل التي تحصل بين الزوجين يعود سببها إلى طريقة تفكيرهما قبل الزواج أو بعده، وهي قائمة أي طريقة التفكير على الأحلام الوردية التي تصطدم مع أشواك الواقع والحياة وعلى التصورات الخاطئة البعيدة عن إمكانية التطبيق، فالأحلام تجعل أحد الطرفين يعتقد أنه قادم على حياة لا مشاكل فيها ولا آلام ولا نقاش ولا جدال، أي باعتقادهم الجنة الزوجية، من شأنها أن تزيد الهوة والنزاع لأتفه الأسباب وأصغرها. فلا بدَّ من تفكير واقعي ولا بأس من أن يكون فيه بعض تطريز وردي يحمل طريقة تفكيرنا ويشجعنا على بناء حياة جميلة وسعيدة بعيدة قدر الإمكان عن التعاسة والتعقيدات.
4- الاعتقاد بأن الزواج لمجرد إشباع بعض الرغبات:
الحياة الزوجية قائمة على الثنائية وهي تساهم في تحصين الرجال والنساء على صعيد بعض الغرائز الضرورية كما أنها تؤدي إلى حفظ النسل وعمارة هذه الأرض بالإنسان. وهي أيضاً تؤمن الاستقرار الروحي والنفسي والعاطفي للزوجين، كما أنها تتطلب وعياً منهما ليتشاركا الرأي والتفكير لبناء حياتهما وحياة أبنائهما بشكل صحيح وسليم والتشاور في بعض الخصوصيات والطموحات لكلٍّ منهما، فمن هنا يكون الاعتقاد بأن الحياة الزوجية مجرد مساحة لإشباع بعض الغرائز الخاصة خطأً، لأنها تتسع لتستوعب الغرائز والعاطفة والعقل والمشورة وبناء عائلة وتخريج أجيال للمجتمع والقدرة على التربية وتأمين لوازم العيش الكريم.
5- الاقتصار على المظاهر الخارجية:
لقد ورد في الحديث: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقه فزوِّجوه". وفي حديث آخر: "إيَّاكم وخضراء الدِّمن" أي الجميلة في منبت السوء". إذن المطلوب أثناء الاختيار عدم الاكتفاء بالمظاهر الخارجية مادية كانت أو جمالية أو جاهية. ولا بأس إذا اقترنت هذه العناوين مع مبادئ الإسلام والدين ولكن شرط أن لا تتحول إلى أولويات في الاختيار لأنها لن تحقق الحياة الزوجية المستقرة دائماً فعند انتهاء المظهر الذي اخترنا على أساسه فسوف تنهار الحياة الزوجية بسبب من الأسباب.
6 الجهل بحقوق الشريك:
هناك بعض الأشخاص الذين يعتبرون حقوقهم مقدسة لا ينبغي المساس بها بينما حقوق الآخرين قابلة للنقاش والمساس بل ربما للإلغاء والرفض، هذا لا ينفع في الحياة الزوجية، وهذا دليل على قلة الخبرة في مثل هذه المواضيع فلكي يستطيع الواحد منهما أن يقدم لشريكه ما له من حقوق عليه فلا بدَّ أن يشعر بحصوله على حقوقه أيضاً فهذه الحياة القائمة على المودة والرحمة لا بدَّ أن تكون قائمة على العدل أيضاً والمودة والرحمة أوسع من العدل فلا بد من رعاية حقوق الزوجين معاً ومعرفة هذه الحقوق شيء ضروري لبناء عائلة سعيدة وزواج ناجح.
7- إفشاء الأسرار:
قد تنشب مشكلة بين الزوجين لسبب من الأسباب وهنا نجد أن أحد الزوجين أو الاثنين معاً قد بدأ ببث بعض الأشياء الخاصة بينهما وهي تدخل في نطاق سرية هذه الحياة التي يظللها سقف واحد وبيت واحد وحياة مشتركة بينهما، وهنا تزداد الهوة فيما بينهما حتى لو تصالحا معاً وعادا إلى سابق عهدهما الزوجي فإنَّ كشف بعض التفاصيل سيعكِّر صفو الحياة في الأيام القادمة خصوصاً إذا كانت هذه التفاصيل والمعلومات وصلت لبعض الأهل من الطرفين وهذا دليل على عدم الخبرة في هذا الموضوع.
8- الإحساس بالحرمان:
الإحساس بالحرمان المادي أو العاطفي بعد دخول مشروع الزواج يعطي فكرةً ما عن وجود آمال وطموح بحياة أفضل مما هي عليه لذا لا بدَّ من مساهمة الطرفين بمعرفة حاجات الطرف الآخر المادية أو العاطفية، ليملأ هذا الفراغ وهذا الإحساس، فمثلاً الزوجة قد تحتاج لبعض الأمور التي قد لا يلتفت إليها الزوج لعدم خبرته بها وبأهميتها بالنسبة للمرأة وقد تكون خاصة بها أو عامة للمنزل والأسرة وهنا ينبغي على المرأة أن تقدِّر عدم معرفته وخبرته في هذه الأمور وأن توضح له ذلك حتى لا تشعر بالحرمان منها وتأمينها، أيضاً قد تحتاج الزوجة أو الزوج لبعض الكلمات اللطيفة والحنان والعاطفة من زوجها أو من زوجته بالنسبة للزوج وعدم الارتواء من هذه الحاجات المعنوية قد يسبب مشكلة ما بينهما في المدى القريب أو البعيد.
وهناك بعض الأزواج الذين لا يمتلكون خبرة في اختيار الكلمات اللينة والمحبَّبة لقولها على مسمع الشريك وهي من الأمور التي تزداد في ظلِّها المودة والسعادة وتجدد معها الحياة الزوجية.
* استثمار الخبرة في الحياة العائلية
عندما يكتسب الإنسان خبرة ما في حقل من حقول الحياة لا سيما على صعيد حياته الخاصة في مختلف عناوينها، فإنه يستطيع أن يسخرها لكي تعود عليه بالنفع وعلى من حوله ممن يريد لهم السعادة والاستفادة من خلال التعامل مع المحيط ومع الناس ومع الأقربين واتخاذ القرارات المناسبة وتقديم الأولويات وحل المشاكل التي تعيق سير الحياة بشكل طبيعي وهادىء، لا سيما في الحياة الزوجية القائمة على الثنائية وقد تتعداها إلى الجماعية نظراً لتكوين أسرة مؤلَّفة من الزوجين والأولاد، فالخبرة في الحياة العائلية تعطي الإنسان قدرة على السيطرة على انفعالاته وتحديد قرارات تتلاءم مع متطلبات ومستلزمات هذه الحياة وهي تنمو دائماً عندما يمارسها الإنسان عملياً ويتقن آلياتها وهي تريح وتعين وتجنب الذي يمتلكها العثرات والندم والوقوع في أسر النكد الدائم. الخبرة ليست كلمة صغيرة فهي تجعل الإنسان يتأمل الأمور بموضوعية ويبحث عن أخطائه كما يبحث عن أخطاء غيره.
* أولويات في التفكير والخبرة
قيل: إنَّ أفضل الطرق لحل القضايا هو في قضاء ساعة من العمر في التأمل ومراجعة النفس والبحث عن الوسيلة الصحيحة التي تؤدي إلى اتخاذ الموقف المناسب والملائم لظروفنا ومعطياتنا، وطريق الخير هو من أكثر الطرق يسراً ورضى للَّه تعالى وهنا بعض النقاط اللازمة لسلامة التفكير واكتساب الخبرة في الأيام القادمة والظروف المشابهة:
1- البحث عن الهدف:
عندما يريد الإنسان أن يتخذ موقفاً ما ينبغي عليه أن يبحث عن الهدف الكامن وراء هذا الموقف أو الموضوع محل التفكير والسلوك، وهنا قد يشارك الاخرين الرأي عندما يجد سبباً وجيهاً لذلك وضرورة ملحة أو قد يعتمد على آلية تفكيره إذا كانت توصله إلى اتخاذ المواقف المناسبة فمثلاً على صعيد الحياة الزوجية لا بد من الوقوف على الهدف من زواجه عندما تواجهه أي مشكلة زوجية، والهدف في أحيان كثيرة واضح ألا وهو الاستقرار النفسي والهدوء وراحة البال وتأمين الحاجات الضرورية والطبيعية للفرد، رجلاً كان أو امرأة. وهنا يمكنه أن يزيل الكثير من بواعث الخلاف والمشاكل بينه وبين شريكه، فإذا ما تمَّ معرفة الهدف وأهمية تحقيقه يتم تجاوز بعض الأمور التي تعيقه.
2- معرفة النفس البشرية:
فمعرفة النفس أصلاً ضرورية في كل شيء وفي كلِّ هدف نسعى لتحقيقه، ولا ننسى الحديث القائل عن أهمية هذه المعرفة: "من عرف نفسه فقد عرف ربَّه". فالنفس البشرية تحتوي الكثير من الميول والقوى وتموج بالعديد من أنواع الخيال والطموح والرغبات وعندما ندرك ذلك نقف عند مسألة مهمة وهي أنَّ الذي نعيش معه حياة مشتركة ونتقاسم معه حياةً زوجية لن يكون دائماً هو المسؤول عن كل ما يحصل من خلاف أو سوء فهم ومشاكل، فكما للشريك الأول رغباته وميوله وطرق تفكيره وتموجات نفسه كذلك الشريك الآخر له هذه المفردات، وأنَّ أولويات الحياة المشتركة تتطلب احترام الشريك فهو إنسان مثلنا له شخصيته وحقه في العيش الهانئ وفي التعبير.
3- ضبط النفس وصيانة اللسان:
إن معرفة النفس ستقود إلى جهادها والسيطرة على ميولها ورغباتها ومعرفة نقاط ضعفها ونقاط قوتها. إن ضبط النفس وصيانة اللسان عن الكلام غير الضروري وغير المفيد هما من مقومات الشخصية المتزنة ذات الخبرة بالنفس وبالحياة خاصة في الحياة الزوجية.
4- عدم التيه في غياهب عيوب الآخر فقط:
من أوليات الحياة بشكل عام والحياة الزوجية بشكل خاص أن يدع الإنسان البحث عن عيوب الشريك الآخر فالبحث عن عيوب الشريك يؤدي إلى ظلم الآخر زوجاً أو زوجة وعدم الوصول إلى حل موضوعي للمشكلة وتفاقم نقمة الآخر علينا وتفاقم نقمتنا على الآخر لأننا نحدق فقط في عيوبه وننسى ما لنا من أخطاء وعيوب. أخيراً: الأخطاء التي تحدث في الحياة عامة والحياة الزوجية خاصة هي بمثابة نقاط سوداء تعكر صفو هذه الحياة وقد تهدد أساسها وعندما يجتمع الجهل مع عدم الخبرة وعدم التحمل وبعض العقد الخاصة تزداد الأمور سوءاً فالخبرة هي تجربة حية لحل ما يواجهها بالأسلوب الأفضل ؟