حسان بدير(*)
لا شك بأن فكرة اطلاق مهرجان للسينما الإيرانية في بيروت في هذه الظروف الأمنية الصعبة التي نعيشها كان مغامرة لم تكن لتنجح لولا الإرادة الطيبة التي تسعى للتأسيس لمزيد من المعرفة والجمال في المدينة التي أحببنا فيها ذلك التنوع المعرفي من الثقافات والفنون، فكان هذا المهرجان الذي نظمه مركز بيروت الدولي للإنتاج وقناة المنار، والمستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت بالتعاون مع سينما فيلم وسينما ميديا في إيران تكريماً لسينما استطاعت بما تختزنه من قضايا إنسانية واجتماعية أن تكتسب لها الموقع المميز في المهرجانات العالمية، حيث نالت السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1997، وفي مهرجان برلين ومهرجان فينيسيا، إضافة إلى العديد من الجوائز في المهرجانات العربية. ولهذا كان حرياً بنا أن نقارب هذه السينما لنكتشف ما تختزنه من ذلك الإبداع. كما إننا نعتبر هذا المهرجان لغة للمعرفة والتواصل مع ثقافة ومجتمع وحضارات لا يعرف الكثير من اللبنانيين والعرب حقيقة ذلك الجمال الذي تحمله والذي يقدم الإنسان من خلال الإبداع في النص والمشهد والموسيقى التصويرية والمعالجة الشفافة والأداء الرائع للممثلين، كل ذلك في بلد يعاني منذ انتصار الثورة الإسلامية في 11 شباط 79 وحتى اليوم حصاراً غربياً وتشويهاً إعلامياً وحرباً على إنسانية الإنسان فيه.
ولأن الهدف هو بناء جسور من التعاون بين المهارات السينمائية في إيران من جهة، وما يختزنه لبنان من موقع ريادي للإعلام والمقاومة، تمت استضافة فريق سينمائي إيراني بالتعاون مع مؤسسة سينما فيلم، حيث تم وضع برنامج موسع للفريق شمل لقاءات مع إعلاميين إضافة إلى زيارات تعريفية على عوالم وثغور المقاومة في جبل عامل وبعلبك، سعياً منا لدفع هؤلاء السينمائيين لإنتاج أعمال سينمائية عن تاريخ وانجازات المجتمع المقاوم في لبنان. أمام هذا التعاون تم اختيار أحد عشر فيلماً من نخبة الأفلام التي تحكي الواقع الاجتماعي والثقافي والديني والحضاري في إيران بلغة إنسانية شفافة تضيء على مفهوم التعايش بين المذاهب الدينية، وخاصة التعايش الروحي بين المسيحية والإسلام، وتقدم مقاربة لنسيج المجتمع الإيراني وما يحمله من هموم الحرب التي عاشها ومن تنوع عرقي يختزن تنوعاً في الحضارات والأديان والثقافات.
كما تم اختيار أفلام تحكي عن التحولات والتبدلات في إيران بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، والتي تركت أثاراً قاسية في تقاسيم المجتمع في حين حاول البعض الآخر داخل المجتمع الإيراني أن يتحرر من التزاماتها التي امتدت على زمن جيلين كاملين بعد الثورة الإسلامية في إيران، ومن هذه الأفلام التي اختيرت نذكر:
فيلم "طائر الحناء" للمخرج والكاتب: برويز شيخ طادي، فيلم "قريب جداً، بعيد جداً" للمخرج رضا مير كريمي، فيلم "حياة" للمخرج غلام رضا رمضاني والكاتب مجتبى غوش دامان، فيلم "نغمة" للمخرج والكاتب أبو القاسم طالبي، فيلم "حلم رطب" للمخرج بوران درخشانده، حيث يواجه ابن السادسة عشر ربيعاً صراعاً بين طلاق والديه وطريقة عيش صديقه، الذي يدفعه إلى الوقوع في حب ابنة الجيران، ويقع عندها في حيرة بين مشاعر الحب التي يشعر بها وبين القوانين التي يفرضها المجتمع عليه كشاب مراهق، ليكتشف أن ما كان يمر به هو في حقيقة الأمر اختبار حقيقي للحياة والتي لا تسير دائماً حسب ما نشتهيه.
أما فيلم "الشمس تشرق على الجميع" للكاتب والمخرج عباس رافعي، فنتعرف فيه على علاقة المجتمع الإيراني بضحايا السلاح الكيميائي الذي استعمله العراق ضد إيران، من خلال زوجة متفانية مع زوجها المصاب، حيث تأخذه في رحلة إلى أحد المزارات في مدينة أخرى أملاً بحدوث معجزة ما، لكن أثناء الرحلة تحدث مع الزوجين ومن يرافقهما معجزة أخرى تدل على أن الإرادة المقرونة بالإيمان هو ما يغير في حياتنا الكثير من مجريات الأحداث.
وفي فيلم "الإوز المهاجر" للمخرج سيروس هاشم بور والكاتب مجيد مجدي، نتعرف على المجتمع الإيراني الذي يعيش في المناطق الريفية النائية من خلال علاقة صبي بإوزة مصابة بطلق ناري حيث يعمل الصبي على مداواة الإوزة بعيداً عن عيون الرجال الذين يريدون اصطياد الإوز.
أما فيلم "سوف يأتي اللَّه" للكاتب والمخرج مجيد مجيدي، فهو يلقي الضوء على كفاح محسن الصبي الصغير الذي يستدين والده بعض المال كي يتمكن من إرسال زوجته للعلاج، تاركاً محسناً الذي يستشعر أهمية ما يحدث، خاصة الاستماع إلى الأدعية اليومية التي تدعو بها جدته وأهل القرية من أجل شفاء الوالدة وتوفيق الأب في مهمته. يأخذ اللَّه حينئذ حيزاً هاماً من تفكير الصبي وتفكير أخته، فيقرر كتابة رسالة إلى اللَّه.
وفي خلاصة لهذا المهرجان يمكننا القول إنه تم تحقيق مجموعة من الأهداف المتوخاة للمهرجان وفي مقدمتها اطلاق مشروع المهرجان بحد ذاته، خاصة أنه جاء في ظل أجواء أمنية صعبة جداً. أما دورة المهرجان للسنة القادمة، فإننا سنعمل على اطلاق سوق للأفلام الإيرانية في بيروت، وذلك على هامش المهرجان السنوي، تشارك فيه كل قطاعات الإنتاج الفني في إيران بمشاركة ومواكبة شركات الإنتاج في لبنان، ليكون ذلك فسحة من التلاقي الإبداعي بين صناع السينما من مخرجين وكتّاب سيناريو ومحترفي عالم التقنيات السينمائية، لأننا نعتقد بأن التقاء الثقافتين العربية والإسلامية سيولد فناً مبدعاً نحتاجه جميعاً لبلوغ اللغة السينمائية التي نحب.
(*) المدير التنفيذي لمهرجان السينما الإيرانية في بيروت.