نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

حكمة الأمير: التودُّد نصف العقل

الشيخ علي ذو علم


"
التودُّد نصف العقل"1‏.
إذا كان العقل وسيلة إدراك ما هو حسن وما هو قبيح، وما يحمل المصلحة والمفسدة، وإذا كان العقل هو الدليل في العمل والسّلوك الإنساني في الحياة الفرديّة والاجتماعية، وإذا كان تأمين السّعادة الدائمة والمسير التّكاملي للإنسان يحصل في إطار الحياة الفردية والاجتماعية، كانت صداقة الآخرين والتودد إليهم والتعامل معهم بإحسان نصف العقل. على أساس أنّ هذه الأمور تؤدي إلى قوام الحياة الاجتماعية للبشر، وأيضاً باعتبار أنّ العقل الإنساني، الذي هو مصدر السلوك العاقل يحكم بضرورة قيام الحياة الاجتماعية على أساس المحبّة، والصّداقة، والابتعاد عن الحقد والكراهيّة، فيتحقق بذلك نصف شروط السعادة والإصلاح، هذا النصف هو الحياة الاجتماعية التي يؤدي عدمها إلى اختلال الحياة الفردية.

* المحبة إلهيّة
ولو نظرنا بعين توحيدية إلهيّة لوجدنا أن المحبة والصّداقة في العلاقات الاجتماعية من الأصول التي تمتلك منشأً عقلياً متعالياً، لا بل يمكن اعتبارها عبادة على أساس أن جميع البشر هم عباد الله، ومن هذه الجهة يتم التعامل معهم بودّ واحترام فتمتلك هذه الحالة معنىً إلهياً ومعنوياً، وهكذا الإنسان العارف المحب لله تعالى، فإنّه يحبّ مخلوقاته.
ثم إن هذا الأصل لا يتعارض مع القساوة في العمل، والمقاومة في مقابل الكفّار والظّالمين وأعداء الإسلام والبشرية، على أساس أنّ هذا حكم الله تعالى، ولا يمكن أن نواجه الظالم والمفسد بغير القساوة والشدة. حتى أن أصل المحبة والرأفة لا يُتغاضى عنه في هذه المواجهة التي يراد منها إزالة الفتنة والظلم، فبمجرد ارتفاع الفتنة والظلم لن يلاقي أصحابهما سوى محبة المسلمين ورأفتهم. وتبيّن سيرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وسلوكه أنّه كان يتعامل مع أهل زمانه بالمحبّة، والرّحمة، والعطف حتى مع أولئك الخارجين عن نطاقه، فكان خُلُقه هو خلق الله تعالى حيث التعامل بالرأفة والمحبة.

* آفاق الهداية والإيمان
تساهم هذه المحبة في تهيئة الأرضيّة المناسبة لموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويتمكن المؤمنون بها من فتح آفاق الهداية والإيمان أمام الآخرين. طبعاً، هذه المحبة لا تؤدي إلى الانحراف عن مواقف الحق، بل على العكس من ذلك، تساهم في تأصيل المباني الاعتقادية والقيم الإلهية وتعميقها.
وفي ظل المحبة والمودة بين أفراد المجتمع يمكن المساهمة في إيجاد المحيط الاجتماعي المطلوب، وتأمين الشّروط الأساس للحياة الهادئة والصالحة. فمن خلال توسيع المحبّة والمودة وتعميقهما نساهم في المحافظة على الإنصاف والعدالة، وننمّي روحيّة التّعاون والثّقة المتبادلة بين الأفراد وينتشر الخير بين الأفراد فيزول الحسد، وسوء الظن، وكل الصّفات الأخلاقيّة القبيحة. نعم هذه المحبة هي التي تساعد في ترسيخ العلاقة القلبية بين أفراد المجتمع وتضفي عليه نوعاً من الوحدة الإلهيّة الحقيقيّة.

* ذخيرة الفرد والمجتمع
يعلِّمنا أمير المؤمنين عليه السلام أن المحبة والمودة أمرٌ مباركٌ، وهي أفضل ذخيرة للفرد والمجتمع، وهي الخطوة الأولى، وهي نصف العقل. ومن خلال المحبة يمكن الوصول إلى مجتمع ينتشر فيه الخير والصلاح بعيداً عن القبائح والآفات. طبعاً ما يمكن أن يلجأ إليه العدو عادة في سبيل الوقوف أمام رشد المجتمع الإسلامي وسموّه هو توجيه الضّربات إلى روح المودّة والمحبة بين أفراده.


1.نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج4، ص34، الحكمة 142.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع