الشيخ علي سليم
اللطمية: هي شعيرة عظيمة من جملة الشعائر الحسينية المعظمة تمثل طريقة مؤثرة من طرق إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ومراسم عاشوراء لدى كل الموالين لآل محمد صلى الله عليه وآله على اختلاف ألوانهم وألسنتهم يعبرون من خلالها عن حزنهم وتألمهم لمصائب العترة الطاهرة لا سيما سيد الشهداء أبي عبد اللَّه الحسين عليه السلام. فما هو النّدب واللطم وما هي الأدلة على مشروعيتهما وأقوال العلماء فيهما:
أ - معنى الندب واللطم:
ربما يتبادر إلى أذهاننا أن الندب واللطم لفظان لمعنى واحد كما هو الشائع حالياً، لكننا لو رجعنا إلى معاجم اللغة ودققنا لوجدنا أن معنى الندب مختلف عن معنى اللطم في أصل اللغة. فالندب هو أن تدعو النادبة الميت بحسن الثناء في قولها وا فلاناه وا هناه واسم ذلك الفعل النُّدبة وهو من أبواب النحو كل شيء في ندائه وا فهو من باب النُّدبة. وندب الميت أي بكى عليه وعدد محاسنه(1). أما اللطم فهو ضربك الخد وصفحة الجسم ببسط اليد أو الضرب على الوجه بباطن الراحة(2). فالندب فعل اللسان والحنجرة بالصوت واللطم فعل اليد بالضرب ولكنهما يجتمعان في المجالس والمواكب الحسينية فيقوم النادب الرادود بالندب ويشاركه الحاضرون به في اللازمة وهم يلطمون صدورهم ورؤوسهم.
ب - مشروعية الندب واللطم:
أما من الناحية الشرعية فكل من الندب واللطم جائز عند مشهور فقهائنا أعلا اللَّه مقامهم، وقد أقرهما الإمام الرضا عليه السلام لورودهما في قصيدة دعبل الخزاعي التائية المشهورة حيث قال:
وقد مات عطشاناً بشط فرات |
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً |
وأجريت دمع العين في الوجنات |
إذاً للطمت الخد فاطم عنده |
نجوم سماوات بأرض فلاة(3) |
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي |
فقد نسب دعبل اللطم إلى الصديقة الزهراء عليها السلام ودعاها إلى الندب على ولدها الحسين عليه السلام لو كانت حاضرة في كربلاء، فأقره الإمام الرضا عليه السلام على ذلك ولم يستنكره منه بل أثنى عليه وكافأه بأن أهداه عباءته كما يروى وقال له عند ذكره لخروج الإمام المهدي عجل الله فرجه في آخر قصيدته: "يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين(4) ولا تزال هذه السيرة على إقامة مجالس البكاء والندب واللطم على الحسين عليه السلام والتي أقرها أئمتنا عليهم السلام قائمة إلى يومنا هذا.
ج - أدلة جواز الندب:
إضافة إلى جريان سيرة المتشرعة استدل فقهاؤنا بجملة من الأخبار أهمها:
1 - ندب سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام على أبيها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كما ورد في السيرة النبوية: لما دفن صلى الله عليه وآله قالت فاطمة عليه السلام: أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله التراب، وأخذت من تراب القبر الشريف ووضعته على عينيها وأنشأت تقول:
أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا |
ماذا على من شمّ تربة أحمد |
صُبَّت على الأيّام عدن لياليا(5) |
صُبَّت عليّ مصائب لو أنّها |
2 - وقوع الندب على الحسين عليه السلام في كربلاء من قبل النساء: ورد في مقتل الخوارزمي:
فلما نظرت أخوات الحسين عليه السلام وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد رفعن أصواتهن بالصراخ والعويل ووضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت: وا محمداه وا جداه وا نبياه وا أبا القاسماه وا علياه وا جعفراه وا حمزتاه وا حسناه هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والرداء...(6).
د - أدلة جواز اللطم:
يعتبر اللطم في المصاب من أفراد ومصاديق الجزع وهو: "نقيض الصبر"(7) أو "إظهار الحزن والكدر"(8) وقد ورد ذكر اللطم باعتباره من أشد الجزع في خبر جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قلت له ما الجزع؟
قال: أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي... (الخبر)(9). وقد حكم فقهاؤنا بكراهة الجزع إلا في مصيبة الإمام الحسين عليه السلام لأدلة عديدة منها:
1 - خبر علي بن حمزة عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام، قال: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليه السلام فإنه فيه مأجور(10) وهذا الخبر لا يدل على جواز البكاء والجزع واللطم وهو من أشده فحسب بل يدل على استحبابه أيضاً واستيجابه الأجر والثواب إن كان على الحسين بن علي عليه السلام.
2 - وقوع اللّطم من عيال الحسين عليه السلام نسائه وأخواته وبناته بحضور الإمام زين العابدين عليه السلام وإقراره لهن على ذلك. كما ذكر الخوارزمي في مقتله: ثم أذّن عمر بن سعد بالناس في الرحيل إلى الكوفة وحمل بنات الحسين عليه السلام وأخواته وعلي بن الحسين عليه السلام وذراريهم فلما مرّوا بجثة الحسين عليه السلام وجثة أصحابه صاحت النساء ولطمن وجوههن...(11).
هـ - رأي الإمام الخميني قدس سره والقائد الخامنئي دام ظله:
1 - من أقوال الإمام قدس سره:
هذا البكاء هو الذي حافظ على المذهب حتى وصل إلينا ومسيرات اللطم هذه هي التي أحيتنا وتقدمت بهذه الثورة.
2 - من أقوال القائد دام ظله:
مجالس العزاء التقليدية هذه تقرب الناس من الدين وهذا ما أوصى به الإمام الراحل قدس سره. إن الجلوس في المجالس والاستماع إلى العزاء والبكاء واللطم على الرؤوس والصدور والخروج في مواكب العزاء كل ذلك يثير عواطف الناس تجاه أهل بيت النبوة عليهم السلام وهذا أمر عظيم(12).
و - روحية الندب واللطم:
ورد في جواب العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء على سؤال يتعلق بجواز واستحباب اللطم قوله: ... إن من قطعيات المذهب الإمامي، ومن مسلمات هذه الفرقة الحقة الإثني عشرية أن فاجعة الطف والواقعة الحسينية الكبرى واقعة عظيمة ونهضة دينية عجيبة، والحسين عليه السلام رحمة اللَّه الواسعة وباب نجاة الأمة ووسيلة الوسائل والشفيع الذي لا يردّ وباب الرحمة الذي لا يسدّ. إن حق الأمر وحقيقة هذه المسألة إنما عند اللَّه جل وعلا، ولكن هذه الأعمال والأفعال إن صدرت من المكلف بطريق العشق الحسيني والمحبة والوله لأبي عبد اللَّه على نحو الحقيقة والطريقة المستقيمة، وانبعثت من احتراق الفؤاد واشتعال نيران الأحزان في الأكباد بمصاب هذا المظلوم ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله المصاب بتلك الرزية، بحيث تكون خالية ومبرأة من جميع الشوائب والتظاهرات والأغراض النفسية، فلا يبعد أن يكون جائزاً، بل يكون حينئذٍ من القربات وأجلّ العبادات(13).
(1) لسان العرب ج1 ص754.
(2) لسان العرب ج12 ص542.
(3) مقتل الخوارزمي ج2 ص130 131.
(4) مقتل الحسين عليه السلام (للسيد محمد تقي آل بحر العلوم) ص68.
(5) السيرة النبوية لدحلان ج3 ص364 365 (بهامش السيرة الحلبية).
(6) مقتل الخوارزمي ج2 ص37.
(7) لسان اللسان ج1 ص184.
(8) منجد اللغة ص89.
(9) الكافي ج3 ص222.
(10) كامل الزيارات ص201 ج2 باب 32.
(11) مقتل الخوارزمي ج2 ص39.
(12) روح عاشوراء ص59 60.
(13) الفردوس الأعلى ص20.