نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تائية دعبل الخزاعي‏.. القصيدة الممزوجة بدموع الإمام الرضا عليه السلام

إعداد: فيصل الأشمر



تعد القصيدة التائية للشاعر دعبل الخزاعي من أشهر القصائد المنظومة في مديح أهل البيت عليهم السلام. أما صاحبها فهو محمد بن علي بن رزين بن ربيعة الخزاعي المولود سنة 148 ه في الكوفة، وقد خرج دعبل من بيت عُرف بعدد من الشعراء. طاف دعبل البلدان منشداً شعره حيثما حل، وقد اشتهر بدفاعه الشديد عن أهل البيت عليهم السلام، فكثر ذكرهم في قصيده مهاجماً الشعراء الذين خالفوه رأيه فيهم، ولم يسلم منه كذلك معاصروه من أهل الحكم ومنهم الخليفة العباسي المأمون، حتى لقد عُرف بمقولته الشهيرة: أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحداً يصلبني عليها.

وقصيدة دعبل موضوع مقالتنا أي التائية لها قصة رواها دعبل نفسه، كما ورد في عدة مراجع كالأغاني وغيره، فيقول: دخلت على سيدي الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان، فقلت له: يا بن رسول الله، إني قلت فيكم أهل البيت قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك وأحب أن تسمعها مني. فقال لي عليه السلام: هاتها.... فأنشدته:

 

ومهبطُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ(1)

مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ

وبالبيت والتعريف والجمرات‏

لآل رسول الله بالخيف من مِنىً‏

وحمزةَ والسجاد ذي الثفنات‏

ديارُ علي والحسين وجعفر

ولم تعف بالأيام والسنوات‏

ديارٌ عفاها(2) جور كل منابذ(3)

وللصوم والتطهير والحسنات

منازل كانت للصلاة وللتقى‏

من الله بالتسليم والزكوات

منازل جبريل الأمين يحلها

أرى فيئهم(4) في غيرهم متقسماً

ولما بلغت قولي:

 

وأيديهم من فيئهم صفرات(5)


بكى أبو الحسن عليه السلام وقال لي: صدقت يا خزاعي، فواصلت إنشادي.. حتى انتهيت إلى قولي‏
 

أكفّاً عن الأوتار منقبضات

إذا وُتروا(6) مدّوا إلى أهل وترهم‏


فبكى الإمام الرضا عليه السلام .. فأومأ إليّ خادم كان على رأسه: أن أسكت.. فسكتّ. فمكث عليه السلام ساعة ثم قال لي: أعد.. فأعدت القصيدة ثانية. حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى. وأومأ الخادم إليّ مجدداً: أن أسكت.. فسكت!! فمكث الإمام الرضا عليه السلام ساعة أخرى ثم قال لي: أعد.. فأعدت القصيدة.. فجعل عليه السلام يقلب كفيه ويقول: أجل والله (منقبضات). فتابعت إنشادي:
 

وآل زياد أغلظ القصرات(7)

وآل رسول الله نُحفٌ جسومهم‏

ونادى منادي الخير بالصلوات‏

سأبكيهمُ ما ذرّ(8) في الأفق شارق‏

وبالليل أبكيهم وبالغدوات‏

وما طلعت شمس وحان غروبها

وآل زياد تسكن الحجرات

ديار رسول الله أصبحن بلقعاً

وآل رسول الله في الفلوات

وآل زياد في القصور مصونة


وحين ذكرت الحجة القائم عجل الله فرجه بقولي:

تقطّع نفسي إثرهم حسراتي‏

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد

يقوم على اسم الله بالبركات

خروج إمام لا محالة خارج‏

ويجزي عن النعماء والنقمات

 يميّز فينا كلّ حقّ وباطل‏

فغير بعيد كل ما هو آت

فيا نفس طيبي ثم يا نفسي فاصبري‏


فوضع الرضا عليه السلام يده على رأسه وتواضع قائماً ودعا له بالفرج ثم رفع رأسه إليّ وقال: يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين‏ وتابعت الإنشاد.. ولما بلغت إلي قولي:
 

وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي‏

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

ولما انتهيت إلى قولي:

قال الرضا عليه السلام: آمنك الله يوم الفزع الأكبر..

تضمّنها الرحمن في الغرفات

وقبر ببغداد لنفس زكية


قال لي الرضا عليه السلام: أفلا ألحق بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟. فقلت: بلى يا بن رسول الله... فقال عليه السلام:
 

توقّد في الأحشاء بالحرقات‏

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

يفرّج عنّا الهمّ والكربات

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً


فقلت: يا بن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟! فقال عليه السلام: قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له. ولما فرغت من إنشاد قصيدتي كاملة قال لي عليه السلام: أحسنت ثلاث مرات ثم نهض وأمرني: لا تبرح.. وبعد حين أنفذ إليّ بيد الخادم صرة فيها عشرة آلاف درهم رضوي مما ضرب باسمه واعتذر إليّ!! فرددتها وقلت للخادم: والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام على ابن رسول الله صلى الله عليه وآله والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غنى.. فإن رأى أن يستوهبني ثوباً من ثيابه للتبرك به وليكون كفني في آخرتي فهو أحبّ إليّ.. فأعطاني الإمام الرضا عليه السلام قميصاً خزاً أخضر وخاتماً فصه عقيق مع الصرة.. وقال للخادم: قل لدعبل خذها ولا تردها فإنك ستصرفها، وأنت أحوج ما تكون إليها فأخذتها فرحاً.. وأمر لي من في منزل الإمام الرضا بحليّ كثيرة أخرجها إليّ الخادم. وبلغ الخبر أهل (قم) فاعترضوا طريق دعبل وسعوا للحصول عليها القميص.. وسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل.. فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصباً فهددهم بالشكوى إلى الإمام الرضا.. فصالحوه.. وأعطوه الثلاثين ألف درهم وأحد أكمامها.. قيل لدعبل: لم بدأت عند إنشادك للرضا عليه السلام بمدارس آيات؟! ولم تبدأ بأول القصيدة ومطلعها:
 

فأجريت دمع العين بالعبرات

ذكرت محلّ الربع من عرفات‏

رسوم ديار أقفرت وعرات

 وفلّ عرى صبري وهاجت صبابتي‏


فرد دعبل: استحييت من الإمام عليه السلام أن أنشده التشبيب فأنشدته المناقب. ورأس القصيدة:
 

نوائح عجم اللفظَ والنطقات

تجاوبن بالأرنان والزفرات‏


وقد توفي الشاعر دعبل سنة 860 ميلادية.

* أخطاء شائعة
* حاز الشي‏ء = إذا أردنا أن نعبر عن امتلاك الشخص لشي‏ء ما نقول: حازَ الشي‏ءَ، ولا يصح أن نقول: حاز على الشي‏ء، لأن الفعل "حاز" لا يصح أن يتعدى بحرف الجر "على".
* الكف = يعمد بعض الكتاب إلى إطلاق صفة التذكير على كلمة: كف أي اليد، فيقول: الكف الأيمن، والصحيح أن كلمة كف مؤنثة، يقول صاحب لسان العرب "والكف: اليد، أنثى".
* أثَّر في الشي‏ء = يستعمل بعض الكتاب الفعل أثَّرَ متعدياً بحرف الجر "على"، فيقول: أثر على كذا، والصحيح أن نقول: أثّرَ في ذلك.
* هو بمثابة أخي = الصحيح أن نقول هو مثل أخي أو بمنزلة أخي، أما كلمة مثابة فتعني: المنزل أو الموضع الذي يُثاب إليه أي يُرجع إليه مرة بعد أخرى.
* فلان يحتضر: الصحيح أن نقول عن الشخص الذي أوشك على مفارقة الحياة: فلان يُحتضَر بصيغة المجهول وليس: يحتضِر.
* دهست السيارة فلاناً = يستعمل بعض الكتاب الفعل دهسَ بمعنى: داسَ فيقول: دهست السيارة فلاناً، ولكن العرب لم تستعمل دهسَ بمعنى داس أو دعس، بل أنه وبمراجعة لسان العرب لا نجد كلمة دهسَ كفعل وإنما نجدها اسماً فقط.
* وجه صبيح لا صبوح = إذا أردنا أن نصف الوجه بالإضاءة نقول: وجه صبيح ولا يصح أن نقول: وجه صبوح، لأن كلمة صبوح معناها: الخمر أو الناقة المحلوبة صباحاً.
* اعتذر عن: تطالعنا الصحف ونشرات الأخبار يومياً بكلمة اعتذر، وغالباً ما تستعمل بوجه غير صحيح حين ترد كالتالي: اعتذر فلان عن الحضور. والأصح أن نقول: اعتذر عن عدم الحضور أي بإضافة كلمة "عدم" إلى الفعل "اعتذر".


(1) العرصات: البقاع التي لا بناء فيها
(2) عفاها: محا آثارها
(3) منابذ: مخالف
(4) فيئهم: خراجهم
(5) صفرات: خاليات
(6) وُتروا: ظُلموا
(7) القصرات: أصول الأعناق إذا غلظت
(8) ذرَّ : طلع‏

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع