مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: المعلم والتلميذ: سر العلاقة الناجحة

حسن سلهب(*)

 



على الرغم من التجربة الطويلة للتعليم في إطار الصف المدرسي، لا تزال العلاقة بين المعلم والتلميذ تعاني من أوضاع صعبة، فالشعور بضيق الصدر وبالتوتُر النفسي والعصبي، بل بالإحباط، كلها مظاهر يعاني منها كثير من المعلمين بصورة شبه يومية. كذلك الشعور بالملل، والمظلومية، والفتور الذهني وربما القصور الذاتي، كلها حالات قليلاً ما تختفي في صفٍّ من الصفوف. القضية مطروحة منذ بداية الصف المدرسي، بل بعد أول لقاء بين معلم ومتعلم. وإذا توسعنا كثيراً فإن هذه القضية تشكل أحد مظاهر التحدي في العلاقات الإنسانية برمتها. وهي قضية جوهرية لا يمكن بحث عمليات التعلُّم من دون الخوض فيها. صحيح أن تاريخ التعليم يشهد على نجاحات هائلة لنسبة كبيرة من المعلمين، لكن هذا التاريخ نفسه يشهد أيضاً على إخفاقات خطيرة لنسبة ملحوظة منهم. لا تتوخى هذه الورقة معالجة هذه المعضلة كما يتمنى الجميع، ويكفينا في هذه الفترة السعي لزيادة نسبة النجاح، والحرص على الحد الأدنى المقبول من العلاقة بين المعلم والتلميذ في الحالات المعقدة أو الصعبة.

* تلامذة من نوع آخر
نذكر هذه الكلمات في وقت نشعر فيه أننا مقبلون على مرحلة تتميز بنماذج من الطلاب فيها من التحدِّي لجدارتنا ما يتجاوز كل التحديات السابقة، سواء على مستوى السلوك المقبول أو غير المقبول، أم مستوى التعلم أو اللاتعلم. إن التطورات التي تعصف بالعالم اليوم على صعيد تعدُّد مصادر التعلم والخبرة للتلميذ، وبالتالي تنوُّع فرص الاختيار أمامه، سوف تجعلنا أكثر حيرة ودهشة أمام نماذج جديدة من التلامذة لم نعهدها من قبل، ولم نتوقع الوقوف أمامها في المستقبل. وهذه حقيقة تاريخية عاشها المعلمون من قبل، لكن ميزتنا اليوم أننا نواجه سرعة مدهشة في التطوُّر وتنوعاً هائلاً فيه. إن التلميذ الأنموذج الذي لطالما حلمنا به في الماضي وشدَّدنا على ضرورة وجوده لنجاح رسالتنا، هذا التلميذ لن تكون حظوظ وجوده في المستقبل أكثر مما هي عليه الآن، أكثر من ذلك سوف نرى غياباً ملحوظاً حتى للأنموذج المتوفر حالياً الذي تعوَّدنا عليه، واستمتعنا بتفاعله وتطوّره، التلميذ الهادئ غالباً، النظيف المرتب، الرقيق ذو العريكة اللينة، المطيع، الخجول، صاحب الذاكرة الخصبة، الذي لا يجرؤ حتى على طلب الإذن للذهاب إلى المرحاض أحياناً، هذا التلميذ مع تفهمنا الكبير لمعدنه وسجاياه سوف تختفي أعداده في الصفوف، خصوصاً في المدينة أو المناطق الغنية بمصادر الخبرة والتجربة. وسيحل مكانه تلميذ من نوع آخر لا ينفك لسانه عن السؤال والاستفهام، مشغولٌ بما يدور في رأسه أو نفسه أكثر بكثير مما يدور في رأس معلمه ونفسه، لا يكاد يستقر في مكان، جري‏ء أكثر مما يتحمل المعلم، لا يستكين بسهولة، صراخ المعلم أو توتره مثير لضحكه وتندُّره أكثر من إثارته لأعصابه ومخاوفه، إقتصر في ذاكرته على ما اتُفِقَ على ضرورته، يسعى لتحقيق ما يراه حاجة له من دون إذن، مشاعره العاطفية محدودة في ذاتها وكذلك تأثيراتها.

* موقف المعلم‏
ما تقدم محاولة لرسم بعض السمات للتلميذ الآتي، ولعلَّه قد حضر بيننا تلامذة استوفوا نسبة كبيرة من سمات هذا التلميذ المتوقع مجيئه قريباً. هل نقف أمام هذا التطوّر موقف المتحسِّرين على فقد الأنموذج السابق، ونقوم بثورة لاستعادته ومحاسبة كل المسؤولين عن غيابه؟ هل نتجاهل العوامل الموضوعية التي يختزنها منطق التاريخ؟ لا أعتقد أن ذلك يجدي نفعاً. لا يحق لنا أن نطلب من التلامذة تكرار سلوكنا الجميل حين كنا تلامذة، بمعزل عن التطوُّرات الجديدة في المجتمع. لا تجوز لنا محاسبة هؤلاء التلامذة بالعقلية ذاتها التي كانت سائدة أو مقبولة في المراحل السابقة. إن كثيراً من الإجراءات التي نجحت في السابق مع التلامذة تبدو الآن غير فعَّالة كما نرغب. فالنظام الصارم الذي كان يطال كل خطوة من خطوات التلامذة، كان ناجحاً عندما كانت مهمته الانتقال بالأطفال من مرحلة العفوية أو العشوائية إلى مرحلة الوعي والانضباط الذاتيين، أما الآن حيث يخضع التلميذ إلى مجموعة كبيرة من الأنظمة في بيته وشارعه، والمتجر الذي يزوره، فضلاً عن أماكن التسلية واللهو التي يرتادها فالأمر يختلف. إن تلميذ اليوم أصبح على مستوى ملحوظ من وعي النظام، وغدا على خلفية معقولة في هذا الموضوع، ما يستلزم بعض المرونة في الأنظمة المدرسية، خصوصاً في ما يتعلَّق بالمجالات التي تتعدَّد فيها الخيارات السليمة (مصادر المعلومات، مجموعات الزملاء، مواعيد الاختبارات وأنواعها وبعض موضوعاتها، المهارة الفنية) أو حتى الإجراءات المحدودة الأثر (الشرب داخل الصف، الخروج دون إذن في فترات محددة). في ما يلي بعض المقترحات المفيدة في هذا المجال:
1 - القدرة على وصف وتفسير سلوك التلميذ.
2 - القدرة على وعي تطور التلميذ ومواكبته.
3 - الاحتفاظ بشكل ملحوظ بالحيوية والانفعال الايجابي.
وهو ما سنتناوله بالتفصيل في العدد القادم.


(*) مدير مركز الإمداد التربوي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع