قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقر:186).
في لحظات الشدة والبأساء قد تشعر بسُحُبٍ سوداء قاتمة، تُغطّي آفاق حياتك بالمنغّصات، مصحوبة بالتوتر والغضب، ما يؤدّي إلى إحداث ضباب كثيف يحيط بك.
في هذه الحال، تخال نفسك قد وصلت إلى طريق مسدود، فتصاب بالحيرة، فلا تدري ماذا تفعل وما هو المصير الذي ينتظرك. وللوهلة الأولى ترى نفسك عاجزاً، فتفكر في فلان أو فلان لعلّه يأخذ بيدك وينشلك ممّا أنت فيه من كُرُبات، ويعيد إلى قلبك السّكينة والاطمئنان...
* قريب مجيب
ترى أوليس من تفكِّر باللجوء إليه، إنما هو عبد فقير مثلك إلى الله لا يملك من أمره شيئاً وهو ، كما قال المولى عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (فاطر:15).
وسّع من آفاق مداركك، وانظر إلى الله تعالى الذي هو أقرب إليك من حبل الوريد كما قال في كتابه الكريم:
﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (ق:16)، وأصغِ بإمعان إلى ندائه الذي قال لك فيه بلسان مفعم بالرحمة:
﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر:60).
فكل هذا الوجود يحيا في ظلاله الوارفة، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، فلا تتوان عن التوجه إليه بعقلك وقلبك والتضرع بين يديه... فإن أبوابه مفتوحة للداعين، وعطاياه نازلة للسائلين.
واعلم أنه لا ينبغي أن تحصر الارتباط به ومناجاته حين تضيق الدنيا بوجهك، وتغلق جميع الأبواب وتسد كل الدروب أمامك، فيصدق فيك قوله:
﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾ (يونس:12)، بل ادعه في كل الأحوال والظروف والأوقات، في السراء والضراء، أما قال:
﴿ادعوني استجب لكم﴾؟ ومع ذلك، فمن كرم الباري وفضله أن جعل بعض الأوقات والأماكن التي لها خصوصية في استجابة الدعاء بحيث تفتح أبواب السماء، كما يردد، ولا يحجب فيها الدعاء... وفيما يلي أهم تلك الأوقات والأماكن التي ترجى فيها الإجابة:
* أوقات إجابة الدعوات
أ- جوف الليل
فقد جعل الله تعالى النصف الثاني من الليل وقت البركة والرحمة، وميّزه بذلك عن الساعات الأخرى من الليل والنهار، فهو وقت الخلوة وفراغ القلب للعبادة والدعاء. كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "من قام من آخر الليل فذكر الله تناثرت عنه خطاياه، فإن قام من آخر الليل فتطّهر وصلّى ركعتين وحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، إمّا أن يعطيه الذي يسأله بعينه، وإمّا أن يدّخر له ما هو خير له منه"1.
ب- زوال الشمس
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدّم شيئاً فتصدق به، وشمّ شيئاً من طيب، وراح إلى المسجد، ودعا في حاجته بما شاء الله"2.
د- قبل طلوع الشمس وقبل الغروب
كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "...إذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد، ولا يمنعك من شيء تطلبه من ربِّك، ولا تقل: هذا ما لا أُعطاه، وادعُ فإنّ الله يفعل ما يشاء"3.
هـ- بعد الصلوات المكتوبة
كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أدّى لله مكتوبة، فله في أثرها دعوة مستجابة"4.
و- ليلة الجمعة ويومها
كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن يوم الجمعة سيد الأيام، يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، ويرفع فيه الدرجات، ويستجيب فيه الدعوات، ويكشف فيه الكربات، ويقضي فيه الحوائج العظام"5.
ز- ليالي الاحياء
وتتضمن الدّعوات والأوراد الخاصة ليالي مخصوصة للعبادة والدعاء أهمها: ليلة القدر، وليلة الفطر، وليلة الأضحى، وليلة النصف من شعبان وأول ليلة من رجب، كما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "كان علي عليه السلام يقول: يعجبني أن يفرّغ الرجل نفسه في السنة أربع ليالٍ... "6 وعدّ الليالي المتقدمة.
ومن الليالي التي تُؤمَّل فيها الاجابة ليلة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويومه، وليلة مبعثه الشريف ويومه، وليلة عرفة ويومها وليلة عيد الغدير ويومه، وليلة النصف من رجب.
ح- مواقيت أخرى
وهناك مواقيت ذكر أنها تفتح فيها أبواب السماء، وتهبط فيها الرحمة، ولا يحجب فيها الدعاء،
كما روي عن الإمام أمير المؤمين عليه السلام أنّه قال: "اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين للشهادة، وعند دعوة المظلوم، فإنّها ليس لها حجاب دون العرش"7.
* بقاع لا يرد فيها الدعاء
وكذلك فإنّ لله تعالى بقاعاً أحبّ أن يُعبد فيها وندب إلى أداء الأعمال الصالحة فيها، ومن هنا اكتسبت أهميةً وفضلاً على سواها، ومن ذلك الفضل استجابة الدعاء في أروقتها، ومن هذه الأماكن:
أ- مكة المكرمة
وهي البقعة التي اختارها الله تعالى من بين بقاع الأرض لتكون محلاً لبيته الحرام، ومكاناً لعبادته ونيل رحمته، وفيها الكعبة المكرمة قبلة المسلمين وملجأ الهاربين، فيها يأمن الخائف، وفيها تنزل الرحمة، وعندها يستجاب الدعاء.
وترجى إجابة الدعاء في عدة مواضع خلال مناسك الحج، منها: عند الميزاب، وعند المقام، وعند الحجر الأسود، وبين المقام والباب، وعند بئر زمزم، وعلى الصّفا والمروة، وعند الجمرات الثلاث، وفي المزدلفة، وفي عرفة، وعند المشعر الحرام...
ب- المساجد
المساجد عموماً بيوت الله في الأرض، فمن أتاها عارفاً بحقها، فإنَّ الله تعالى أكرم من أن يخيّب زائره وقاصده، كما قال الإمام الصادق عليه السلام: "عليكم بإتيان المساجد، فإنّها بيوت الله في الأرض... فأكثروا فيها الصلاة والدعاء"8.
وأشرف المساجد مسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة الذي لا يضاهيه بالفضل والكرامة إلاّ المسجد الحرام.
ومن المساجد التي ترجى فيها إجابة الدعاء، مسجد الكوفة الكبير، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: "ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلاّ أجابه الله، وفرّج عنه كُربته"9.
ومنها مسجد السهلة بالكوفة، وممّا ورد في فضل التعبّد فيه والدعاء ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من مكروب يأتي مسجد السهلة فيصلّي فيه ركعتين بين العشاءين ويدعو الله تعالى إلاّ فرّج الله كربه"10.
ج- مشاهد الأئمة عليهم السلام
وهي موزّعة بين بقيع المدينة المنورة ونجف العراق وكربلاء وسامراء والكاظمية ومشهد الإمام الرضا عليه السلام في طوس، ولقد ندب الأئمة من عترة المصطفى عليهم السلام إلى زيارتها والصلاة فيها قربة إلى الله وأكّدوا على استجابة الدعاء فيها.
فما أعظم رحمة الله. وهل يصحّ أن نلجأ إلى سواه؟ أم ينبغي أن نردد دائماً: "إلهي وربي من لي غيرك أسأله كشف ضري والنظر في أمري"11.
1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج7، ص77،طبعة آل البيت.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 477.
3- وسائل الشيعة، م.س، ج7، ص 34.
4- م.ن، ج 6، ص 431.
5- الكافي، م.س، ج3، ص 414.
6- وسائل الشيعة، م.س، ج8، ص110.
7- م.ن، ج7، ص 65.
8- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج80، ص 384.
9- كامل الزيارات، جعفر بن محمد بن قولويه، ص81.
10- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج6، ص 38.
11- إقبال الأعمال، ابن طاووس، من دعاء كميل، ص333.