مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مجالس العزاء في وصايا الإمام الخميني قدس سره

الشيخ حسين كوراني‏


* الذين يستهدفون مجالس العزاء:
بعد انتصار الثورة رأى "المستغربون" أنفسهم مكشوفين، وكان مخاض الثورة معهم، كمخاض الثورة ضد الشاه ولكن بأساليب أخرى، لأن أساليبهم كانت مختلفة.
ومن جملة أساليبهم مهاجمة مجالس العزاء.
وقد تصدى الإمام رضوان الله تعالى عليه لأباطيلهم، مسلطاً الضوء على أهدافهم التي تتلخص في عدائهم للإسلام.
وفي إحدى خطبه في علماء غرب طهران يتحدث الإمام عن تشكل جبهة الباطل بعد انتصار الثورة فيقول:
الأمر المطروح الآن تشكّل أهل الباطل الذي يعملون على تحققه.
الذين كانوا سابقاً متفرقين، وكانوا على الهامش طيلة الفترات الماضية لم يكن لهم دخل في هذه النهضة، جلسوا جانباً ينتظرون الفرصة، وقد جاءتهم الآن.
أصبحت أقلامهم حرة، أصبحوا يستطيعون الكلام بحرية، مجالسهم حرة.
متفرقات أهل الباطل تجتمع، ومجتمعات أهل الحق لا سمح الله تتفرق.
يجب علينا أن نعرف أولئك الأشخاص، تلك الفئات، الذين ليسوا في مسير الإسلام، ليسوا في مسير النهضة الإسلامية، ليسوا في مسير الشعب، نعرفهم من مقالاتهم، من حديثهم، من سلوكهم.
(...) إنهم يخافون من أمر واحد وهو الإسلام.
المخالفون لنا يخافون من الإسلام وكل ما يرتبط بالإسلام، أولئك عندما ينتقدون فإن النقطة الأصلية التي يستهدفونها هي الإسلام.
تماماً كما كان الأمر في زمن الأب وابنه الخبيث، لأن الأجانب كانوا يخافون من الإسلام.
فقد حملوا هذين على معارضة الإسلام ولكن تحت ستار معارضة الروحانية، معارضة المنبر، معارضة المحراب منعوا مجالس العزاء تحت هذه الأقنعة إلا أن الهدف كان هو الإسلام، لأن هؤلاء إذا خافوا منكم (العلماء) فلأنكم في خدمة الإسلام، لذلك هم يعارضونكم.
وتشكلات (الباطل) الآن على نفس المحور الذي كان سابقاً.
أولئك كانوا يعتمدون القمع وسيلة، وهؤلاء يعتمدون الأقلام والكلام.
أولئك كانوا سابقاً يواجهون أهل العلم، أهل التقوى المؤمنين بالحراب، يمنعون مجالس الوعظ والخطابة ومجالس عزاء الشهداء بالحراب، وهؤلاء بالقلم.
قلم هؤلاء هو تلك الحربة المعهودة.
ظهرت تلك الحربة في صورة قلم.
ظهر الساواك بصورة فئات (وتجمعات سياسية).
والهدف نفس الهدف.
يجب أن يستيقظ الشعب.
إنهم يعارضون الإسلام بصورة مختلفة.

* عمق مجالس العزاء:
يتحدث الإمام في خطباء المنبر الحسيني (وعاظ قم وطهران) فيقول:
إن عمق العمل الذي تقومون به، وعمق قيمة مجالس العزاء لم يُعلَم إلا قليلاً، ولعله عند البعض لم يعلم أصلاً.
ما هو في الروايات من القيمة الكبيرة لقطرة دمعة على مظلوم كربلاء، بل حتى للتباكي ليس من باب أن سيد المظلومين بحاجة إلى هذا العمل، وليس فقط لحصولكم على الثواب أنتم والمسلمون، بالرغم من أن كل أنواع الثواب موجودة.
إذاً ما هو السبب، لماذا كان ثواب مجالس العزاء هذه عظيماً إلى هذا الحد؟
ولماذا أعطى الله تبارك وتعالى هذا القدر من الثواب على البكاء وحتى لقطرة دمع وحتى للتباكي؟
لقد أصبحت هذه المسألة تتضح شيئاً فشيئاً في البعد السياسي وإن شاء الله تتضح أكثر في ما بعد.
السبب في كل هذا الثواب على التعزية، مجالس العزاء، اللطميات، بالإضافة إلى أبعادها العبادية والروحانية، هو وجود بُعد مهم سياسي.
تلك الفترة التي صدرت فيها هذه الروايات كانت هذه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكومة الأموية، وأكثر منها الحكومة العباسية. كانت جماعة قليلة جداً، أقلية قليلة في مقابل قوى عظمى، ومن أجل تنظيم الفعالية السياسية لهذه الأقلية، تمّ اعتماد أسلوب هو في حد ذاته منظم وهذا الأسلوب هو النقل عن منابع الوحي أن لهذه المجالس ولهذه الدموع هذا القدر من العظمة (وما أكثر الروايات) حول هذا الموضوع ومراسم العزاء وكان الشيعة على قلتهم آنذاك يجتمعون، ولعل كثيراً منهم لم يكونوا يعلمون حقيقة الأمر، إلا أن الأمر هو تنظيم فئة أقلية في مقابل تلك الأكثريات. واستمرت مجالس العزاء هذه طيلة التاريخ وما تزال في البلاد الإسلامية وفي إيران التي هي مهد التشيع والإسلام والشيعة، استمرت في مقابل الحكومات المتعاقبة التي كانت تستهدف القضاء على أساس الإسلام، وأساس الروحانية.
الشي‏ء الذي كان يواجههم ويخيفهم مجالس العزاء هذه، وهذه المواكب.
في المرة الأولى التي أخذوني فيها من قم، في الطريق، كان بعض المأمورين في السيارة التي كنت فيها يقول:
نحن جئنا إليك، وكنا خائفين من هذه الخيم التي كانت في قم، خفنا أن يعرفوا بنيتنا فلا نستطيع تنفيذ ما جئنا لأجله.
وهؤلاء ليسوا شيئاً، القوى الكبرى تخاف من هذه الخيم.
القوى الكبرى تخاف من هذا التنظيم الذي يجمع (هذه الأعداد الكبيرة من) الناس بدون أن تكون ثمة مركزية واحدة تجمعهم، بل إن أبناء الشعب يجتمعون ويتلاحمون تلقائياً في جميع أنحاء البلاد العريضة في أيام عاشوراء في شهري محرم وصفر وفي الشهر المبارك.
هذه المجالس هي التي جمعت الناس حول بعضهم.
وإذا كان ثمة موضوع يحقق خدمة للإسلام وأراد شخص أن يوصله، فإن بالإمكان تحقيق ذلك في وقت واحد.
هؤلاء المتحدثون والخطباء، أئمة الجمعة والجماعات في جميع أرجاء البلاد، واجتماع الناس تحت هذا البيرق الإلهي الحسيني هو السبب في جعلهم منظمين.
لو أن القوى الكبرى تريد تحقيق تجمع في بلادها، في مدينة واحدة وافترِضوا عدد سكانها مائة ألف نسمة فإن ذلك يستدعي منهم جهوداً كثيرة لعدة أيام أو لعدة أسابيع مع أن التجمع على مستوى مدينة ويستدعي مصاريف كثيرة ومشقات ليجتمعوا ويصغوا إلى كلام المتحدث.
لكنكم أنتم ترون أن الناس تكتلوا لأجل هذه المجالس.
مجالس العزاء هذه هي التي حققت تلاحم الناس.
بمجرد أن يستجد أمر فإن الناس ومن جميع الشرائح وجميع الذين يقيمون عزاء سيد الشهداء يجتمعون لا في مدينة واحدة وحسب بل في جميع أنحاء البلاد، ولا حاجة لبذل الجهود الكثيرة ولا للإعلام.
بكلمة واحدة، عندما يرى الناس أن هذه الكلمة تخرج من حنجرة سيد الشهداء فإنهم يخرجون من (بيوتهم) ويجتمعون.
وما روي عن بعض أئمتنا عليهم السلام (الإمام الباقر عليه السلام) أنه أوصى أن تستأجر النوائح عليه في منى، فليس السبب فيه أن الإمام الباقر سلام الله عليه كان محتاجاً إلى ذلك، ولا لأنه كان ينفعه نفعاً شخصياً، بل لا بد من ملاحظة البعد السياسي في الأمر. في منى وعندما يجتمع الناس من جميع أقطار العالم يجلس هناك شخص أو أشخاص ينوحون على الإمام ويذكرون جنايات أعدائه وربما تحدثوا عن شهادة الإمام، لتكون هذه المسألة موجاً في جميع أرجاء الدنيا.

لعل المتغربين (المنبهرين بالغرب) يقولون لنا إننا شعب البكاء، ولعل الذين هم منا لا يستطيعون تحمّل أن يكون لقطرة من الدمع كل هذا الثواب، أو الثواب الكثير لمجلس عزاء. لعلهم لا يستطيعون هضم ذلك ولا يستطيعون هضم تلك الأمور التي ذكرت للأدعية وكل ذلك الثواب العظيم لسطرين من الدعاء، لا يستطيعون إدراك ذلك وهضمه.
إن البعد السياسي لهذه الأدعية ولهذا التوجه إلى الله ولتوجه جميع الناس إلى نقطة واحدة، هو الذي يعبئ الشعب لهدف إسلامي واحد.
مجلس العزاء ليس من أجل البكاء على سيد الشهداء والحصول على الثواب، وإيصال الثواب إلى الآخرين، وإن كان ذلك ملحوظاً أيضاً، إلا أن المهم هو البعد السياسي الذي خطط له أئمتنا في صدر الإسلام ليبقى إلى الآخر وهو الإجتماع تحت بيرق واحد، تحت نظرية واحدة.
ولا شي‏ء يمكن أن يحقق ذلك بالمقدار الذي يحققه عزاء حضرة سيد الشهداء.
لا تظنوا أن الخامس عشر من خرداد كان يمكن أن يتحقق لولا وجود مجالس العزاء هذه، ولولا هذه المواكب واللطميات.
لم تكن أية قدرة لتستطيع أن تحقق الخامس عشر من خرداد إلا قدرة دم سيد الشهداء.
ولم تكن أية قدرة لتستطيع أن تجهض المؤامرات على هذا الشعب الذي شنت عليه الغارة من كل حدب وتآمرت عليه كل القوى الكبرى، إلا مجالس العزاء هذه.
في مجالس العزاء هذه ومراسم العزاء واللطميات على سيد المظلومين، وإظهار مظلومية شخص قدم فداءً لله تعالى وفي رضاه روحه وأصحابه وأولاده، تم بناء شباب بهذا الشكل بحيث أنهم يذهبون إلى الجبهات طلباً للشهادة ويفتخرون بها، وإذا لم تكتب لهم يتألمون، وتم بناء أمهات يستشهد بعض أولادهن ومع ذلك يقلن ما يزال لدينا واحد أو إثنان مستعدان للشهادة!
إنها مجالس عزاء سيد الشهداء ومجالس الدعاء ودعاء كميل وسائر الأدعية هي التي تبني هذا المجتمع بهذا الشكل.
والإسلام هو الذي بنى الأساس منذ البداية ليستمر العمل بهذه النظرية، وبهذا البرنامج.
ولو أنهم (المخالفين) يفهمون أو يُفهَّمون حقيقة الأمر وما هي أهداف هذه المجالس، وما هو السبب في البكاء إلى هذا الحد وما هو السبب في عظمة ثوابه عند الله تعالى، عندها لما كانوا يقولون عنا إننا أمة البكاء، ولكانوا قالوا إننا أمة البطولة (...)
لو أن مثقفينا فهموا البعد السياسي والإجتماعي لهذه المجالس وهذه الأدعية والأذكار ومجالس المصيبة لما أنكروها.
كل المثقفين وكل المنبهرين بالغرب وكل المقتدرين لو اجتمعوا فليس باستطاعتهم تحقيق مثل الخامس عشر من خرداد.
نحن شعب قضينا على قوة عمرها ألفان وخمسمائة سنة بهذا البكاء.
لو أن المنبهرين بالغرب يفهمون البعد السياسي لهذه المجالس لبادروا هم إلى إقامتها إذا كانوا يريدون استقلال شعبهم وبلدهم.
آمل أن تستمر هذه المجالس أكثر فأكثر وأفضل فأفضل، ولكلٍ تأثيره فيها من الخطباء الكبار إلى الرادود (قارئ اللطمية) ذلك الشخص الواقف تحت المنبر يقرأ عدة أبيات من الشعر مع الشخص الذي يجلس على المنبر وهو خطيب كلاهما مؤثران في هذه المهمة تأثيراً طبيعياً بالرغم من أن بعض الأشخاص لا يعلمون ماذا يعملون من حيث لا يشعرون.

ويختم عليه الرحمة والرضوان قائلاً:
لقد ثار شعبنا فجأة وحصل في داخله انفجار (...) وكان هذا الإنفجار ببركة هذه المجالس، شمل البلد كله، وجميع الناس كلهم على هدف واحد.
يجب على السادة الخطباء وأئمة الجمعة والجماعات أن يشرحوا هذه النقطة أكثر مما أعلم حتى لا يُظن بأنا أمة البكاء.


(*) تم نشر القسم الأول والثاني من هذه الوصايا في العددين 174 و175.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع