مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حقوق الجار والجيرة

السيد سامي خضرا


حق الجوار مطلوب ويقتضي حقاً وراء ما تقتضيه أُخوَّة الإسلام... وهكذا نشأت الأمّة، وتميَّز المجتمع الإسلامي تاريخياً بأدبيَّات خاصة في تعامله مع الجيران. إلاّ أن تأثّرنا بالغزو الثقافي والاجتماعي الغربي وانهزامنا جَعَلَنا نتخلّى عن كثير ممّا عندنا. وأصبح الجار غريباً لا نحسُّ به، ولا نعاشره. وما زاد الطين بلَّة شياع الأنانية والفردية ووسائل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الجافّة و"الباردة" التي تُميت النفوس.

*الجيران ثلاثة

قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا (النساء: 36).

لم يَعُدْ جيران اليوم كجيران الأمس حيث كان الواحد منّا يشعر بهم ويأنس ويستعين ويطمئن... فإذا بنا اليوم نعيش "مجتمعات" مستقلّة فاقدين للحضن المعنوي الذي يُؤمِّنه الجار لجيرانه ولنفسه. روي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الجيران ثلاثة: فمنهم من له ثلاثة حقوق: حقّ الجوار وحق الإسلام وحق القرابة، ومنهم من له حقّان: حق الإسلام، وحق الجوار، ومنهم من له حقّ واحد: الكافر له حق الجوار"1.

*أولوية الجار

أصبحنا اليوم عندما نريد أن نشتري منزلاً نفكّر في سعته وشكله. وكم من الناس اليوم توفَّرت في شققهم كل المطلوبات وتتنغَّص معيشتهم بسبب نوعية جيرانهم؟!

فأخلاقية الجيران ونوعيتهم وأخلاقهم أهم من أي شيء آخر، لأنّ كل ذلك يُؤثر علينا سلباً وإيجاباً.

من هنا، كانت وصية الإسلام الأكيدة بالالتفات للجار.

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا رسول الله، إني أردت شراء دار، أين تأمرني أشتري في جهينة أم في مزينة أم في ثقيف أم في قريش؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الجار ثم الدار"2.

*من حقوق الجار

كثيرة هي الأدبيات والمسلكيات التي ورثناها ومارسناها وأنِسْنا بها في تعاملنا مع جيراننا...

وهناك صور لا تُنسى. فقد ورد في جامع السعادات:

"ثم لا ينحصر حق الجار في مجرد كفّ الأذى، إذ إن ذلك يستحقه كل أحد، بل لا بد من الرفق وإهداء الخير والمعروف، وتشريكه فيما يملكه ويحتاج إليه من المطاعم.

وينبغي أن يبدأ بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السؤال، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويصفح عن زلاّته، ويستر ما اطّلع عليه من عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره ولا في صبّ الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فِنائه، ولا في المرور عن طريقه، ولا يمنعه ما يحتاج إليه من الماعون، ويغضّ بصره عن حرمه، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ويتلطّف لأولاده في كلمته، ويرشده إلى ما يصلحه من أمر دينه ودنياه، وإن استعان به في أمر أعانه، وإن استقرضه أقرضه، ولا يستطيل عليه البناء فيحجب عنه الريح إلاّ بإذنه، وإذا اشترى شيئاً من لذائذ المطاعم وظرفها فيهدي له، وإن لم يفعل فليُدْخِلْها بيته سراً، ولا يخرج بها أولاده حتى لا يطّلع عليها بعض أولاد جاره، فيشتهيه وينكسر لذلك خاطره" 3.


*الوصية بالجار

ومهما بالغنا في حسن تعاملنا مع جيراننا نبقى مقصّرين لأن ما نقوم به هو استجابة لأمر الله تعالى، بل إن رفع قدر الجيران أوصى به الإسلام حتى كأنه جعله في مقام الأرحام الوارثين. وعن الإمام عليّ عليه السلام عند وفاته: "الله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننّا أنه سيورثهم"4.

*النهي عن أذيته

ومن البديهي بعد كل ذلك أن لا نُؤذي الجار بأي أنواع الأذيّة لا وضعاً للقاذورات ولا صباً للمياه ولا إحداثاً للجلبة حتى "الدينية" منها ولا في موقف السيارات... ولا بالمفرقعات عند المناسبات... فكل أذيّة للجار حرام.

قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره"5. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا إيمان لمن لم يأمن جارُه بوائقَه"6.

وقيل له صلى الله عليه وآله وسلم: "فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتتصدّق، وتؤذي جارها بلسانها. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا خير فيها، هي من أهل النار"7.

*الأذيّة تخدُش الإيمان

إنَّ فعل الأذيّة يخدش الإيمان بوجه من الوجوه كقساوة القلب وشياع الغفلة واتّباع التهاون... وأما الاستمرار على ذلك فلا شك أنَّه يفتح أبواباً من الحقد والضغينة والغيبة وسوء الظن لا تُؤمن عُقْباها على جودة ونقاء الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائع"8. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس منّا من لم يحسن مجاورة من جاوره"9.

*أخلاق الأنبياء

وكل ما تقدّم من توصيات وتوجيهات هو إرث الأنبياء لنا لنزرع في الدنيا ونحصد في الآخرة.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... كان يعقوب ينادي مناديه كل غداة ومساء من منزله على فرسخ: ألا من أراد الغداء أو العشاء فليأت إلى يعقوب"10.

وهكذا، علينا في تفاصيل حياتنا أن نتصرّف كما كانوا يتصرّفون لننال بركة معظم هذا الإرث الذي فقدناه.


1- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج16، ص89.
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج8، ص210.
3- جامع السعادات، النراقي، ج2، ص207.
4- نهج البلاغة، من وصية الإمام لولده الحسن عليهما السلام.
5- الكافي، الكليني، ج1، ص6.
6- بحار الأنوار، المجلسي، ج71، ص152.
7- م.ن، ج68، ص394.
8- الكافي، م.س، ج2، ص668.
9- م.ن، ص637.
10- م.ن، ص667.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع