مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

تربية: من إعادة الصف إلى إعادة التعلُّم

د.حسن سلهب

 


في نهاية العام الدراسي ينشغل المعلمون والقيِّمون على الشأن التعليمي في المدارس بإصدار النتائج النهائية لتلامذتهم، وبالتالي تحديد الصفوف التي سيقضي فيها هؤلاء عامهم الدراسي المقبل، ترفيعاً أو إعادة، بصورة مباشرة، أو بعد اختبار إكمال في بعض المواد العامة. على أن الكلمة الحاسمة هي لأرقام العلامات على مدار العام، أو تعديلاتها النهائية، ولا مانع من التداول ببعض المعطيات الخاصة بالتلامذة، لا سيما الذين نالوا أرقاماً قريبة من المعدل المطلوب في النجاح، لكن بشكل عابر وخجول، وغير مؤثر غالباً.

* إعادة النظر في إعادة الصف
إن هذه الطريقة في تقرير المسار العلمي للتلميذ، لم تعد كافية بعد التطوُّرات الأخيرة في مناهج التعليم في لبنان والعالم، خلال العقود الأخيرة. وتبدو الآن أكثر من أي وقت مضى مقاربة سطحية للمستوى العلمي للتلميذ، بل إنها واحدة من أشكال الغبن التي يتعرَّض لها هذا الأخير، على حساب تجربته العلمية، وطموحاته المستقبلية. نقول هذا الكلام بعد صدور العديد من الأبحاث والإحصاءات التي تفيد بأن معظم التلامذة الذين يعيدون صفوفهم، يحافظون على مستواهم التعليمي السابق بشكلٍ عام، وأن هدراً فعلياً للوقت يجري إخفاؤه تحت عنوان القدرات الذهنية المحدودة للتلميذ المعيد. ليست دعوة للترفيع الآلي، أو حتى الميسَّر، كما إنها ليست خروجاً كاملاً عن منطق العلامات، وأرقامها، المجموعة أو المعدَّلة، ولكنها أفكار تطرح اعتبار كل الأرقام والبيانات الخاصة بالتلميذ المتأخر بمثابة معطيات مفيدة في تحديد مستواه، وليست حقائق نهائية في هذا المجال، فضلاً عن كونها غير حاسمة في تحديد مصيره العلمي.

* مواصفات أدوات التقييم
من يجرؤ - في هذه الأيام - على القول بأن أدوات التقييم المستخدمة، سابقاً وحالياً، تتمتع بالمواصفات المطلوبة لتعيين مستوى التلميذ، وبنسبة 100% وليس 80% أو 90%، وبالتالي الدخول مع التلميذ في لعبة المعدل المطلوب أو العلامات المطلوبة؟ من يستطيع إقناعنا في هذه الأيام أن هذه الأدوات (التي تسمى مسابقات أو اختبارات) تكفل الكشف عن المستوى العلمي للتلميذ بشكل شامل وكامل؟ وهل بالإمكان الكشف عن قدرات أو معارف أو مواقف تمر في لحظات ما قبل الظهور والتبلور في وعي التلميذ وتعبيراته المتنوعة؟ هل هي عملية تقييم لمستوى التلميذ، أم طريقة في تأديبه ومحاسبته ليكون عبرة للأجيال اللاحقة، أو لمن تسوِّل له نفسه التأخر عن زملائه؟ ثم ما هي هذه الحكاية التي تنتهي بهذا المشهد التراجيدي، ولا يمكن لأية إرادة أخرى أن تتدخل بصورة مبكِّرة - أو حتى متأخرة - للحؤول دون وقوع المحذور؟ إن معظم الذين تتقرَّر إعادة صفوفهم لا يتدنَّى معدلهم العام عن 8/20. أي أن سبب إعادة الصف يكمن في أن هؤلاء التلامذة المساكين، لم يتمكنوا من تجميع ما نسبته 1/10 من العلامات المطلوبة. والغرابة هنا تأتي من عجز الجميع، التلميذ والمعلم وغيرهما، عن تحصيل هذه النقاط، بالرغم من توافر الوقت الطويل، وتعدُّد العوامل المساعدة.  لا نريد التمادي في لعبة الأرقام هذه، لأننا غير موافقين في الأساس على اعتبار علامات التلميذ معطيات حاسمة، وفي كل صفوف التعليم الأساسي، من دون أي تفريق. إن ما نود الاهتمام به في هذه المقالة، هو اعتبار كل التلامذة ذوي الإمكانات الذهنية العادية الذين أخفقوا في الحصول على المعدل الإجمالي المطلوب، هم بمثابة ملفات للتقييم الاستثنائي والتقصِّي الشامل لتجربتهم العلمية. وإذا كانت المتابعات المتواصلة خلال العام لم تعطِ ثمارها المرجوة، فالمطلوب إعادة النظر بكل هذه المتابعات، واعتبار نتائج التلامذة هذه بمثابة نتائج لهذه المتابعات أيضاً.

* المطلوب ورشة نوعية
المطلوب – إذاً - التوقف ملياً أمام هذه الحالات، بغية تعيين نقاط القوة والضعف، وبالتالي النظر في طريقة توفير الحد الأدنى المطلوب من نقاط القوة. وبدل أن نقول "يعيد فلان صفه في العام الدراسي المقبل"، نقول "يعيد تعلُّم المادة، أو المواد، خلال الصيف المقبل"، والتسجيل في العام المقبل مرتبط بالإعادة الصيفية، ومن المفترض أن تكون كافية في الحالات الطبيعية. تجدر الإشارة إلى أن نسبة هؤلاء التلامذة في المدارس المعقولة لا تتجاوز 1/10 في الحلقة الأولى، و2/10 في الحلقة الثانية، و3/10 في الحلقة الثالثة، أي أنَّ عدد الملفات التي يتعيَّن فتحها وتقييمها وتقصِّي المعلومات حولها بصورة استثنائية، لا يتجاوز العشرين ملفاً في مدرسة للتعليم الأساسي مؤلفة من تسعة صفوف، بمعدَّل ثلاثين تلميذاً في الصف الواحد، أي ما مجموعه 270 تلميذاً. إنها ورشة نوعية يجب أن تنجز في نهاية كل عام دراسي في كل مدرسة، وفيها من الفوائد على تجربة المعلمين ما يعادل في أهميته ما يتعلق بمستقبل التلامذة. بهذه الطريقة يُسدل الستار بصورة شبه كاملة على مرحلةٍ من مراحل التقييم التقليدي السطحي في تاريخ التعليم. أخيراً، لا تطرح هذه المقالة رفضاً مطلقاً لعملية إعادة السنة الدراسية للحالات النادرة من التلامذة المتأخرين، لكنها تشترط توافر معطيات غير عادية أو طبيعية في المسار العلمي للتلميذ المتأخر من جهة، وضمانات كافية لتحقق الفائدة في هذه الإعادة. وهما، - أي المعطيات والضمانات - غير متوافرين إلا بنسب قليلة جداً، ما يؤكد على ضرورة البحث عن خيارات جدِّية لمعالجة التأخر المدرسي، بعيداً عن نظام الإعادة للسنة الدراسية وما ينطوي عليه من إشارات واضحة في المحاسبة والتأديب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع