أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

السنن الاجتماعية ودورها في تحديد مصير الأمم والمجتمعات‏

د. علي الحاج حسن

 



السنّة في الاصطلاح عبارة عن المسلك والطريقة والأسلوب وكل ما يدل على وجود منهج أو بيان قويم. وعندما نتحدث عن السنن الاجتماعية فإننا نتحدث عن مجموعة من القوانين الثابتة والمستمرة التي تحكم المجموع البشري. فقد تكون هناك مجموعة من المسائل التي تحكم حركة الفرد وعلاقاته إلا أن المقصود من السنن الاجتماعية تلك التي لا علاقة لها بالفرد بما هو فرد بل بالمجموع. ثم إن هذه السنن ليست منفصلة عن مشيئة الله تعالى وإرادته، بل تخضع بشكل كامل لما أراده تعالى. ومن هنا يكتسب الحديث عن السنن الاجتماعية أهمية خاصة إذ بواسطته يتمكن المجموع من التعرف على مواطن حركته ومسيره نحو الكمال أو الأهداف المطلوب تحقيقها على مستوى المجموع. وبعبارة أخرى قد يصل المجموع البشري إلى حالة من التردي أو النقص فيما لو لم يراعِ هذه السنن المفروض وجودها.

ولا بد قبل التعرف على طبيعة السنن الإلهية التي تختص بالمجتمع البشري أن نتعرف على الخصائص والحيثيات الأساسية التي تحكم هذه السنن. أولاً: هذه السنن أمور مطردة دائمة الحصول لا تتخلف، فبمجرد أن يحصل الاجتماع البشري على شروط تتناسب والسنة لا بد له من أن يصير إلى ما تقتضيه هذه السنّة. مثال ذلك الظلم الذي يؤدي إلى هلاك المجتمعات والثقافات، فأينما حل الظلم سيكون الهلاك من نصيب المجتمع لا محالة.
ثانياً: تمتاز السنن الاجتماعية بأنها قوانين إلهية. وبعبارة أخرى السنن هي تلك الضوابط التي أجراها الله تعالى في الاجتماع البشري وأخبر بلسان الوحي وفي آيات متعددة عن حصولها.
ثالثاً: قد يعتقد البعض أن وجود القوانين الثابتة والمستمرة دليل على عدم اختيار الإنسان أو على سلب حريته. والواقع غير هذا إذ لا تتحقق هذه السنن إلا مع وجود إرادة واختيار تامّين للإنسان، فهو الذي يمكنه الاختيار ليكون مصداقاً لما يؤول إليه العمل بالسنّة وهو بذاته يمكنه اتخاذ طريق آخر يفيد من خلاله مجرى السنّة.
إذاً، باختصار: لا بد أن تكون السنن الاجتماعية مطردة دائمة ومستمرة الحصول، وتدل على وجود قانون إلهي لا ينافي قدرة الإنسان على الاختيار والإرادة. أما السنن الاجتماعية التي تحدّث عنها القرآن الكريم فعديدة نتعرض لذكر بعض منها ونترك القسم الآخر إلى الأبحاث الموسعة.

1 - الدين والهداية:
الدين واحد من أهم السنن التي تحكم الاجتماع البشري. ويبين هذا الأمر أن الدين حالة تحاكي الفطرة الإنسانية. فكل إنسان يتمتع بفطرة سليمة لا بد له من أن يجد في الدين وسيلة تبين حقيقة علاقاته الاجتماعية. وبعبارة أوضح إذا كان الاجتماع البشري يقوم على عدة أسس منها الإنسان وأخوه الآخر والطبيعة التي من حوله فإن العديد من المفكرين يعتقدون بأن الدين أو لنقل النظام الإلهي هو الركن الرابع من أركان الحياة الاجتماعية التي ستؤول إلى العبث والضياع من دون وجود الدين. هل فكرنا بحقيقة ومصير المجتمع البشري إذا لم يسدْه دين ونظام إلهي يخاطب ويوجه كل نواحي الحياة البشرية، فتنظم على أساسه حركة الإنسان كل الإنسان مع نفسه وأخيه والطبيعة وبالتالي يكون الدين هو العامل الأساس في توجه المجتمع البشري في اتجاه الكمال والنمو؟

يقول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (الروم: 30). وفي هذه الآية الشريفة دلالة على أن الدين داخل في الفطرة وفي تكوين الإنسان وهو سنة للحياة. وعليه فالدين هو العلاقة الاجتماعية التي تحكم المجموع البشري (راجع: السنن التاريخية في القرآن، السيد محمد باقر الصدر، ص‏102). ويؤدي وجود دين إلهي فطري بين البشر إلى تحقق أسمى السنن الإلهية الأخرى في هذا الاجتماع ألا وهي سنّة الهداية وذلك بواسطة الأنبياء والرسل. فإذا كان الدين الإلهي دين فطرة فلا بد أن يبعث الله إلى البشرية من يحملها إلى نور الهداية والكمال: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (طه: 50). وإذا كانت الهداية من أهم تجليات الدين، فإنها تتحقق بين أفراد المجتمع حتى ولو بقي بعض الأفراد بعيداً، وهنا تبرز أهمية الاختيار البشري. طبعاً قد يرافق الهداية نوع من المصاعب والابتلاءات والشدائد التي تشكل الوسيلة الأساسية للعبور نحو الكمال الإلهي المطلوب.

2- الامتحان والابتلاء:
قد يتعرض الإنسان في الحياة الدنيا إلى مجموعة من الامتحانات والابتلاءات والشدائد وذلك بهدف اظهار صدق الإيمان والإخلاص في العمل. فقد يعمل الإنسان ولا يدري أهمية عمله ولا يمكنه التمييز بين العمل الصالح من غيره ولا يسعه التعرف على مقدار إخلاصه في عمله. أما مع وجود الابتلاء عندها يتوقف الإنسان ليعلم بما لا مجال للشك أن عمله كان خالصاً صادقاً أو غير ذلك: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (العنكبوت: 2 3). ولا تتحقق سنة الامتحان والابتلاء إلا إذا توفرت للناس أرضية ارتكاب الأفعال الاختيارية وانتخاب الطريق والأسلوب الذي يريدانه. وعادة ما يكون الامتحان عاماً حيث يشتمل على الأشياء التي يحبها الناس ويميلون إليها والتي لا يحبونها ولا يميلون إليها.

3 - التغيير على مستوى الأمة:
كيف يحصل التغيير في الأمة وكيف تزول أمة بكيانها وثقافتها وكل ما تملك من حضارة؟ هنا يعلمنا القرآن الكريم أن التغيير واحد من السنن الإلهية التي تحكم الاجتماع البشري الذي لا يحصل إلا إذا توفرت جميع شروطه، ولو عدنا إلى آياته لوجدنا الشروط هذه. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد: 11). وفي هذه الآية الشريفة دلالة على أن التغيير على مستوى المجموع لا يتم إلا عبر تغيير الأفراد. وهنا يكمن اضطراب الحضارات والثقافات الوضعية التي حاولت التأسيس لمنهج تغييري بمجرد وجود أفكار نظرية أو صياغتها بأسلوب استدلالي برهاني أو غير ذلك، غافلين عن أن التغيير يجب أن يبدأ أولاً من الأنفس أي من الأفراد والأشخاص. ولو تحدثنا عن بعض النماذج وهي كثيرة في مجتمعاتنا سواء المتقدمة أو الحاضرة، لوجدنا أن الإمام الحسين عليه السلام الذي أوجد أعظم وأكبر تغيير على مستوى ثقافة وحضارة وفهم الأمة الإسلامية إنما وجد هذا التغيير بعد أن غير الإمام عليه السلام في نفسيات الشخصيات التي كانت تحيط به. لذلك كانت الثلة القليلة الطاهرة التي وقفت إلى جانب الإمام الحسين عليه السلام قد شرعت بتغيير داخلها فآمنت بأن الإمام عليه السلام على حق وهو أولى الناس بالإمامة وأن الآخرين هم مجرد ظلمة غاصبين، وبالتالي تمكن الإمام وأهل بيته عليهم السلام من ايجاد هذا التغيير على مستوى العالم.

4 - الظلم‏:
أوضح القرآن الكريم بعض القواعد والمناهج الهامة التي يؤدي الالتفات إليها إلى الوقوف بشكل دقيق على أهم مشكلات المجتمعات البشرية على الإطلاق. فالظلم يؤدي إلى الهلاك والخراب وضعف الأمم وزوالها. يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (هود: 117). فكل أمة وكل اجتماع بشري سيؤول إلى الزوال بمجرد ممارسة الظلم. ويؤدي الظلم إلى فرز المجتمعات البشرية بين قوي وضعيف، غني وفقير، رئيس ومرؤوس و... حيث ينتهي به المطاف إلى الزوال. ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (الإسراء: 16).

من جهة أخرى شهد الاجتماع البشري طول التاريخ حالات واضحة لمجموعات بشرية سادها الظلم والفساد فما كانت عاقبتها إلا ما أشارت إليه الآية الشريفة. فقبل عصر بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سادت أنواع من الظلم والجور حتى وصل بهم الأمر إلى ارتكاب القبائح، لا بل أخذوا يلومون من لا يرتكب الظلم والقبائح، فكانت على سبيل المثال مسألة دفن البنات،... وغيرها من العادات الظالمة، فكانت النتيجة أن وجدوا ما وعدت به السنّة الإلهية وكان نور الإسلام الذي أشرق ببعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي أيامنا الحاضرة عشنا ظروف انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران، حيث كان الظلم والجور أهم عناوين ومميزات النظام الشاهي فكان المصير الذي يتطابق والسنّة الإلهية، فاستبدل الله تعالى النظام الإسلامي الذي أساسه العدل وإقامة حكم الله تعالى بذاك النظام. والشواهد التاريخية كثيرة وأكبر من أن تحصى في هذا المجال. ويفهم من هذه السنّة أن ما يقابلها يؤدي إلى نتيجة معاكسة، فإذا كان الظلم يؤدي إلى الزوال فإن العدل والإصلاح يساهم في إيجاد الاستقرار والازدهار. إلى جانب ما ذكرنا من سنن اجتماعية هناك عدد آخر من السنن التي تلعب دورها الخاص في المجتمع البشري، كسنّة التدافع، وزوال مجموعة بواسطة مجموعة أخرى دفعاً لرواج الفساد والظلم، يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة: 251). ومن هنا نعلم أن الظلم والجور حالة غير مستقرة تزول وتنحدر بمجرد وجود حالة من العدل والصلاح في مقابلها وإلا كانت النتيجة فساد الأرض بكثرة المفسدين.

الخلاصة أن السنن الاجتماعية التي تحكم الاجتماع البشري هي تلك القوانين التي تدور مدار حركة المجموع بما هو مجموع. ويؤدي عدم الالتفات الدقيق إلى هذه السنن إلى وجود حالة من الأمور والحيثيات التي لا تتناسب مع الأهداف والغايات الحقيقية لوجود المجتمع البشري.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع