مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: تدنيس القرآن الكريم ماذا بعد؟‏


موسى حسين صفوان‏


انتهاك حرمة القرآن الكريم في سجون غوانتنامو، هل هو مشروع سياسي يخدم المشروع الاستعماري الأمريكي الجديد في المنطقة؟ أم أنه مشروع حضاري يوغل في صميم الحرب الحضارية التي تقودها الآن الدوائر الاستكبارية لهدم آخر معاقل القوة عند المسلمين، والتي يبدو أنها تستعصي بشكل من الأشكال على محاولات الهيمنة الاستعمارية القادمة إلينا متمنطقة بلبوس الديمقراطية؟!

عسكرياً، استطاع الغرب المستكبر أن يتفوق على بلدان ما يسمى الشرق الأدنى، وهي تشمل معظم البلاد الإسلامية، التي تعيش فيها أكثر الشعوب عراقة، فيما يتعلق بالحضارة الإنسانية، وكذلك هو الحال عند الحديث عن التطور الاقتصادي، والتكنولوجي، وعلى الصعد العلمية كافة...  بيد أن شعوب هذه البلاد المترامية الأطراف ما زالت تتمتع برصيد كبير من القيم الحضارية تدخل تحت عنوان القداسة، التي ما زالت تمسك بمعاصم هذه الشعوب ما يجعلها مستعصية على الترويض، وبالتالي، قادرة على مواجهة أعاصير الحداثة، والغزو الثقافي، الرامية إلى طمس الهوية الحضارية الأصيلة، وإحلال ثقافة العولمة مكانها... لقد أثبتت قيم القداسة المستمدة من الروح المعنوية الدينية قدرتها على إحياء عناصر القوة في الأمّة لمرات عديدة. وسواء في المجتمع الإسلامي أو المسيحي، يتميز الشرق بصفة أساسية باستجابة أعلى للقيم الدينية، وبالتالي فإن المقدس في منطقتنا بالذات يتخذ بعداً حضارياً بالغ الأهمية ونافذ الفعالية. ويمكن في هذا المجال ذكر بعض المحطات التاريخية التي استطاع فيها عنوان القداسة أن يصنع الحدث... فقبل وعد بلفور رفض السلطان عبد الحميد العثماني التنازل عن فلسطين لما ترمز إليه من قداسة لوجود المسجد الأقصى على أرضها، رغم الظروف الضاغطة التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية مطلع القرن الماضي. وفي العام 1948، تساهل الحكام والملوك العرب إزاء مشاريع الهجرة اليهودية وإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين العزيزة، باستثناء القدس والمسجد الأقصى، فقد أصرّ الملك عبد اللَّه بن الحسين على إبقائهما تحت حكمه، وربما يمكن الإدّعاء أنه لو أصرّ اليهود على حيازة القدس لما أمكن لهم إقامة دولتهم على أرض فلسطين أصلاً... ومنذ ذلك التاريخ شهد المسجد الأقصى العديد من محاولات الاعتداء ولا يزال يشكل الشوكة التي تنغص على اليهود عيشهم في فلسطين، وتحول بينهم وبين تحقيق أوهامهم التاريخية فيما يختص بإعادة بناء الهيكل المزعوم... والجدير ذكره أن "المؤتمر الإسلامي" تم عقده على خلفية الاعتداء الإسرائيلي على المسجد الأقصى...

وفي مجال آخر، أظهر العالم الإسلامي استنكاراً شديداً لمحاولة المرتد سلمان رشدي الاعتداء على موقع الرسول الأكرم المقدس صلى الله عليه وآله وكان لفتوى الإمام الخميني قدس سره يومها ذلك الصدى الذي ظل يتردد لسنوات طويلة، وإن كان صوت ذلك الاستنكار يبدو أنه خفت قليلاً اليوم فهو لا ينفك يظهر في صور مختلفة جعلت المراقبين في الدوائر الاستكبارية مشغولين جداً في دراسة السبل الممكنة لتقويض ذلك الشعور المتعاظم في محاولة لتمرير المزيد من المشاريع السياسية الاستكبارية في المنطقة.

