مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: أيُّ دور للشعب في الدولة الإسلامية؟

موسى حسين صفوان‏

 


تماماً كما هو حال المواسم المناخية، تهب على منطقتنا مواسم ثقافية تستهلك مساحات واسعة من نتاجات المفكرين والمثقفين في بلداننا الإسلامية، وهي بطبيعة الحال مواسم محكومة بتوازنات القوى، ومؤشرات الصراع السياسي، مما يفقدها الكثير من عناصر الاستقلالية، ويحصر عناصر اهتمامها في موضوعات ومناهج أقل ما يقال فيها أنها غير قادرة على التجرد وبالتالي عاجزة عن الإبداع... والموسم الثقافي اليوم، هو موسم الديمقراطية والليبرالية، وما يلحق بهما من مفردات تنتمي إلى الحضارة الغربية، منذ تولي الأخيرة زعامة العالم على أثر انهيار المشروع السياسي للشيوعية، وبالتالي، تنحي الثقافة الديالكتيكية لمصلحة ثقافة العولمة. ففي مطلع الثمانينات وقبيل انهيار الاتحاد السوفييتي كانت الحركة الثقافية اليسارية تحاول جاهدة إعادة انتاج نفسها في منطقتنا.

بعد الإخفاقات المتلاحقة التي أصابتها، خاصة في العالم العربي، حيث فشلت في الحفاظ على المنطلقات النظرية للأحزاب القومية التي طعّمت مبادئها بالثقافة الاشتراكية مما أدى إلى نشوء خلل في موازين القوى وهذا بطبيعة الحال يكفي سبباً لإصابة المشروع الثقافي الثوري بالتصدع لمصلحة المشاريع الثقافية الأخرى وعلى رأسها المشروع الليبرالي الغربي الذي بدأ يتسلل ومنذ ذلك الحين بأساليب مختلفة... في تلك المرحلة، كانت الأجواء السياسية المحيطة تشكل تمهيداً لبروز حركة ثقافية تراثية ناهضة تولى ريادتها السيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان اللَّه عليه، حيث أرسى من خلال كتابيه "فلسفتنا" و"اقتصادنا" الركائز الأولى للمشروع السياسي الإسلامي، مما دفع بأشرعة الثقافة الإسلامية المعاصرة إلى حلبة الصراع الفكري، فبرز للمرة الأولى في العصر الحديث مشروع ثقافي إسلامي قائم على منطلقات نظرية راسخة قادرة على مواجهة الأعاصير الثقافية التي ما برحت تهب من هنا وهناك...

ولم يكن فكر الشهيد الصدر وحيداً في تلك المرحلة، فقد شهدت الساحة الإسلامية تململاً يمكننا اعتباره إنذاراً مبكراً بصحوة إسلامية تطرح الإسلام مشروعاً حضارياً ثالثاً، يقف في المنطقة الوسطى بين المشروع الغربي والمشروع الشرقي دون أن يشاركهما في منطلقاتهما المادية البحتة... بيد أن ذلك المشروع لم يستطع من ناحية تجاوز المستوى النظري من خلال الدراسات التي كانت تطرح هنا وهناك دون أن تكون لها فرصة التطبيق على أرض الواقع، ومن ناحية أخرى لم يتجاوز حدود العالم الإسلامي إلا قليلاً، نظراً لهيمنة القوى الأخرى على الحكومات وبالتالي على التيارات الفكرية ووسائل الإعلام والعديد من المؤسسات الثقافية والمناهج التربوية... في تلك الأثناء كانت الثورة الإسلامية في إيران بعيدةً عن الأضواء، في ظل انشغال العالم الإسلامي بصخب القضية الفلسطينية من جهة، وفي ظل الحصار الإعلامي الذي كان شاه إيران وما يرتبط به من دوائر استكبارية يفرضه على تلك الثورة... إلا أن ذلك الحصار بدل أن يضر بالثورة الإسلامية كان عامل قوة لها... حيث أنها فجأة، وفي غفلة من قوى الاستكبار العالمي التي أدهشها الحدث استطاعت وفي ظل قيادة الإمام الخميني قدس سره التاريخية؛ أن تقدم للعالم نموذجاً راقياً، حضارياً، للحكم، ينطلق ثقافياً، وسياسياً واقتصادياً؛ نظرياً وعملياً، من صميم المخزون الفكري الإسلامي!!! ربع قرن مضى على هذه الثورة التي ما برحت فتية، والتي تميزت ولا تزال بالحضور الجماهيري في الشارع كأعظم ظاهرة جماهيرية عقائدية ثورية شهدها العالم طوال القرن الماضي. ربع قرن مضى، وهذه الثورة تثبت يوماً بعد يوم قدرتها على ترسيخ مفاهيم الإسلام من خلال المؤسسات التي تكتسب شرعيتها من الشرع الإسلامي المتمثل بالدستور والمحفوظ بنظام ولاية الفقيه العادل من ناحية، ويعضد ذلك السلطة الشعبية من خلال الانتخابات التي شكلت منذ انطلاقة الثورة الدعامة الأساسية للحكم من ناحية أخرى.

من هنا يبدأ الحديث عن الحكم في الإسلام... هل هو ثيوقراطي؟ أو أتوقراطي؟ وهل أن السلطة للشعب؟ أو هي للَّه؟ وبالتالي للحاكم الذي هو ظل اللَّه على الأرض؟ وهل أن الإسلام يقيم وزناً لرأي الشعب؟ أو أن الحكم فيه حكم ديكتاتوري؟ وهل يقبل الإسلام بمبدأ التعددية وبالتالي يقبل الآخر؟ أم أنه يمارس سلطة الحزب الواحد، وبالتالي يعمل على إلغاء الآخر؟ والغريب أن أكثر الذين يتناولون الحديث حول الإسلام في هذا المجال يفتقرون إلى الثقافة الإسلامية مما يجعل الرؤية عندهم قاصرة وغير ناضجة بما يكفي. ولا يتسع المجال في هذا المقال لبسط الحديث حول دور الشعب في الحكم الإسلامي، غير أنني سأكتفي هنا بإيراد بعض النصوص الشريفة، وذكر بعض الوقائع التاريخية للتدليل على اهتمام الإسلام سواء من خلال معطياته الفكرية أو ممارساته التطبيقية بدور الشعب في الحكم، وسواء كان مسلماً أو غير مسلم. فمن النصوص الشريفة قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ (الشورى: 38) وقوله تعالى: ﴿... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر (آل عمران: 159). وقد ورد في الكتاب الكريم العديد من الآيات الموجهة إلى الناس، والتي تحثهم على الإيمان، وتخاطب عقولهم، وتقدم لهم البراهين إلى المئات من الأحاديث التي تبين العديد من مفاهيم الشورى واحترام الآخر وقبوله، ونشر السماحة والرفق واللين، فقد بُعث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هادياً قبل أن يكون حاكماً...

أما في السيرة العملية للرسول صلى الله عليه وآله وللخلفاء من بعده، فيكفي أن نذكر موضوع البيعة التي تكررت مرّة بعد مرّة في حياة الرسول صلى الله عليه وآله رغم أنه يحكم بحكم اللَّه، وذلك حتى يكتسب حكمه احترام رأي الشعب. وهذا معنى قوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ...(الأنعام: 57) وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة: 44) وما شابهها من آيات وأيدها من نصوص وروايات شريفة فإنها تعبر عن المشروع الإلهي الذي يريده للناس ويدعوهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة دون إكراه، إذ شكلت سلطة اللَّه سبحانه وتعالى الهدف السامي للحكم الإسلامي الذي كان يشكل النموذج الأعلى الذي تسعى إليه الأمّة الإسلامية. وإذا كانت الرؤية لدى الإسلاميين في هذا الخصوص مفتقرة للوضوح، بحيث كانت تطرح نماذج للحكم الإسلامي ولا تزال، لا تبتعد كثيراً عن مفهوم الدولة الثيوقراطية أو الأتوقراطية أو الدكتاتورية، فإن رؤية الإمام الخميني قدس سره كانت مشرقة كالشمس في وضح النهار بشكل يبعث على الدهشة... ففي الوقت الذي لم تكن تشكل فيه ضرورة في ظل وجود العديد من النماذج التي تعتمد نظام الحزب الواحد، فضلاً عن الديكتاتوريات التي كانت منتشرة في شتى أصقاع الأرض... فقد قدّم الإمام الخميني قدس سره نموذجاً رائعاً لحكم الشعب تجاوز كل ادعاءات الغرب للديمقراطية والتعددية والليبرالية...

وإذا كان من العسير استعراض أوجه المشروع الإسلامي كافة للإمام الخميني، وإبراز دور الشعب فيه، فإننا نكتفي بذكر بعض الفقرات من كلمات ومواقف الإمام قدس سره نموذجاً لمشروع الحكومة الإسلامية المعاصرة التي قدمها للعالم في أواخر القرن العشرين. يروي الشهيد الشيخ محمد منتظري، أنه عندما سأل الإمام عن الجهة التي ينبغي أن تتولى مسؤولية حفظ الثورة إذا حالفها الانتصار، قال رضوان اللَّه عليه: "لا ينبغي أن نقع في الأخطاء السابقة مرّة أخرى، بل يجب إيداع ثورة الشعب أمانة عند الشعب نفسه ولكن مع الأخذ بنظر الاعتبار إيجاد تنظيمات منسجمة...". ويروي آية اللَّه صانعي أن الإمام قدس سره كان يقول: "شيئان لم يعرفهما أعداؤنا، أولهما الإسلام والثاني شعبنا".
"
ويروي المهندس السيد مير حسين الموسوي قول الإمام: "إن الذي سيبقى، ويكون نصيبه الفلاح والتقدم في مستقبل هذه الثورة هو الذي سيبقى مع الشعب ومع التيار الجماهيري وإذا اعتزلتم فسيكون مصيركم الفناء حتماً، كونوا مع الناس، وواكبوا تحركهم واتبعوا مسارهم". لقد كان مؤمناً بشعبه فقد كان دائماً يقول: "اعلموا أن شعبنا أفضل شعب" وكان يقول: "الشعب يريد دولة الإسلام". إلى غيرها من العبارات. وعند انتصار الثورة لم يفرض رأيه على الشعب، فكان اختيار النظام الإسلامي من خلال استفتاء عام، وكانت بعد ذلك جميع مؤسسات الجمهورية الإسلامية الدستورية من خلال الانتخابات الشعبية. فإذا كان العالم اليوم بأذنه الغربية يأبى أن يفهم إلا من خلال المصطلحات الغربية، وإذا كان المثقفون العرب والإسلاميون يستحسنون إطلاق شعار (الديمقراطية الإسلامية) بعد أن سبقهم منذ عقود مثقفو الموسم الماضي بإطلاق شعار: (الاشتراكية الإسلامية)؛ فمما لا شك فيه أن (الديمقراطية الإسلامية) تختلف كثيراً من حيث الشكل والمضمون عن سائر الديمقراطيات، وتتقدم عليها في تجاوز الكثير من عيوبها التي ما فتئت تعجز عن إصلاحها وسوف تستمر في عجزها ما لم تتعرف إلى عناصر الثقافة الإسلامية ومباني الحكومة الإسلامية التي أسَّسها الإمام الخميني قدس سره والتي يحاول البعض أن يطلق عليها اسم (الديمقراطية الإسلامية).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع