عفاف الحكيم
يعرّف البعض العولمة بأنها الاتجاه المتنامي الذي يصبح فيه العالم نسبياً كرة اجتماعية بلا حدود حيث تجري الحياة في العالم كمكان واحد يتفاعل الناس فيه ويتأثرون ببعضهم. والعولمة اصطلاحاً: إيديولوجيا جديدة للهيمنة على العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً لا عن طريق الاستعمار التقليدي واحتلال الأرض إنما بقوة الإمكانات العلمية والمادية والسياسية الهائلة التي يمتلكها الغرب خصوصاً أمريكا...
* المرأة والعولمة خطط ومواثيق:
تشير معظم الدراسات الحديثة إلى أن ثمة علاقة بين دعاة العولمة وتوحيد العالم في نظام عالمي موحد الثقافة والاقتصاد والسلوك، وبين جذور الصهيونية ومخططاتها. ولعل من أبرز اتجاهات هؤلاء وأولئك السعي الحثيث لإلغاء الأسرة بحسبانها الوحدة المنتجة للفرد الحافظة لقيم الدين والتقاليد الموروثة. ولعل اليهودي ماركس هو أول من وضع النظرية لهذا الاتجاه... إذ تشير بروتوكولات حكماء صهيون إلى أن ما قام به ماركس لم يكن خارجاً عن دائرة مخططاتهم(1). وقد نشط اليهود في إشراك المرأة في الثورات الأوروبية في إنكلترا وفرنسا عبر شعارات تحرير المرأة علماً بأن البروتوكول العاشر يؤكد أن اليهود كانوا وراء إشعال الثورة الفرنسية وإحداث نمط ثقافي اجتماعي يستند إلى التحرر والإباحية وبدأ ينتشر من هناك إلى أنحاء أوروبا وأمريكا. في مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897م برئاسة تيودور هرتزل تمت مراجعة وتجديد المخطط الصهيوني وحيث ركز هذا المؤتمر على موضوع المرأة، ومن ذلك التاريخ بدأت تصدر تشريعات خاصة بها منها اتفاقية إلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة.
* أخطر اتفاقية حول المرأة:
جاءت اتفاقية إلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة لجعل المساواة وحقوق الإنسان مداخل حق يراد بها باطل. وقد استغرق إعداد هذه الاتفاقية وقتاً كبيراً ثم قدّمت للأمم المتحدة حيث تمّ تبنيها في ديسمبر 1979م. وتعتبر أخطر وأجرأ اتفاقية تقدم نموذجاً اجتماعياً عبر استهداف المرأة تناقض به كل ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948م وتصطدم مع الواقع والمنطق والفطرة السليمة(2). وهنا كمثال يمكن التوقف قليلاً مع المادة "5" من الاتفاقية، فهذه المادة هي من أخطر مواد الاتفاقية وتعتبر الأساس لخلق نظام اجتماعي لا يقوم على الأسرة، حيث نصّت الفقرة (أ) على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية للسلوك بهدف القضاء على:
1- التحيز: يأتي تفسير اللجنة لاحقاً ليقول أن نبذ الشذوذ تحيز وتمييز وانتهاك لحق الشاذ.
2- العادات العرفية: دون اعتبار لأعراف قد تكون حميدة.
3- الأدوار النمطية: أي إلغاء مفهوم أن المرأة تربي والرجل يعيل لكفاية الأسرة. ثم تأتي الفقرة (ب) لتكون أكثر وضوحاً إذ تنص على أن مفهوم الأمومة هو "وظيفة اجتماعية" في اتجاه لسحب المفهوم الذي يجعل الأمومة وظيفة سامية لا تقوم بها إلا الأم. كما أن الإشارة إلى المسؤولية المشتركة للرجل في تنشئة الأطفال رغم صحتها إلا أنها أيضاً تمهيد للدعوة لتغير الأدوار بمعنى أن دور الرجل ينحصر في الإنفاق وعليه أن ينتقل إلى دور الرعاية لتعمل المرأة.
ونشير هنا إلى أن اتفاقية حقوق الطفل التي جاءت بعد هذه الاتفاقية قد سحبت الطفل تماماً من مجال الأسرة وسلطتها ليذهب الرجل والمرأة كلُّ إلى حاله وتنتهي الأسرة. وبهذا يتضح أن هذه الاتفاقية في معظم موادها عليها مآخذ لا تقبلها الفطرة السليمة وهي تستهدف الدين والقيم الحميدة وهذا ما لمسناه بوضوح في مؤتمر بكين.. حيث تجرأ وفد نسائي.. في إحدى الجلسات على اقتراح إلغاء كلمة "أم" لأنها بحسب زعمهن تشكل امتهاناً للمرأة وتجعلها أقرب إلى حيوان مهنته الأساسية أن يلد ويرضع ويسهر على نظافة الوليد.. وقد وجد هذا الاقتراح من يقاومه في تلك الجلسة.. لكن ذلك يكشف عمق الهوة التي يمكن أن تنحدر إليها الإنسانية في المستقبل... فهذه الاتفاقية في الواقع إنما تمثل الشق الاجتماعي مثلما تمثل اتفاقية التجارة الدولية الشق الاقتصادي في عملية العولمة.. فهي إذن جزء من مخطط العولمة. ومن هنا يمكننا أن ندرك أبعاد التبني الحميم لقضايا حقوق المرأة من قبل القوى المهيمنة عالمياً، وخلفية الاستغلال الخبيث لسائر المطالب والشعارات التي تستبطن تحقيق اختراقات على صعيد مجتمعاتنا بشكل عام، وتحديداً على صعيد الأسرة المعقل الأخير المتبقي. وعليه فإن مسألة إيهام الناس بمشروع جديد للانتصار لحقوق المرأة عبر الأمم المتحدة ودون إشارة للأديان وخاصة الإسلام الذي أرسى دعائم حقوق المرأة ليس إلا محاولة لقولبة شخصية المرأة وصولاً إلى إيجاد المجتمع العالمي ذي الصبغة والسمت الواحد الذي تسيطر عليه مفاهيم الغرب الانحلالية.. الساعية لتقويض دعائم الأسرة بهدف تذويب المجتمعات وتحويلها إلى نسيج واحد مهترئ تسلس قيادته ويسهل التلاعب فيه كيف يُشاء. ولعل هذا الوضع هو أكبر تحدٍ يواجه المرأة المسلمة المعاصرة ويجعلها أمام المواجهة المتعددة الأبعاد. خاصة وأن هذا الانشغال الاستراتيجي يستثمر فقر وجهل شعوب العالم وخاصة المرأة التي تنعكس عليها الأزمة الاجتماعية والتربوية والاقتصادية.
* المرأة في مواجهة العولمة:
نواجه العولمة بالتمسك بكتاب اللَّه تعالى وسنّة الرسول ونهج أهل البيت عليهم السلام "إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً"(3) وهذا التمسك المطلوب يترتب عليه تحقيق أمور منها:
أولاً: وعي الساحة النسائية للمتغيرات التي تهزّ العالم من حولنا في ظل ظاهرة العولمة وشراك هيمنة أحادية غاية في السوء.. وما تتطلبه المرحلة من مراجعة لكل مواطن القوة والضعف على ضوء المفردات التي ميّزت نهج الإمام الخميني قدس سره وتوجهات ولي أمر المسلمين حفظه اللَّه لجهة تعبئة كل طاقات الأمة من دون استثناء.
ثانياً: السعي إلى توفير سبل التضامن بين نساء العالم الإسلامي وإيجاد فرص التعاون الأخوي عبر نشاطات مدروسة ومركزة. مثل إقامة اتحادات ومنظمات ومؤسسات أبحاث ودراسات إضافة إلى النشاطات الأخرى من ندوات عالمية فكرية وعلمية وكل ما يؤدي إلى إيجاد اللحمة والامتثال لقوله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103)، إضافة إلى توفير فرص المشاركة والانفتاح والحوار الحي الرصين مع سائر النخب النسائية في العالم من مختلف المذاهب والأديان..
ثالثاً: التوعية والتركيز على طلب العلم والجمع بين العلوم الجامعية والحوزوية إذ لا بد من ادراك أهمية التعرّف الوافي على الإسلام المنقذ وجعله قاعدة لجميع نشاطاتنا وبرامجنا.. يقول الإمام الخامنئي حفظه اللَّه "لتعلم نسوتنا أنهن اليوم حارسات القيم الإسلامية في مواجهة جاهلية العالم الغربي وعليهن أن يتسلحن بالتربية الإسلامية ويتقدمن في ميادين العلم والثقافة والسياسة والاقتصاد ويحافظن على قلعة الإسلام الحصينة".
رابعاً: الحضور الإعلامي المدروس والمركز فإن حاجة العالمين الإسلامي والعربي عظيمة لإعلام مبني على روح الدين وأخلاقه: إعلام يكون فيه للمرأة الملتزمة حضور مؤثر ومميز يساهم بمواجهة المشكلة المتفاقمة على أكثر من صعيد إضافة إلى أهمية وأبعاد حضور النماذج النسائية المثقلة بالوعي الديني العميق.
خامساً: المرأة والدور الريادي المطلوب: إن الخروج من الحالة الكارثية التي تعانيها تحديداً المجتمعات النسائية في العديد من بلدان العالم على الرغم من كل الموارد المتاحة يستلزم أول ما يستلزم قيام مشروع نهضوي ريادي يتمثل بطرح قوي للنموذج البديل على مستوى المرأة..
فالخواء الروحي الذي انتهت إليه المجتمعات الغربية أصبح اليوم مساوياً لتقدمها المادي والتقني.. وإن نتائج الرصد والإحصاء توضح جسامة الإنفلات والفشل والقلق والإخفاق الذي قاد إلى أزمة الإنسان المعاصر والذي حل في كل مكان فرض فيه الغرب نفسه دون اعتبار لثقافة وتراث وحضارة وتجربة الآخرين.. وإن المرأة في إيران الثورة باتت تجمع عدداً كبيراً من المزايا والسمات المطلوبة لزعامة الدور النسائي ليس فقط على مستوى الساحة الإسلامية.. بل على مستوى الساحة العالمية المتخبطة والخاوية. لذا فإنه من أجل أن تحقق المرتشفات من هذا النهج العظيم أهداف الإسلام ويرتقين إلى مستوى المساهمة الفاعلة في عملية تطبيق المشروع الإسلامي الأصيل والتصدي لمهامهن التاريخية كبديل حضاري فلا بد لهن من العمل على رسم خطوط أساسية لاستراتيجية شاملة تمكن من تحقيق هذا الانجاز الهام. الذي نأمل أن يكون مقدمة تمهيدية لمستقبل عظيم ننتظره بين يدي الإمام المهدي عجل الله فرجه وحيث الدور العالمي النموذجي للمرأة المسلمة سيسطع من خلال المهام التي ستناط بها والتي حدثت بها الروايات والأحاديث الشريفة إذ ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: ".. ويجيء واللَّه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم خمسون امرأة يجتمعون بمكة على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضاً وهي الآية التي ذكرها اللَّه عز وجلّ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾(4).
*****
* مقتطف من كلمة الكاتبة في ملتقى النساء العام الثقافي والاجتماعي في جامعة طهران في أيار 2004.
(1) أضواء على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، د. خديجة كرار، السودان.
(2) المصدر نفسه.
(3) سيرة المصطفى، ص693.
(4) بحار الأنوار، ج52، ص223.
المصادر:
- ملف العولمة إشكاليات الواقع وأسئلة المستقبل المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق بيروت، حارة حريك.
- تفسير الميزان للسيد الطباطبائي.
- تفسير المؤمنين.
- اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.