الأخبار في فضيلة الرفق وفوائده أكثر من أن تحصى، ونحن نشير إلى شطر منها ههنا، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو كان الرفق خلقاً يرى، ما كان فيما خلق الله
شيء أحسن منه". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الرفق لم يوضع على شيء إلا
زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لكل شيء قفل،
وقفل الإيمان الرفق". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفيق
ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما
اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراً وأحبهما إلى الله تعالى، أرفقهما بصاحبه".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "الرفق يمن، والخرق شؤم". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان رفيقاً في أمره نال ما يريده من الناس". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحب الله أهل بيت أدخل عليهم الرفق". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الدنيا والآخرة". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق، ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله". وقال الإمام الكاظم عليه السلام: "الرفق نصف العيش". وقال عليه السلام: لمن جرى بينه وبين رجل من القوم كلام: "إرفق بهم، فإن كفر أحدكم في غضبه، ولا خير فيمن كان كفره في غضبه".
ثم التجربة شاهدة بأن
إمضاء الأمور وإنجاح المقاصد موقوف على الرفق واللين مع الخلائق. فكل ملك كان رفيقاً
بجنده ورعيته انتظم أمره ودام ملكه، وإن كان فظاً غليظاً اختل أمره وانفض الناس من
حوله، وزال ملكه وسلطانه في أسرع زمان. وقِسْ عليه غيره من طبقات الناس من العلماء
والأمراء وغيرهما، من ذوي المناصب الجليلة، وأرباب المعاملة والمكاسبة، وأصحاب
الصنايع والحرف.
والمداراة: قريبة من الرفق معنى، لأنها ملائمة الناس، وحسن صحبتهم، واحتمال أذاهم.
وربما فرّق بينهما باعتبار تحمل الأذى في المداراة دون الرفق. وقد ورد في مدحها
وفوائدها الدنيوية والأخروية أخبار كثيرة كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "المداراة
نصف الإيمان"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاث من لم يكن فيه لم يتم
عمله: ورع يحجزه عن معاصي الله، وخلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل"
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء
الفرائض".
وقول الإمام الباقر
عليه السلام: "في التوراة مكتوب: فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى بن
عمران عليه السلام: يا موسى! اكتم مكتوم سري في سريرتك وأظهر في علانيتك
المداراة عني لعدوي وعدوك من خلقي..". وقول الصادق عليه السلام: "جاء
جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد! ربك يقرؤك السلام، ويقول:
دارِ خَلقي". وقوله عليه السلام: "إن قوماً من الناس قَلَّت مداراتهم للناس
فنفوا من قريش، وأيم الله ما كان بأحسابهم بأس، وأن قوماً من غير قريش حسنت
مداراتهم فألحقوا بالبيت الرفيع، ثم قال عليه السلام: من كفَّ يده
عن الناس فإنما يكف عنهم يداً واحدة ويكفون عنه أيدي كثيرة".