عبد الحليم حمود
* على قيد الحرية ألوان تتلمس أحلام الأسرى
بحضور عدد كبير من المحرَّرين ولفيف من المهتمين افتتح المعرض التشكيلي "على قيد الحرية" في القاعة الزجاجية في وزارة السياحة بدعوة من حزب اللَّه وبرعاية وزير الثقافة الأستاذ غازي العريضي حيث تم عرض أحد عشر عملاً متراصاً ومتداخلاً بحيث يلتبس الأمر أحياناً لمعرفة أين يبتدئ عمل هذا وينتهي عمل ذاك، لكن لهذه الكتلة الضخمة وقع تأثيري ايمائي يمتِّن مضمون الرسالة التي يرجوها المعرض، وهو محاولة تشكيل بانورامي لأحاسيس ويوميات وأشياء وأحلام الأسير بأسلوب تخيلي غير محدد بأُطر معينة. تسييج الصالة بالقماش الأسود لمحاولة عزلها عن المؤثرات الخارجية، أضفى على المكان هيبة ووقاراً لا بد من استحضارهما لبناء أرضية صحيحة تحتضن معرضاً بهذا العنوان. وقد تفاوتت مستويات الأعمال المعروضة بين عمل مكتمل الشروط الفكرية والتقنية كما هو حال أعمال رضا السيد وأمل بحصيلي وأحمد قليج وحسام حاطوم وبين أعمال استندت إلى الفكرة التي تخاطب العقل وتستفزه إنما دون فعل تقني كبير، كما هو حال أعمال نصير حيدر أحمد ورائد إبراهيم وجولي أبي يزبك وغازي أبو يونس وبسام كيرلس. أما أعمال سهيل ذبيان وانيتاتوتكيان وعلي عباس فقد كانت في الوسط. تكمن أهمية المعرض في كونه حمل فكرة وموضوعاً وهدفاً مباشراً في حين كان التعبير عنه بطريقة غير مباشرة كي لا تصطدم المخيلة بجمود الواقع ومحدودية أدواته. يبدو المعرض كامتداد لسلسلة معارض سابقة حاكت قضية الأسر كالمحترف الذي نُظِّم في سجن الخيام، والقضية الفلسطينية، والمقاومة في لبنان، والمعرض الذي نُظم في القاعة الزجاجية منذ سنة تقريباً، وهذه المعارض وعلى أهميتها ونبل هدفها تفضح الخواء الذي تعاني منه الحالة الثقافية العامة التي لا تقوم بنشاطات مشابهة، بل وتنكفئ عن حضورها ومواكبتها وكأن فعل المقاومة وضريبة الحرية لا تستوجب إلا على حزب اللَّه، وكذلك المواكبة الأدبية والفنية والإعلامية لا تنتج إلا عنه وعن مؤسساته.
*الحضارات المنصهرة في متحف النوبة
تقع النوبة في جنوب مصر وشمال السودان ويعتبر مناخها من أقسى الأجواء في العالم حيث الحرارة الشديدة طوال العام، ونادراً ما تهطل فيها الأمطار، كما أن تشعبات نهر النيل ضيقة جداً، الأمر الذي يجعل الزراعة في تلك المنطقة أمراً صعباً جداً. تملك النوبة الكثير من الثروات الطبيعية، حيث أنها كانت تضم مناجم للذهب، وخشب الأبنوس والعاج والبخور. برع النوبيون القدماء في استعمال القوس والسهم وكان منهم رماة أكفاء. بنى الفرعون رمسيس الثاني أشهر المعابد في النوبة في أبو سمبل تحديداً العام 1300 قبل الميلاد. كان النوبيون القدماء يدفنون موتاهم في مقابر حجرية، ترفق معهم آنية خزفية وأدوات تجميل. أما عن قصة متحف النوبة فالأمر يعود إلى بداية الستينيات حيث تعاظمت حملة دولية لإنقاذ آثار النوبة من الغرق، وواكب هذه الحملة الدولية حملة مصرية لنقل أهالي النوبة إلى مناطق آمنة حماية لهم من زحف مياه النهر بعد بناء السد العالي، وجاءت فكرة متحف النوبة مع حملة إنقاذ الآثار لتضم التراث الأثري والتاريخي والحضاري والبيئي لبلاد النوبة ولتكون تتويجاً للحملة الدولية لإنقاذ الآثار وتعرضها في متحف يؤمه الناس من كل بقاع الأرض. وبدأت دراسات هذا المتحف في أوائل الثمانينات بمشاركة من المجلس الأعلى للآثار في مصر واليونسكو. في العام 1997 خرج متحف النوبة إلى الوجود ليحكي قصة الكفاح العظيم للإنسان القديم بين الصخور والشلالات، وليخلد هذا المتحف المُقام على مساحة خمسين ألف متر مربع منها 43 ألف متر مربع مساحة الموقع الخارجي، والعرض المكشوف ليخلد عصور التاريخ التي تعاقبت على بلاد النوبة من العصر الفرعوني إلى العصر اليوناني والروماني حتى دخول الإسلام بالإضافة إلى التراث الشعبي النوبي الذي يتضمن طراز المباني والحلي الشعبية والحِرَف الشعبية وغيرها. زيارة متحف النوبة تعني بين أمور أخرى، زيارة إلى حضارات الأرض التي نمت وترعرعت في هذه البقعة من العالم المسماة ب"بنت الشمس".
* حسن المسعودي أشهر الخطاطين العرب في فرنسا
"إن حسن المسعودي ليس هيكلاً قديماً للخط العربي، إنه فنان عصرنا هذا. إنّ فنه هو فن القرن العشرين، على الرغم من جذوره الألفية التي تعود إلى تقاليد الشرق" بهذه الكلمات لخص الكاتب الفرنسي "ميشيل تورنيه" إبداع هذا الفنان المولود في العراق سنة 1944. بداية علاقته بفرنسا كانت في العام 1969 عندما بدأ الدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة في باريس، وتأثر باستعمال "ماتيس" للون، وبالجانب الدراماتيكي للخط وللشكل عند "بيكاسو"، وفي العام 1975 حصل على دبلوم عالٍ في الفن البلاستيكي. ومنذ العام 1975 يخط أمام الجمهور في أنحاء فرنسا بمرافقة شعراء وعازفين. وفي الفترة من 1980 إلى 1999 أقام المسعودي أكثر من سبعين معرضاً في كل المحافظات الفرنسية ونشر ثلاثة عشر كتاباً، منها الخط العربي دار نشر فلاماريون، 1981 وحسن المسعودي خطاطاً 1986 والخط للمبتدئين 1990,,. بالتأكيد هناك الكثير من اللَّحظات المهمة في مسيرة أكثر من ثلاثين عاماً في فرنسا والتي أوصلته إلى الشهرة كأحد الخطاطين العرب المرموقين. ومن تلك اللَّحظات التي أثَّرت في تطور عمله وحياته نذكر دراسته في المدرسة العليا للفنون الجميلة (البوزار) وعن هذه المرحلة يقول المسعودي: "إن ثقافتي الفنية نضجت في أثناء وجودي بهذه المدرسة، إذ عشت سابقاً أجواء الفن العربي الإسلامي وخصوصاً الخط، بينما الاطلاع على مجموعة متحف اللوفر دفعني إلى تكوين فكرة عن الفن في العالم. كما يتوقف المسعودي أمام لحظة لقائه بالممثل الفرنسي "كي جاكي" العام 1970 والعمل معه في إنتاج فني يربط الخط العربي بالعمل المسرحي وأول عمل مهم كان في دار الثقافة بمدينة "شالون" الفرنسية العام 1972. وهناك لحظة شديدة الأهمية ساهمت في التعريف بالخط العربي عندما قبل دار فلاماريون العام 1980 بنشر كتابه الذي تضمن فيه أجمل ما راه من الخطوط ببغداد والقاهرة واسطنبول مع التعريف بالجوانب الجمالية والتقنية للخط العربي، علماً أن نجاح هذا الكتاب يترجم في عدد الطبعات التي لبّت حاجات السوق الفرنسي. حسن المسعودي خطاط أخذ حقه في فرنسا ويحتاج إلى لغة عربية لإنصافه.