ويستطيع المراقب في هذا المجال أن يلاحظ الأمور التالية:
أولاً: التركيز الإعلامي على موضوع الإرهاب وربطه بالجماعة الأصولية في محاولة لتشويه قيم القداسة ومما ساعد تلك الدوائر قيام مجموعات ظلامية بأعمال منافية للدين الحنيف تحت عناوين إسلامية.
ثانياً: تمويل المشاريع الحداثية تحت عنوان الدمقرطة، التي تتجاوز في انتقاداتها مسألة الاستبداد والديكتاتورية لتنال من أصل المبادئ الإسلامية وتطعن في صميم قيم القداسة في التراث الإسلامي.
ثالثاً: القيام بعدّة أعمال منافية للعرف العام تتسم بالجرأة على المقدسات والحرمات ومنها منع الحجاب في فرنسا وبعض دول أوروبا، ومنع بعض المساجد من رفع الأذان، وانتهاك حرمة الإنسان وكرامته في أبو غريب ومحاولة الاعتداء على مقام الإمام علي عليه السلام، والعديد من الممارسات المشابهة والتي تحوّل وبطريقة سيكولوجية خبيثة مسألة الاعتداء على المقدسات خبراً يومياً، مما يفقد تلك المقدسات الكثير من وقعها النفسي، ويضعها في عداد الأحداث اليومية المألوفة، تماماً كما أصبحت الأحداث اليومية عن قتل الأبرياء، وقتل الأطفال بدم بارد، والاعتداء على المدارس والمستشفيات والأحياء السكنية والمساجد، وهدم البيوت، وتهجير الناس لمصلحة المشاريع الاستيطانية تارة، أو لاستكمال بناء جدار الفصل تارة أخرى؛ مجرد أحداث يومية لا تحرك في ملايين المسلمين والعرب أية ردّات فعل مستنكرة، فضلاً عن المبادرة إلى خطوات عملية في هذا الاتجاه. ولا شك أن الأمّة التي فقدت الكثير من عناصر القوة والحياة فيها لم تزل تحركها عناوين القداسة والتي يأتي على رأسها شخص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والقرآن الكريم، والحرمان الشريفان والمسجد الأقصى المبارك...

في الجانب الآخر، هناك عوامل حضارية تدخل في سياق الصراع الحضاري بين قيم الفضيلة التي يمثلها الإيمان بشكل عام وفي مقدمة تلك القيم المقدسات الإسلامية، وبين النوازع الشيطانية المادية التي تحاول جرف الإنسان في تياراتها المفسدة متجردة من كل قيمة معنوية تسمح له بالانطلاق نحو الخير، يقول تعالى في سورة الأعراف: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (الأعراف: 27). فمهما كانت طبيعة الصراع بين المستكبرين والمستضعفين ومهما اتخذت من عناوين سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها، فإنها في الأساس صورة للصراع القديم الجديد بين الحق بكل مفرداته وعناوينه، وبين الباطل بكل وجوهه وأشكاله فسواء كانت الممارسات المنافية للأخلاق والأدب والقيم الحضارية الإنسانية صادرة عن الجنود الأميركيين بناء لخطة مدروسة ذات أهداف سياسية، أو كانت انعكاساً لإنحطاط أخلاقي أصاب المستوى الغربي بشكل عام، والمجتمع الأميركي بشكل خاص إلى درجة إفقاد الإنسان الغربي أي معنى أو قيمة خارج إطار الأحاسيس البيولوجية، تصديقاً لقوله تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وآله: ﴿... وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (محمد: 12). لقد فقد هؤلاء صفتهم الإنسانية، وأصبحوا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، ولكن المؤسف أن هؤلاء يمتلكون اليوم مقدرات مادية هائلة، ويحاولون الاستفادة مما يمتلكون من قوة وتكنولوجيا لتطويع العالم واستعباده وتسخيره لمصلحة شهواتهم الوضيعة...

ومن المؤكد أننا لا نخطئ الهدف إذا صنفنا تلك القوى العابثة في المقدسات والمنتهكة للحرمات تحت عنوان القوى الشيطانية. فقد وصف الإمام الخميني رضوان اللَّه عليه أميركا بالشيطان الأكبر وإسرائيل بربيبة أمريكا. فالمعركة سواء كانت سياسية أو حضارية هي هي، معركة بين قوى الخير وقوى الشر، ومن هنا فإن كل تلك التصرفات سواء كانت تأتي في سياق خطط مدروسة ومرسومة أو أنها تصدر ارتجالياً لتعبر عن المضمون الحضاري الغربي فإنها تصب في المصلحة الإسرائيلية وتخدم المشروع الصهيوني الذي يسعى منذ أكثر من قرن لانتهاك حرمة المسجد الأقصى...

لم يكن المسجد الأقصى في عصرنا الحديث بمنأى عن الخطر الصهيوني يوماً، غير أنه اليوم بالذات يقع ضمن بؤرة الاستهداف الصهيوني أكثر من أي يومٍ مضى، فحذار حذار أن تكون الاعتداءات المتكررة على المقدسات والحرمات الإسلامية، من أبو غريب، إلى كربلاء والنجف، إلى غوانتنامو مجرد خطوات ترويضية لانتهاك حرمة المسجد الأقصى في غفلة من مشاعر المسلمين!!!

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع