مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الطفل‏: في اليوم المدرسي الأول‏

علي رسلان

 



سنوياً يلتحق الملايين من الأطفال في العالم بالمدارس للمرّة الأولى في حياتهم. إنّه اليوم الأوّل الذي يعيش فيه الأطفال حالةً نفسيّة في غاية الحساسية، تترك آثاراً وانطباعات تؤثّر في سلوك الطفل المدرسي في المستقبل. ويشكل اليوم المدرسي الأوّل مرحلة انتقالية حقيقية، يعيشها الطفل بين حياته الأسرية الحميمة، وحياة جديدة لم يألفها من قبل. وغالباً ما تكون عملية الانتقال حرجةً، تصحبها توترات حادّة، قد تتطوّر وتتأزّم إلى حدّ أذيّة الطفل نفسه، كانتحار طفل من على شرفة المدرسة، لعدم احتماله فراق أمه، وقفزه وراءها! لقد تعوّد الطفل على حياة أسريّة ضيّقة، تقتصر على علاقات اجتماعية مؤلّفة من أبوين حنونين، وعددٍ محدود من الإخوة والأخوات، ومع انتقاله إلى المدرسة، فإن علاقاته الاجتماعية تتغيّر، وتتسع دائرة معارفه وأصدقائه الذين سيتعامل معهم، ويمكننا أن نشعر بما يشعر الطفل به في يومه المدرسي الأول، رهبةً ووحدةً، وخوفاً فطرياً من المجهول، لوجوده بين أعدادٍ غفيرةٍ من الغرباء، من أطفال ومعلمات وأهالٍ...

فالطفل قبل المدرسة عاش حياةً طليقة بلا ضوابط ولا تكلّف، واليوم يقف أمام نمطٍ حياتيّ‏ٍ جديدٍ، لم يألف الخضوع لقيوده وقوانينه وأعبائه... لقد عاش قبل ذلك حياة عاطفية مركّزة، واهتماماً من أسرته، إلاّ  أن معلّمته الجديدة، وإن أولته عطفاً، فسيكون عطفها موزّعاً على مجموعة كبيرة من الأطفال... ويتميّز النظام التربويّ في لبنان عن غيره من الدول العربية بتوفر دور الحضانة ورياض الأطفال التي تدرّب الأطفال على الحياة المدرسية المنظمة، وعلى الأخذ والعطاء واحترام النظام، وتخفف من حدّة شعور الطفل المفاجئ بالانفصال الذي ينتابه عند التحاقه بمرحلة التعليم الابتدائي الأساسيّ مباشرة. ولكي يتكيّف الطفل مع المدرسة التي تبعده عن المنزل جزءً طويلاً من النهار، فعليه أن يتعوّد على فطامٍ عاطفيّ‏ٍ، يبدأ في الأسرة التي تدرّبه تدريجياً على هذا الفطام النفسي، أي البعد عن الآباء جزئياً، وتساعده على تشكيل معالم شخصيته المستقلة عن الأهل، حيث سيضطر إلى الاعتماد على نفسه في المرحلة المدرسية الجديدة.

ويمكن للأسرة استدراك حصول المشكلة في اليوم الأول من المدرسة، وذلك بتدريبه قبل المدرسة على التعاون والتفاعل والطاعة، واحترام حقوق الغير، وعبر تقديم نموذج المدرسة الجديدة بقالب جميل مشوّق، حيث الأصدقاء يلعبون ويمرحون، يتعلمون ويستمعون لقصص المعلمة، يعزفون وينشدون ويخرجون في رحلات إلى الطبيعة والحدائق... إنّ تداول هكذا أحاديث على مسمع الطفل، يهيّئ ذهنية الطفل لتقبّل الحياة الاجتماعية الجديدة التي سيحياها خارج دائرة الأسرة الضيقة، ويترك في نفسه انطباعاً طيباً، وحكماً ايجابياً مسبقاً عن المكان الجديد الذي سيرتاده يومياً. وللأم في اليوم المدرسيّ الأوّل دور مهمّ في انخفاض وتصاعد انفعالات ابنها، فالمنظر العاطفي لوداع الأم لطفلها على باب الصف أو المدرسة ينعكس تماماً على حالة الطفل النفسيّة، وكلما شعرت الأم بالحزن والتوتر استجاب الطفل لنفس المشاعر والانفعالات، وكلّما أبدت الأم ارتياحاً انعكس قبولاً طبيعياً، لذلك، كان من الضروري أن تتحكم الأم بعواطفها في هذا اليوم الحساس والصعب.

* كيف نساعد الطفل على التكيّف مع المدرسة؟
ويمكننا إيجاز بعض التوصيات التي من شأنها تخفيف المشكلة على الطفل والأسرة معاً، ومساعدته على التكيف مع حياته المدرسية الجديدة:

1- من الضروري جداً أن يلتحق الطفل برياض الأطفال قبل مرحلة التعليم الأساسي ليعتاد الابتعاد عن المنزل، والذهاب إلى المدرسة والعودة منها، والنظام المدرسي، وكذلك مخالطة الغرباء عن الأسرة.

2- أن يُشجع الطفل على مرافقة أحد إخوته الكبار إلى المدرسة، ويستحسن أن تكون المدرسة نفسها التي سيلتحق بها، ليتأقلم مع المكان، ويعايش الأجواء المدرسية، ويتقبل فكرة المعلمين والتلاميذ والصف والنظام.

3- في حال عدم توفّر إخوة أكبر منه في المدرسة نفسها، لا مانع من أن تستعين الأسرة بجارٍ أو صديق أكبر منه لمرافقته إلى المدرسة وتقديم العون والحماية، وإشعاره بالأمان في ذلك المكان الغريب.

4- على الأسرة أن تصور المدرسة للطفل بأنها مكان جميل وممتع، وأنّه إن لم يتوقف مثلاً عن أخطائه، فسيحرم من الذهاب إليها، وبذلك يكوّن الطفل مفهوماً ايجابياً عن المدرسة، فهي مكان للميّزين والناجحين والمطيعين، وليست مكاناً للمشاغبين والعدائيين والفوضويين...

5- ومن واجبات الأسرة أن تعمل على إحداث تغييرات شاملة في عادات الطفل السلوكية اليومية، ومن ذلك مواقيت النوم والاستيقاظ، وتناول الطعام، ودخول المرحاض بمفرده، وغيرها من السلوكيات والعادات التي تيسّر عملية التكيف مع الحياة المدرسية المقبلة.

6- ويتوجب على الأسرة أيضاً أن تتأكّد من صحة الطفل الجسدية، وقدرته على تحمل الأعباء المطلوبة، كذلك عليها أن تعدّه نفسيّاً، فتصحبه في زيارات إلى المدرسة قبل بدء العام، لتخفيف الرهبة والخوف المتوقّعين، واجتماعياً، فتدرّبه وتساعده على بناء العلاقات مع أفراد وأصدقاء خارج نطاق الأسرة، وتتيح له فرص اللعب وممارسة الرياضة الجماعية مع أقران سنّه.

وكلّما عاش الطفل انسجاماً في أسرته، واستقراراً نفسياً، بعيداً عن الصراعات العائلية والمشاجرات، كان انسجامه في الأجواء الجديدة وتكيّفه أسرع وأفضل. ولا تنتهي مسؤولية الأسرة بدخول الطفل إلى المدرسة، وتخطّيه اليوم المدرسي الأول، بل عليها أن تؤمن له أجواء الراحة المنزلية والاستقرار العائلي والنفسي والمعنوي، ما ينعكس عليه حيوية وتجدّداً ورغبةً في معاودة يوم مدرسي جديد.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع