مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لِمَ تحرمون إجابة الدعاء

 للفقيه الكبير الشيخ الجواهري(1) قدس سره

 

إعداد: الشيخ حسين كوراني‏


وينبغي أن يكون الدعاء(2) بعد التوبة والإقلاع عن المعصية(3) ورد المظالم وإخراج الحقوق والتواصل والتراحم والمواساة والتصدق، فإن ذلك أنجح في المطالب وأسرع إلى إجابة الرب عز شأنه(4). ومن أعظم الأسباب في ذلك التوبة والاستغفار، فإنهما الماحيان للذنب الذي هو السبب الأقوى في ظهور الغلاء والجدب، وقد قال الله عز وجل حكاية عن هود على نبينا وآله وعليه السلام: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (هود: 52). وعن نوح عليه السلام: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارً . (نوح: 12- 10). قال لهم ذلك لما حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة(5).

_ وعن أمير المؤمنين عليه السلام، في بعض خطبه: إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات وإغلاق طريق الخيرات ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر، وقد جعل سبحانه الاستغفار سبباً لدرور الرزق، ورحمة للخلق، فقال: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا...(6).

_ وفي خطبة أخرى له عليه السلام أيضاً: ولو أن أهل المعاصي وكسبة الذنوب إذا هم حذروا زوال نعمة الله وحلول نقمته وتحويل عافيته أيقنوا أن ذلك من الله جل ذكره بما كسبت أيديهم، فأقلعوا وتابوا وفزعوا إلى الله جل ذكره بصدق نياتهم، وإقرارٍ منهم بذنوبهم وإساءتِهم، لَصَفَحَ لهم عن كل ذنب، وإذاً لأقالهم على كل عثرة، ولرد عليهم كل كرامة ونعمة، ثم أعاد لهم من صالح أمرهم وما كان أنعم به عليهم كل ما زال عنهم وفسد عليهم(7).

_ وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: من أعطي أربعاً لم يحرم أربعاً: من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم التوبة، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة، ومن أعطي الصبر لم يحرم الأجر(8). والروايات في هذا المعنى أكثر من أن يحيط بها السبر، فلنكتف بهذا المقدار.


(1) الفقيه الكبير المحقق الشيخ محمد حسن قدس الله تعالى نفسه الزكية، في موسوعته الفقهية الشهيرة: جواهر الكلام، وقد تقدم التعريف به في العدد السابق. وقد جاء كلام الفقيه الشيخ الجواهري هذا، بعد ما تقدم من بيان أن الذنوب سبب في الجدب والغلاء والمجاعة، وأثر الدعاء في رفع ذلك، ومن الواضح أن ما أورده من أدب الدعاء عام يشمل سائر الموارد، كما سنجد ذلك في التعليقات الآتية. وليلاحظ أن جميع الهوامش هي بحسب برنامج المعجم الفقهي، الإصدار الثالث.
(2) وهو صريح القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (الأنعام: 40) ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُون (الأنعام: 41) ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون (الأنعام: 42) ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُون (الأنعام: 43) ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون (الأنعام: 44) ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام: 45).
(3) جاء في شرح أصول الكافي: "من شرائط استجابة الدعاء الصلاح والخوف والرجوع من المخالفة بالتوبة، والاستغفار، والإنابة، وذلك لأن الاستجابة حق لهم على الله، والخوف والصلاح وخلوص العبادة حق لله عليهم، فإذا منعوا حقه تعالى فله أن يمنع حقهم، وذلك عدل وليس بظلم كما تدين تدان ". المازندراني، شرح أصول الكافي 9/ 279.
وحول الآية المباركة:
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (الأنبياء: 90). قال المقدس الأردبيلي: "إنهم كانوا " بمنزلة التعليل لاستجابة دعاء الأنبياء السابقين عليهم السلام، يريد أن الانبياء المتقدمين استحقوا إجابة دعوتهم وقبول دعائهم بمبادرتهم إلى أبواب الخير، ومسارعتهم في تحصيل العبادات كما يفعل الراغبون في الأمور الجادون وقري‏ء "رغباً ورهباً " بالإسكان، وأنهم يدعون الله رغباً راغبين في الدعاء، وراجين للإجابة، وخائفين من الرد وعدم الاجابة وعقاب ربهم، مثل قوله ﴿يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ. فهذه الآية تدل على استحباب كون الداعي مسارعاً في الخيرات، وراغباً وراهباً وخاشعاً ليستجاب دعاؤه، فيمكن أن يقيد به عموم ما يدل على استجابة الدعاء مطلقاً، مثل قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وهذا أحد الأجوبة لما يقال: كثيراً ما ندعو ولا نرى الإجابة فتأمل. زبدة البيان‏ 166 167.
(4) روى الكليني عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: ".. إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطى قتَّر، فلا تمل الدعاء فإنه من الله عزَّ وجلَّ بمكان وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم وإياك ومكاشفة الناس فإنا أهل بيت نصل من قطعنا ونحسن إلى من أساء إلينا ، فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة.."
_ وحول هذا الحديث الشريف، قال في شرح أصول الكافي: "وينبغي أن يعلم أن لإجابة الدعاء شروطاً متكثرة معلومة لمن تصفح الأحاديث والكتب المدونة لبيان فوائد الدعاء وشرائطه والشروط المذكورة في هذا الحديث خمسة: الأول: أن يكون دعاؤه في الرخاء مثل دعائه في الشدة لئلا يقول الملك في حال الشدة إن ذا الصوت لا نعرفه، فينبغي أن لا يمل من الدعاء ولا يتركه في جميع الحالات، الثاني: أن يكون صابراً فيه لو تأخرت الإجابة مُلِحّاً عليه، ولا يقول دعوت مرات فلم يستجب لي فيقطعه، ويستحسر منه، الثالث: أن يكون دعاؤه وطلبه متعلقاً بأمر حلال. الرابع: أن لا يكون الداعي قاطع الرحم ويندرج فيه قاطع حقوق المسلمين. الخامس: أن يجتنب عن مكاشفة الناس ومجادلتهم بما لا يناسبه، وإذا كملت هذه الشرائط وغيرها من الشرائط المعتبرة فيه استجاب الله وقبله البتة، وما لم يقبل من الدعاء فإنما هو لعدم شرط من شرائطه، ثم الاستجابة بأحد أمور أربعة: الأول: إعطاء مطلوبه سريعاً، الثاني: إنجاز مطلوبه وتأخيره زماناً ما حباً لسماع صوته. الثالث: قبول دعائه وجعله كفارة لذنوبه، الرابع: قبوله وجعله ذخيرة له للآخرة. وهذان الأخيران (إنما يكونان) إذا علم الله سبحانه بأن لا مصلحة له في إنجاز مطلوبه في الدنيا، فمن دعا مراراً ولم يصل إلى مطلوبه وترك الدعاء يأسا من قبوله (فـ)كأنه ظن أن استجابة الدعاء وفوائده منحصرة في الأمر الأول، وهذا جهل منه وقنوط من رَوْحِ الله تعالى وتكذيبٌ لوعده. نعوذ بالله من هذه الرذائل النفسانية والخصائل الشيطانية ". شرح أصول الكافي : 10/264/265.
(5) عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن الرضا عليه السلام، قال: قلت له: لأي علة أغرق الله عز وجل الدنيا كلها في زمان نوح عليه السلام، وفيهم الأطفال وفيهم من لا ذنب له؟ فقال عليه السلام: ما كان فيهم الأطفال، لأن الله عز وجل أعقم أصلاب قوم نوح عليه السلام، وأرحام نسائهم أربعين عاماً فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم، وما كان الله ليهلك بعذابه من لا ذنب له، وأما الباقون من قوم نوح عليه السلام فأغرقوا بتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام، وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين، ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده واتاه ". الحر العاملي، الفصول المهمة في أصول الأئمة1 277.
(6) من خطبة له عليه السلام في الاستسقاء، جاء فيها: "ألا وإن الأرض التي تحملكم، والسماء التي تظلكم، مطيعتان لربكم، وما أصبحتا تجودان لكم ببركتهما تَوَجُّعاً لكم، ولا زلفة إليكم، ولا لخير ترجوانه منكم، ولكن أُمرتا بمنافعكم فأطاعتا، وأقيمتا على حدود مصالحكم فقامتا. إن الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر. وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سبباً لدرور الرزق ورحمة الخلق، فقال سبحانه:
﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا. فرحم الله امرءاً استقبل توبته، واستقال خطيئته، وبادر منيته! اللهم إنا خرجنا إليك من تحت الأستار والأكنان، وبَعد عجيج البهائم والولدان، راغبين في رحمتك، وراجين فضل نعمتك. وخائفين من عذابك ونقمتك "، ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة 9 /76.
(7) الكليني، الكافي 8/ ‏257.
(8) الحر العاملي، وسائل الشيعة 7 177(ط: آل البيت)
.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع