من وصايا الفقيه الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سره(*)
الشيخ حسين كوراني
* ذكر اللَّه تعالى
وفيه مقامات:
الأول: في أن ذكره تبارك وتعالى من أعظم الطاعات، وشهد بذلك الكتاب في كثير من الآيات، والأخبار المتواترات، والسير القاطعات من أيام أبينا آدم إلى هذه الأوقات، وهو معدودٌ من أعظم القربات، والعقل به شاهد، مستغنٍ عن أن يكون له من النقل معاضد، ولا يُقتصر منه على الذكر الخفي، وإن كان رجحانه غير خفي، فإن الإعلان باللسان، أبلغ في اظهار العبودية مما لم يطلع عليه إنسان، ولكلٍّ منهما جهة رجحان، وبهما معاً(1) جرت سيرة الأنبياء والخلفاء والعلماء والصلحاء كما لا يخفى على غبي، فضلاً عن ذكي.
الثاني: في أن ذكره راجح على كل حال فقد قال تعالى لموسى عليه السلام: "أنا جليس من ذكرني"(2).وقال تعالى في جواب موسى عليه السلام حيث قال(3) تأتي عليَّ مجالس أُعِزُّكَ وأُجِلُّكَ أن أذكرك فيها: إن ذكري حسن على كل حال(4). وقال تعالى له: ولا تدع ذكري على كل حال، فإن ترك ذكري يقسي القلوب(5).
الثالث: في أنه ينبغي ذكره تعالى في كل مجلس، فعن النبي صلى الله عليه وآله: ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجار، فيقومون على غير ذكر اللَّه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة(6). وفي غيره إضافة ذكر النبي وآله صلوات اللَّه عليه وعليهم إلى ذكره(7).
الرابع: يستحب كثرة الذكر، ليحبه اللَّه تعالى، ويكتب له براءة من النار، وبراءة من النفاق(8)، وليذكره اللَّه(9). وقال تعالى لموسى: اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم، وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم(10).
الخامس: الذكر في الخلوات، فقد قال تعالى لعيسى عليه السلام: ألِن لي قلبك، واذكرني في الخلوات(11).
السادس: يستحب الذكر في ملأ الناس فقد قال تعالى لعيسى عليه السلام: اذكرني في ملأ، أذكرك في ملأ خير من ملئك(12) وفي البيت لتكثر بركته وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين(13).
السابع: يستحب ذكر اللَّه تعالى في كل واد ليملأ للذاكر حسنات(14).
الثامن: يستحب لدفع الوسوسة(15).
التاسع: يستحب الذكر في الغافلين لأن الذاكر في الغافلين كالمقاتل عن الفارِّين(16).
العاشر: استحباب الذكر في النفس ورجحانه على العلانية من بعض الوجوه(17).
الحادي عشر: يستحب ذكر اللَّه تعالى في السوق ليكتب له ألف حسنة ويغفر له يوم القيامة مغفرة لا تخطر على بال بشر(18).
الثاني عشر: إن للذكر فضيلة خصوصية اللفظ، ومحلها اللفظ العربي، وتختلف مراتب فضيلته باختلاف فصاحته، وبلاغته، وفضيلة المعنى، ويحصل أجرها بذكر أسمائه تعالى بالفارسية، والرومية، والعربية، وقد يقال بتفاوت الأجر بتفاوتها، وتقديم بعضها على بعض على نحو ما سبق في ترجمة القراءة(19).
ولكلّ من الأذكار الخاصة ثواب خاص، وأنحاؤها كثيرة منها:
1- التحميد ثلاثمائة وستين مرة على عدد عروق البدن بقول: ألحمد للَّه رب العالمين كثيراً، كما هو أهله. لأن عروق البدن مائة وثمانون متحركة ومائة وثمانون ساكنة(20).
2- ومنها: التحميد أربع مرات في كل صباح ليؤدي شكر يومه، وفي كل مساء ليؤدي شكر ليلته(21).
3- ومنها: قول الحمد للَّه كما هو أهله فإنه يشغل كُتَّاب السماء(22).
4- ومنها: التحميد عند النظر إلى المرآة، قال النبي صلى الله عليه وآله: "إن اللَّه عزَّ وجلَّ أوجب الجنة لشاب كان يكثر النظر في المرآة فيكثر حمد اللَّه"(23).
5- ومنها: التحميد عند تكاثر النعم(24).
6- ومنها: كثرة الاستغفار لأنه خير الدعاء(25)، وإذا أكثر منها رفعت صحيفته تتلألأ(26). وعنهم عليهم السلام: "استغفر ربك في آخر الليل مائة مرة فإن نسيت فاقض بالنهار"(27).
7- ومنها: الاستغفار خمساً وعشرين مرة في كل مجلس، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وآله(28).
8 - ومنها: استغفار سبعين مرة في كل يوم وإن لم يكن عليه ذنب، ويتوب في ليلته سبعين مرة كما كان يفعل النبي (ص)(29).
9- ومنها: الاستغفار والتهليل لقول النبي صلى الله عليه وآله: هما خير العبادة(30).
10- ومنها: الاستغفار بالأسحار فإن اللَّه يدفع العذاب بذلك(31).
11- ومنها: الاستغفار للوالدين الكافرين إذا فارقهما ولم يعلم أنهما أسلما أو لا(32).
12- ومنها: التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل مائة مرة كل يوم لأن الأول أفضل من عتق مائة رقبة، والثاني أفضل من سياق مائة بدنة، والثالث أفضل من حملان مائة فرس في سبيل اللَّه بسرجها ولجمها وركبها، والرابع يكون عامله أفضل الناس عملاً ذلك اليوم إلا من زاد(33).
يتبع
(*) هو الفقيه الجليل الشيخ جعفر النجفي الذي اشتهر باسم كتابه الفقهي النوعي "كشف الغطاء" فعرف بـ"كاشف الغطاء"، وإليه ترجع الأسرة العلمية الكريمة "آل كاشف الغطاء". قال فيه السيد حسن الصدر: "شيخ الطائفة الشيخ جعفر بن خضر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1228" تكملة أمل الآمل 244، وكلما ذكره السيد الصدر وصفه بذلك. وجاء في طرائف المقال للبروجرد 60 - 1 في وصفه: الشيخ جعفر النجفي، هو العماد المعروف في جميع الأمصار، والفقيه المؤسس لمباني الفقه وأصله، كاشف الغطاء عن المكنونات، وحلال العقد عن المعضلات". وكان رحمه اللَّه من أبرز تلامذة المقدس السيد بحر العلوم رضوان اللَّه تعالى عليهما. والنص الوارد أعلاه من كتاب "كشف الغطاء" ج304 2 "كتاب الذكر". وليلاحظ أن جميع المصادر المذكورة في تخريج النصوص، هي وفق نسخة برنامج المعجم الفقهي، الإصدار الثالث.
(1) أي بالذكر الخفي والمعلن.
(2) الكليني، الكافي 2496، والشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه 29-1.
(3) أي موسى عليه السلام.
(4) الكليني، الكافي 497 2 عن الإمام الباقر عليه السلام.
(5) المصدر، والرواية بتمامها: عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: أوحى اللَّه عزَّ وجلَّ إلى موسى عليه السلام يا موسى لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب.
(6) الكليني، الكافي 496 2 والحر العاملي، وسائل الشيعة 152- 7 (ط: آل البيت).
(7) أي وفر غير هذا الحديث إضافة ذكر النبي وآله صلى اللَّه عليه وعليهم، إلى ذكر اللَّه تعالى، وهو رحمه اللَّه يشير إلى مثل ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام: ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا اللَّه عزَّ وجلَّ، ولم يذكرونا، إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة. ثم قال (ع): قال أبو جعفر: إن ذكرنا من ذكر اللَّه وذكر عدونا من ذكر الشيطان. الكليني، الكافي 496 2. والحر العاملي، وسائل الشيعة 153 7 وقد ورد الحديث في المصدرين بعد الحديث الوارد في المتن.
(8) إشارة إلى الرواية التالية: قال رسول اللَّه (ص): من أكثر ذكر اللَّه عزَّ وجلَّ أحبه اللَّه، ومن ذكر اللَّه كثيراً كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق، الكليني، الكافي 500 - 2.
(9) إشارة إلى الآية الكريمة "اذكروني أذكركم..." وإلى روايات منها: عن الإمام الصادق عليه السلام: قال اللَّه عزَّ وجلَّ: من ذكرني سراً ذكرته علانية. الكليني، الكافي 501 - 2.
(10) الكليني، الكافي 498 - 2 و46 - 8 وابن شعبة الحراني، تحف العقول493.
(11) المصدر 502 - 2، والحر العاملي، وسائل الشيعة 158 - 7.
(12) المازندراني، شرح أصول الكافي 126 - 12، والحر العاملي، وسائل الشيعة 159 - 7.
(13) الكليني، الكافي 499 - 2 و610، والحر العاملي، وسائل الشيعة 160 - 7.
(14) الحر العاملي، وسائل الشيعة 167 7 "باب استحباب ذكر اللَّه تعالى في كل واد" مروياً عن الصادق عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ما من عبد سلك وادياً فيبسط كفيه فيذكر اللَّه ويدعو، إلا ملأ اللَّه ذلك الوادي حسنات، فليعظم ذلك الوادي، أو ليصغر.
(15) الحر العاملي، وسائل الشيعة 168 - 167 7 "باب استحباب ذكر اللَّه عند الوسوسة وحديث النفس". وفيه عدة روايات.
(16) الكليني، الكافي 502 - 2 "باب ذكر اللَّه عزَّ وجلَّ في الغافلين". الحر العاملي، وسائل الشيعة 165 - 7 "باب استحباب ذكر اللَّه في الغافلين". وقد تم تصحيح آخر كلمة وفق ما ورد فيهما.
(17) الذكر إما أن يكون سراً أو علانية، والأول: في العزلة من الناس، أو في النفس، وهذا هو المراد هنا، وقد ورد الحث على كل من هذه الأقسام، ومن النصوص على ما نحن فيه قوله تعالى: "واذكر ربك في نفسك" وقد ورد في تفسيرها عن أحد الصادقين عليه السلام: فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللَّه عزَّ وجلَّ لعظمته. انظر ذلك والروايات حول الذكر في السر في الكافي 502 - 501 - 2.
(18) الحر العاملي، وسائل الشيعة 166 - 7، وفيه رواية صريحة بما ورد في المتن.
(19) يشير إلى قوله في باب القراءة في الصلاة: "ولايجوز الترجمة بعجمي أو تركي أو هندي مثلاً، ومع العجز أو ضيق الوقت يأتي بالملحون العربي، ومع العجز فالأحوط تقديم الفارسي على التركي، والتركي على الهندي، وربما قيل بتقديم العبراني والسرياني عليها لأنها موافقة للكتب المنزلة ولا يخلو من بعد، وفي تمشية التراجم إلى الأذكار والدعوات المسنونات إشكال". كشف الغطاء 233 - 1.
(20) أورد رحمه اللَّه ما روي في روايتين عن الإمام الصادق عليه السلام، وفي إحداهما التفصيل الذي ذكر هنا عن عروق الجسد، مروياً عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. الكافي 503 - 2.
(21) الكافي 503 - 2. مروياً عن الإمام الصادق عليه السلام.
(22) عن أبي عبد اللَّه الإمام الصادق عليه السلام، قال: من قال: الحمد للَّه كما هو أهله، شغل كتاب السماء، (قال الراوي) قلت: وكيف يشغل كتاب السماء؟ قال: يقولون: اللهم إنا لا نعلم الغيب، فقال: اكتبوها كما قالها عبدي وعلي ثوابها. الحر العاملي، وسائل الشيعة 173 - 7.
(23) الحر العاملي، وسائل الشيعة 173 - 7. وفي المتن في الأصل قلق صححته على ما في الوسائل.
(24) الحر العاملي، وسائل الشيعة 174 - 7 "باب استحباب كثرة حمد اللَّه عند تظاهر النعم".
(25) الكليني، الكافي 504 - 2، والحر العاملي، وسائل الشيعة 176 - 7 مروياً عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: خير الدعاء الاستغفار.
(26) نفس المصدرين. عن الإمام الصادق عليه السلام.
(27) الحر العاملي، وسائل الشيعة 178 - 7. عن الإمام الباقر عليه السلام.
(28) الكليني، الكافي 504 - 2، عن الإمام الصادق عليه السلام، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر اللَّه عزَّ وجلَّ، خمساً وعشرين مرة. وقد عقد له باباً في الوسائل 179 - 7 "باب استحباب الاستغفار خمساً وعشرين مرة في كل مجلس وإن خف". أي وإن كان المجلس قصير المدة.
(29) الكليني، الكافي 505 - 2 والحر العاملي، وسائل الشيعة 180 - 179 - 7 عن الإمام الصادق عليه السلام، في بيان استغفار المصطفى صلى الله عليه وآله، وسأله الراوي: كان يقول: استغفر اللَّه وأتوب إليه؟ فقال عليه السلام: كان يقول استغفر اللَّه. سبعين مرة، ويقول: وأتوب إلى اللَّه، سبعين مرة.
(30) الكليني، الكافي 505 - 2 والحر العاملي، وسائل الشيعة 180 7، والمقصود قول: استغفر اللَّه، وقول: لا إله إلا اللَّه.
(31) الحر العاملي، وسائل الشيعة 181 - 7، عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن اللَّه إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب، قال: لولا الذين يتحابون بجلالي، ويعمرون مساجدي، ويستغفرون بالأسحار، لولاهم لأنزلت عذابي.
(32) الحر العاملي، وسائل الشيعة 182 - 7 مروياً عن الإمام الكاظم عليه السلام.
(33) الحر العاملي، وسائل الشيعة 184 183 7 "باب استحباب التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل" وفيه عدة روايات والتفاصيل المذكورة مروية عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، والمراد بسياق مائة بدنة أن يسوق في الهدي للحج مائة ناقة، كما أن المقصود بحملان مائة فرس، أي تجهيز مائة فرس بكل مستلزمات الجهاد، وتهيئة الفارس أيضاً.