عبد الحليم حمود
* مكتبة الإسكندرية بين الحريق والانبعاث
تعد مدينة الإسكندرية من أشهر المدن السياحية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، أما تاريخياً فيبدو أن التشابه بين ميناء مدينة صور الفينيقية الحصينة وموقع ميناء "راكوتيس" الساحلية أو "راقودة" هو الذي استرعى انتباه الإسكندر الأكبر خلال حملته على مصر سنة 322ق.م ودفعه إلى اختيار هذه البقعة مكاناً ليسميه باسمه قبل أن يرحل متابعاً غزواته، علماً أنه لم يبنِ الإسكندرية بشكل فعلي بل استطاع وضع بصمات على تخطيطها في الأسابيع القليلة التي أمضاها فيها. أما مكتبة الإسكندرية فقد أنشئت في العصر البطلمي وضمت في جوانبها خلاصة الفكر الهيليني الروماني ومرّ عليها رياضيون وفلاسفة وأثّرت بشكل بالغ في المنظورات المسيحية واليهودية الفكرية فيما بعد. وتعد حادثة نهاية المكتبة القديمة إحدى أبرز الحكايات تناقضاً وتعبيراً عن سوء النية والدوافع لدى كتّاب التاريخ حيث نسبوا هذا الحريق إلى الفتح الإسلامي لكن الأرجح وحسب وثائق جمعها الدكتور إسماعيل سراج الدين المدير الحالي لمكتبة الإسكندرية الحديثة أن إحراق المكتبة القديمة حدث في أواخر العصر البطلمي الذي اجتاحت فيه البلاد فوضى عارمة أدت إلى هبّات شعبية متكررة وأن المكتبة قد أخليت ونهبت عدة مرات وانتهى الأمر بحرق مبانيها على الشريط الساحلي الذي تنتهي عنده جزيرة فاروس. أما المكتبة الحالية فهي مصممة في حلة تكنولوجية وهندسية استخدمت فيها كل التجهيزات المتوفرة في خدمة راحة الزائر وحُسن توصيل المعلومة واختصار الوقت. وبالنسبة للمحتوى فهي مكتظة بآلاف الكتب العالمية والعربية لتشكل جسراً بين الشرق والغرب وهي غاية يسعى إليها التصميم الهندسي والمكان الجغرافي للمكتبة.
* أزمة المسرح العربي: فكر أم إبداع
السؤال عن أزمة المسرح العربي يتكرر منذ سنوات طويلة، والبعض اختصرها في أزمة التأليف والبعض الآخر وصفها بأزمة إبداع عام وآخرون علقوها على منافسة التلفزيون وسحره الجاذب للفنان والمتلقي على حد سواء، لكن البعض يؤكد أنها أزمة فكر أكثر منها أزمة مسرح كألفريد فرج الكاتب الذي أغنى المسرح العربي طوال أربعة عقود بالنصوص الكثيرة وهو يقول: "أقول لكم الصدق، إن مأزق المسرح هو جزء من المأزق الثقافي العام. الحياة الثقافية تعيش في مأزق لأنه إذا كان من حقي أن أقول ذلك فإني أقول أن الهدف قد غاب في عيون المثقفين". ويبدو أن الأمر يعود إلى التفرق والتشتت العربيين بسبب المنابر الفكرية المتناقضة والمتصارعة التي صار إليها الوطن العربي بسبب المحن والمآسي. كان الهدف الذي سعى المسرح لتحقيقه في الستينيات واضحاً وهو الاستقلال وتثبيت الهوية الثقافية العربية، لكن الآن جدول الأولويات قد اضطرب وتفرقت حوله الآراء كما أن جوهر الهوية اختلفت حوله الأفكار بين الهوية القومية أو الدينية أو الثورية. وحالياً نرى الجمهور في تناقص دائم في صالات المسارح حتى تلك الفكاهية المكتظة بالنجوم المحبوبين. أما المسارح الجادة فتستطيع أن تعد روادها على أصابع اليد.
والهوة تزداد في الاتساع مع المسرح التجريبي وهو أسلوب مغرق في الحداثة ويستلهم مشهدياته من المناخات السوريالية حيث الغرائبية في الشكل والصوت والأداء والإضاءة، أما "الشونسونييه" أو مسرح القوالين فيترنح في مناخات الإبتذال والإثارة ودغدغة السياسيين في قالب من النكت المستهلكة علماً أن هذا المسرح قد انقرض في فرنسا موطنه منذ أكثر من 50 عاماً. ويعود السؤال هل المسرح في أزمة؟ إنها أزمة فكر أولاً.
* فان غوخ، الفنان المجنون
فان غوخ، اسم اسطوري في عالم الرسم يحمله فنان هولندي عاش كل أشكال الفقر والعوز والأزمات والاضطرابات والرفض للجمود والأشكال الرتيبة فسعى إلى كسرها بعدة طرق فاجتهد في خطوطه وألوانه وعمّق من ثقافته فتأثر بالفن الياباني ثم راح يفرغ شحنات الرفض التي بداخله على المساحة البيضاء أمامه إلا أنه لم يأخذ حقه من الشهرة وبالتالي من المال والعيش الرغيد. يعد فان غوخ (1890- 1853) واحداً من أشهر فناني القرن التاسع عشر، فقد أسّس إلى جوار عدد من الفنانين الكبار تيار الحداثة في الفن بعد أن مهّد للثورة الانطباعية الجديدة. يتمتع فان غوخ بشخصية شديدة القرب من الحس الشعبي وهو ربما ناتج عن شعوره الدائم بالعزلة إضافة إلى المرض. أما النوبات العقلية فقد شكلت عنده جنوناً من نوع خاص خوّله أن يدخل إلى اللوحة من باب جديد. نشط فان غوخ في السنوات الأخيرة من عمره في تقديم تقنية هائلة فيما يخص لوحات الحقول والبورتريه. والمتتبع لها يجده قد اعتمد ضربات الفرشاة الواضحة والقصيرة والمتدرجة خاصة الأصفر والأخضر. أما أشهر لوحاته فهي "دوار الشمس" التي يقدر سعرها بملايين الدولارات.