الشيخ محمد خاتون
قصيدة اللطم تختلف عن غيرها من صنوف الشعر لأنها اقترنت بسيد الشهداء فكان المحور العام فيها هو إظهار الولاء مع ما يعنيه ذلك من المكانة والموقعية لأهل البيت عليهم السلام أو إظهار الجريمة التي اقترفت من قبل أعداء اللَّه. ولئن كان الوصف في القصيدة العربية لمجرد الوصف مع التفنّن في إيصال الصور الوصفية... إلا أن الوصف في قصيدة اللطم له هدف...
فالوصف الايجابي لأهل الحق... هدفه إظهار الولاء والدعوة إليه كما أن الوصف السلبي لأهل الباطل هدفه إظهار العداء والدعوة إليه. كذلك ولئن اختلفت قصائد اللطم بين بلد وبلد بحسب اختلاف بعض المرتكزات الثقافية أو بعض التقاليد والأعراف الاجتماعية أو بعض الظروف السياسية فإن هناك مجموعة من النقاط المشتركة ينبغي أن تكون حاكمة في قصيدة اللطم بشكل عام. ولا بد من القول أن قصيدة اللطم في مختلف المجتمعات الشيعية تأخذ عمقها العقائدي أكثر كلما كانت دائرة المجتمع متوحّدة في قيمها الثقافية وذلك نظراً إلى أن الخصوصيات التفصيلية تؤخذ بعين الاعتبار عند نظم القصيدة وإلقائها والتفاعل معها بخلاف ما لو كانت الدائرة متعددة المشارب والمذاهب فإن الخصوصيات تترك في كثير من الأحيان نظراً لحساسية الوضع... وبغض النظر عن صوابية هذا أو عدمها فإنه واقع لا مفر منه. وإذا كان هناك مجموعة من القيم الثقافية واضحة فيها كما هو الحال في الولاء والحب... إلا أن تعميق هذه القيم لا بد أن يؤخد بعين الاعتبار أكثر فأكثر كلما أصبحت المثل العليا المدعاة من قبل أصحاب الأفكار الأخرى متداولة أكثر ولا سيما مع تنوع وسائل الاعلام التي تجعل هذا الأمر سهل التداول وعلى هذا فإننا ننظر إلى مجموعة من القيم والأفكار التي لا بد من تركيزها في قصائدنا من أجل الوصول إلى الهدف.
1- القيمة العقائدية: إظهار مكانة أهل البيت عليهم السلام على مستوى البنية الإسلامية ولا سيما فيما يخص الجانب العقائدي مع التأكيد على تضمين القصيدة ما يشير إلى آية قرآنية أو حديث شريف لتكون ضمن منظومة عقائدية متناسقة، وذلك لأن التفاعل الذي يصل إلى مراحل متقدمة أثناء إلقاء القصيدة يجب استثماره على أقوى المستويات ولا يجوز بحال الفصل بين الرمز وبين أصل القضية.
2- قيمة المودة: وهي إظهار مودة أهل البيت عليهم السلام على النحو السابق في النقطة الأولى وبنفس الشروط السابقة أيضاً، وذلك لأن اللطم هو عبارة عن ردّة فعل طبيعية من الحبيب باتجاه المحبوب... لإيصال المرحلة التفاعلية إلى حالة عشق بكل معنى الكلمة.
3- قيمة النموذج السلوكي: وهي إظهار أهل البيت عليهم السلام نماذج على المستوى السلوكي ليكون ذلك منسجماً مع ثقافتنا العامة التي تُعطى عنهم عليهم السلام كمثال على ذلك (صدقة السر، الصدقة من وراء الباب، الحنان والعطف، العفو عند المقدرة...) وذلك لتحويل المعركة أولاً وآخراً لتكون معركة ضد الشيطان والأهواء وتعبيراً عن الإخلاص الكامل للَّه تعالى.
4- قيمة وحدة حقيقة الصراع: وهي إظهار وحدانية القضية على أنها صراع بين الحق والباطل لا يختلف في جوهره وإنما يختلف الأشخاص مع اختلاف الزمان والمكان وأن الحسين عليه السلام قد استشهد من أجل قضية الإسلام العادل الذي نحن بحاجة إليه في الدنيا والآخرة وأن الأمة تبقى في تردٍّ مستمر إن هي بقيت من دون شهادة... ولا بد من التركيز على الترابط بين القضية والشهادة... فلا قضية من دون شهادة ولا شهادة من دون قضية.
5- قيمة التضحية في الظروف الصعبة: وهي إظهار كربلاء وعاشوراء الحسين عليه السلام على أساس أن القضية التي يراد تغييرها في عالمنا على المستوى السياسي والاجتماعي لا بد من التضحية في سبيلها وهنا تبدو كربلاء بأبطالها ومجاهديها هي النموذج لأصعب ظروف يمكن أن تحدث فيها عملية التغيير لننطلق منها إلى التغيير في واقعنا المُعاش.
6- قيمة الشهادة: وهي إبراز الشهادة على أساس أنها نقطة التحول في الأمة... فالأمة التي تقدم الشهداء تستطيع أن تصنع قرارها.
7- قيمة المجتمع الديني وأثره: وهي إبراز العلاقة بين نظافة المجتمع على المستوى الديني وبين سلوك المجاهدين ضد العدو وانعكاس الأمر... فكلما كان هناك جهاد كان هناك بالمقابل استقامة من قبل الأمة. وفي المقابل إبراز العلاقة بين المجتمع الموبوء على المستوى السياسي والاجتماعي وبين حالة الخذلان على المستوى الجهادي وانعكاس الأمر أيضاً فكلما ضعفَ أصحاب القضية على المستوى الجهادي... كان هناك انحراف على المستوى الاجتماعي والسياسي.
8- قيمة المرأة المجاهدة: وهي إظهار دور المرأة في المجتمع من خلال التركيز على دور النسوة اللواتي كان لهن دور ريادي في كربلاء. ولا يقتصر الأمر على السيدة زينب عليها السلام. نعم هي قمة العطاء... ولكن وجود النساء الأخريات يجب إظهاره وإبرازه فإن نفس التواجد في المعركة أمر مطلوب بحد ذاته... مع تخليد بعض الأسماء.
9- قيمة إعداد الناشئة: وهي تحميل الأطفال مسؤولية التهيئة والاستعداد للمستقبل وذلك من خلال تثبيت بعض الشواهد على هذا من تاريخ كربلاء وليس الأمر متعلقاً بالقاسم بن الحسن عليه السلام فإن نفس وجود الأطفال في هذه المعركة أيضاً هو أمر مطلوب بحد ذاته.
10- قيمة إحياء شعيرة الشهادة وهي إعطاء الشهادة ما تستحقه على المستوى الأدبي ليصل مفهوم الشهادة إلى معناه الحقيقي وهو خروج الإنسان من عالم الفناء إلى عالم البقاء.
11- قيمة كربلاء كقدوة للثورات: وهي تثمين انتصار الثورة الإسلامية على أساس أنه ثمرة من كربلاء، وذكر الإمام الخميني قدس سره على أنه حامل لدعوات الأنبياء عليهم السلام. وتثمين انتصار المقاومة في لبنان وجهادها على أساس أنه ثمرة من كربلاء الثورة الإسلامية.
12- القيمة الإنسانية: من خلال إبراز الجانب الإنساني في كربلاء وفي حركتنا الجهادية.