مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح اللَّه‏: ماذا نتعلم من القرآن الكريم؟

* المقصود من الاستفادة
إذا علمت مقاصد هذه الصحيفة الإلهية (القرآن) ومطالبها، فلا بد لك أن تلفت النظر إلى مطلب مهم يكشف لك بالتوجه إليه طريق الاستفادة من الكتاب الشريف، ويفتح على قلبك أبواب المعارف والحكم، وهو أن يكون نظرك إلى الكتاب الشريف الإلهي نظر التعلُّم، وتراه كتاب التعليم والإفادة، وترى نفسك موظفة على التعلم والاستفادة، وليس مقصودنا من التعليم والتعلم والإفادة والاستفادة أن تتعلم منه الجهات الأدبية والنحو والصرف، أو تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية، أو تنظر في قصصه وحكاياته بالنظر التاريخي، والاطلاع على الأمم السالفة، فإنه ليس شي‏ء من هذه داخلاً في مقاصد القرآن، وهو بعيد عن المنظور الأصلي للكتاب الإلهي بمراحل، والذي أوجب أن تكون استفادتنا من هذا الكتاب العظيم بأقل من القليل هو هذا. فإما: ألا ننظر إليه نظر التعليم والتعلّم كما هو الغالب علينا، ونقرأ القرآن للثواب والأجر فقط، ولهذا لا نعتني بغير جهة تجويده، ونريد أن نقرأ القرآن أربعين سنة، ولا تحصل أي استفادة منه بوجه إلا الأجر وثواب القراءة. وإما أن نشتغل إن كان نظرنا التعليم والتعلّم بالنكات البديعية والبيانية ووجوه إعجازه، وأعلى من هذا بقليل فإلى الجهات التاريخية وسبب نزول الآيات وأوقات النزول، وكون الآيات والسور مكية أو مدنية، واختلاف القراءات واختلاف المفسرين من العامة والخاصة، وسائر الأمور العرضية الخارجة عن المقصد، والتي هي نفسها موجبة للاحتجاب عن القرآن والغفلة عن الذكر الإلهي.

* مهمة كتب التفسير
بل إن مفسّرينا العظام أيضاً صرفوا عمدة همّهم في إحدى هذه الجهات أو أكثر، ولم يفتحوا باب التعليمات على الناس. وبعقيدة الكاتب لم يُكتب إلى الآن التفسير لكتاب اللَّه، لأن معنى التفسير على نحو كلي هو أن يكون شارحاً لمقاصد الكتاب المفسّر، ويكون النظر المهم إلى بيان منظور صاحب الكتاب. فهذا الكتاب الشريف الذي هو بشهادة اللَّه تعالى كتاب الهداية والتعليم، ونور طريق سلوك الإنسانية، يلزم للمفسّر أن يعلم المتعلم في كل قصة من قصصه، بل في كل آية من آياته جهة الاهتداء إلى عالم الغيب، وحيثية الهداية إلى طريق السعادة، وسلوك طريق المعرفة والإنسانية. فالمفسر إذا فهّمنا المقصد من النزول فهو مفسّر، لا سبب النزول كما هو في التفاسير، ففي نفس قصة آدم وحواء وقضاياهما مع ابليس من ابتداء خلقهما إلى ورودهما إلى الأرض، وقد ذكرها الحق تعالى مكررة في كتابه، كم من المعارف والمواعظ مذكورة فيها ومرموز إليها؟ وكم هي تعرفنا بعيوب النفس والأخلاق الإبليسية وكمالاتها والمعارف الإنسانية ونحن غافلون عنها..؟

وبالجملة، كتاب اللَّه هو كتاب المعرفة والأخلاق والدعوة إلى السعادة والكمال، فكتاب التفسير أيضاً لابد وأن يكون كتاباً عرفانياً وأخلاقياً ومبيّناً للجهات العرفانية والأخلاقية وسائر جهات الدعوة إلى السعادة التي في القرآن. فالمفسر الذي يغفل عن هذه الجهة، أو يصرف النظر عنها أو لا يهتم بها، فقد غفل عن مقصود القرآن والمنظور الأصلي لإنزال الكتب، وإرسال الرسل. وهذا خطأ حرم الملّة الإسلامية قروناً من الاستفادة من القرآن الشريف، وسدّ طريق الهداية على الناس، فلا بد لنا أن نأخذ المقصود من تنزيل هذا الكتاب من نفس هذا الكتاب مع قطع النظر عن الجهات العقلية والبرهانية التي تفهمنا المقصد، فمصنف الكتاب أعرف بمقصده. فالآن إذا نظرنا إلى ما قال هذا المصنف فيما يرجع إلى شؤون القرآن، نرى أنه يقول ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (البقرة: 2) فعرّف هذا الكتاب بأنه الهداية، نرى أنه في سورة قصيرة كرّر مرّات عديدة ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (القمر: 17) نرى أنه يقول ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل: 44) ونرى أنه يقول ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (ص: 29) إلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي يطول ذكرها.

وبالجملة، ليس مقصودنا من هذا البيان الانتقاد للتفاسير، فإن كل واحد من المفسرين تحمّل المشاق الكثيرة والأتعاب التي لا نهاية لها حتى صنّف كتاباً شريفاً، فللّه درّهم، وعلى الله أجرهم، بل مقصودنا هو أنه لا بد وأن يفتح للناس طريق الاستفادة من هذا الكتاب الشريف الذي هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى اللَّه، والكتاب الأوحدي في تهذيب النفوس والآداب والسنن الإلهية، وأعظم وسيلة رابطة بين الخالق والمخلوق، والعروة الوثقى، والحبل المتين للتمسك بعزّ الربوبية. فعلى العلماء والمفسرين أن يكتبوا التفاسير فارسية وعربية، وليكن مقصودهم بيان التعاليم والمقررات العرفانية والأخلاقية، وبيان كيفية ربط المخلوق بالخالق، وبيان الهجرة من دار الغرور إلى دار السرور والخلود على نحو ما أودعت في هذا الكتاب الشريف، فصاحب هذا الكتاب ليس هو السكاكي(1) والشيخ(2) ليكون مقصده جهات البلاغة والفصاحة، وليس هو سيبويه(3) والخليل(4) حتى يكون منظوره جهات النحو والصرف، وليس المسعودي(5) وابن خلكان(6) حتى يبحث حول تاريخ العالم. هذا الكتاب ليس كعصى موسى ويده البيضاء، أو نفس عيسى الذي يحيي الموتى فيكون للإعجاز فقط، وللدلالة على صدق النبي الأكرم؛ بل هذه الصحيفة الإلهية كتاب إحياء القلوب بالحياة الأبدية للعلم والمعارف الإلهية، هذا كتاب الله ويدعو إلى الشؤون الإلهية له جلّ وعلا. فالمفسر لا بد وأن يعلّم الناس الشؤون الإلهية، وعلى الناس الرجوع إليه لتعلّم الشؤون الإلهية حتى تتحصل الاستفادة منه ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (الإسراء: 82) فأي خسران أعظم من أن نقرأ الكتاب الإلهي ثلاثين أو أربعين سنة، ونراجع التفاسير، ونبقى محرومين من مقاصده ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الأعراف: 23).


(3) (2)(1) و(4) علماء لغة.
(5) و(6) مؤرخان.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع