أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

تربية: كيف نحيي الشكر في أنفسنا؟

نوال خليل‏

 



الشكر هو من الفضائل الأخلاقية التي تبني شخصية الإنسان وتعمق ارتباطه وإيمانه بالله. ففي محاولة استقرائية أولية لمعرفة موقعية هذه القيمة داخل المجتمع، وسبل تعزيزها، خاصة في ظل تلك الظروف الصعبة والمعقدة التي تحيط بنا، سواء كان من ناحية الغزو الثقافي أم الضائقة الاقتصادية... برزت أمامنا عدة تساؤلات، من جملتها: هل فَتَرت حالة الشكر في مجتمعنا نتيجة الضائقة المعيشية، فلم يعد الفرد يشعر بالشكر، لأنه يفتقد النعم، فعلام يشكر، كما عبر البعض؟!. أو أنهم وبسبب كثرة ما يحيط بالناس من سلع استهلاكية، وجراء سعيهم المتواصل لتحصيل المزيد والمزيد من المتع الدنيوية لم يغدوا فرحين أو مبصرين قيمة لما يحصلون عليه؟!. وهل أن الاستغراق في الدنيا وشؤونها حرم البعض من استشعار النعم المعنوية أو السعي لطلبها؟!. أو أن الغفلة أصدأت الأفئدة، فلم تعد ترى المنعم الحقيقي وراء جملة الوسائط والأسباب الظاهرية؟!. للإجابة على هذه التساؤلات نحتاج إلى ذكر بعض المقدمات المعرفية، منها:

* ما هو الشكر وما هو فضله عند الله؟
يعرف الإمام الخميني قدس سره الشكر بأنه: "حالة نفسية ناجمة عن معرفة المنعم والنعمة، وأن هذه النعمة من المنعم، وينتج عنها الأعمال القلبية والقالبية العمل بالجوارح "(1). أي أنه إحساس وشعور يغمر كيان الإنسان، ويستولي على مجامع قلبه، جراء ملاحظته للمنعم وهو الله، ونعمه المنبسطة في عالم الوجود وعلى الكائنات بأسرها. فيحمد الله ويثني عليه بقلبه ولسانه، ويستعمل جوارحه في طاعته واجتناب معاصيه. ورد في الذكر الحكيم: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (البقرة: 152).

وعن فضل الشكر، جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "الطاعم الشاكر له من الأجر كأجر الصائم المحتسب. والمعافى الشاكر له من الأجر كأجر المبتلى الصابر. والمعطى الشاكر له من الأجر كأجر المحروم القانع"(2). إذاً، يقوم الشكر على ركنين أساسيين، هما: معرفة المنعم، ومعرفة النعمة.

* من هو المنعم الحقيقي؟
الشاكر الحقيقي هو من يدرك أن الله هو الغني المطلق الحاوي لكل صفات الكمال، وأن المخلوقات بأسرها مفتقرة إليه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (فاطر: 15)، وأن كل ما في هذا العالم هو فيض ونعمة من الله الواحد. أما ما نراه من وسائط ومسببات، فهي مسخّرة من قبله، وترجع إليه وليس لها أدنى استقلالية. يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن العالم بأسره مظهر قدرته ونعمته، وإن رحمته وسعت كل شي‏ء، وإن جميع النعم منه، وليس لأحد نعمة حتى يعد منعماً"(3). لذا، من لا يربط بين النعمة وولي النعمة الحقيقي، وهو الله، لا يكون موحداً حقيقياً في الواقع، بل يكون كافراً بنعم الحق تعالى، ولم تنتقش بعد على صفحة قلبه، حقيقة أن لا مؤثر في الوجود إلا الله. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ (العنكبوت: 17).

* كل خير هو نعمة من الله‏
أفاض الله تعالى على الإنسان نعماً لا تعد ولا تحصى، لكي يتعرف من خلالها على خالقه، ويصل إلى كماله الحقيقي اللائق به. والشكور هو من اعتبر من هذه النعم وعرف قدر كل واحدة منها وكيفية شكرها، لأن كل نعمة تحمل رسالة خاصة من الله إلى الإنسان. فك رموزها يوثق العلاقة أكثر بينه وبين ربه، ويؤجج أواصر الحب والقرب. والنعمة هي كل ما يبعث على الخير واللذة والسعادة. ولهذا، اعتبرت النعمة الحقيقية هي سعادة الآخرة. ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "تمام النعمة دخول الجنة"(4). وكل ما عداها إنما اعتبر نعماً لأنه يفضي إلى سعادة الآخرة ولقاء الله. كما يمكن تقسيم النعم بلحاظ آخر إلى نعم معنوية، من قبيل: معرفة الله وأسمائه وصفاته وكتبه ورسله، التحلي بالفضائل الأخلاقية، والتوفيق للقيام بالعبادات وأداء التكليف الشرعي... وإلى نعم ظاهرية، من قبيل: سلامة الجسد، الأهل والأولاد والزوجة، مصاحبة الإخوان المؤمنين، الطبيعة، المال والجاه(5).

* كيف نشكر الله؟
بداية، لا يستطيع أحد أن يؤدي حق الشكر كما ينبغي، إلا الأولياء الكمل، كما جاء في الآية المباركة: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور (سبأ: 13). لأن تمام الحمد والثناء يحتاج إلى معرفة المنعم حق المعرفة، والإحاطة بمراتب النعم الظاهرية والباطنية المعنوية كافة. لكن هذا لا يعني أن لا نقوم بواجب الشكر، فنحن عندما نتوجه إلى الله المنعم، ونتعرف على نعمه، ونراعي حقها وقدرها الذي جعله الله لها، نوفق للشكر. ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدى شكرها"(6). فنحن نشكر الله على نعمة النبوة والولاية بحسن اتباع أهل البيت وتقديم الطاعة لهم. ونشكر الله على ما رزقنا من الإيمان، بنفي حب الدنيا من قلوبنا وطرد الأغيار. ونشكر الله على ما منحنا من الفطرة والعقل بمخالفة أهوائنا النفسية، واجتناب الظلم والمعاصي. ونشكر الله على سلامة أجسادنا بتقويتها والحفاظ عليها، واستخدامها في الطاعات والإتيان بالعبادات. ونشكر الله على ما وهبنا من أهل وأولاد وإخوان وأزواج برعاية حقوقهم. ونشكره بما فتح لنا باب الجهاد والشهادة، بمواصلة الجهاد والحفاظ على نهج الشهداء. ونشكره على ما سخر لنا من بيئة جميلة، بالحفاظ على مواردها وجماليتها.

سأل أحدهم الإمام الصادق عليه السلام: "هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكراً؟ أجاب: نعم. قال: ما هو؟ فأجاب: يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه..."(7). ولقد جاء في الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ومن لم يشكر الناس، لا يشكر الله"(8). أي لا بد لنا من شكر الناس من حولنا، على أساس أن الله أراد أن تجري نعمه على أيديهم، وبسط رحمته من خلالهم. وعدم شكرنا إياهم يجعل شكرنا وثناءنا لله هباء منثوراً لا قيمة له.

* الغفلة تمنع الإنسان من الشكر
إذا غفل الإنسان عن النعم لسبب ما، من قبيل: أنه اعتاد عليها، أو أن الجميع من حوله يمتلكون مثلها، كمن يعتاد على نعمة الصحة والبصر والهواء والأولاد... أو لعدم التفاته لما خصه الله من نعم، فيبقى متحسراً على ما يمتلكه الآخرون ولا يمتلكه هو، يكون محروماً من أداء حق الشكر. وفي مثل هذه الحالة يحتاج الإنسان إلى اليقظة والتأمل جيداً في أنه كيف كان سيؤول حاله من دونها. ومطالعة القرآن الكريم خير معين لخرق حجاب الغفلة هذا، لما يزخر به من آيات تعدد نعم الله على الإنسان.

* الشكر يورث الزيادة، والشعور بالعجز عن أداء حق الشكر
من الآثار الواضحة للشكر، زيادة النعمة ووفرتها كما صرح بذلك الكتاب الكريم: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: 7). وأيضاً شعور الإنسان بفقره وبعظمة خالقه، لكثرة إحسانه إليه وتوالي نعمه عليه، فيعترف بعجزه عن إحصاء نعمه، وعن أداء حق شكره وحمده. ورد عن الإمام السجاد عليه السلام في دعائه لله تعالى: "... فكيف لي بتحصيل الشكر، وشكري إياك يفتقر إلى شكر!؟ فكلما قلت لك الحمد، وجب عليّ لذلك أن أقول لك الحمد"(9).

خلاصة الكلام‏
إلى هنا نكون قد القينا الضوء على مفاتيح أساسية، تساعدنا على فهم إجابات على ما طرحنا من تساؤلات سابقة. فنقول: صحيح أن هناك ظلماً اجتماعياً كبيراً واقعاً على شعبنا، وهو ما يستلزم منا النهوض لتغييره، ولكن هذا لا يعني الاستسلام لضغوطاته على الصعيد النفسي والروحي، فنغدو أسرى الحالات العصبية والغضب وكفران النعم... بل على العكس، فإن الأولياء والكمّل صنعتهم الشدائد، وكانوا من الشاكرين الذاكرين على الدوام. ومن جهة أخرى، إن الله لا يترك عباده أبداً وهو قريب منهم، وهو قد ضمن لهم أرزاقهم ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (الذاريات: 58)، ولا حاجة لهم للتزلف إلى فلان، الفقير مثلهم إلى الله، لكي يمدهم بالرزق، أو أن يخافوا من الموت جوعاً. كما أنه ليس كل ما يحسبه المرء من نعم دنيوية هو نعمة حقيقية له، فكثيرة هي الأشياء التي يطلبها ويتحسر عليها، ولكنها في واقع الأمر نقم تغرقه في ظلمات الدنيا، وتبعده عن ساحة القرب من الحق عزَّ وجلَّ. كالذي يطلب اللباس والأثاث الفاخر للتباهي. فالنعم الحقيقة هي النعم التي تذكرنا بالله ونراه فيها ولا تحجبنا عنه. وهنا تصبح قلوبنا وألسنتنا لاهجة بذكره وحمده والثناء عليه.


(1) الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، طبعة دار التعارف، حديث الشكر، ص‏378.
(2) أصول الكافي، ج‏2، باب الشكر، ح‏1.
(3) الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، دار التعارف، حديث الشكر، ص‏380.
(4) سنن الترمذي، ج‏13، ص‏51.
(5) الفيض الكاشاني، سلسلة المحجة البيضاء، دار المحجة البيضاء، أحوال السالكين، ص‏88، بتصرف.
(6) أصول الكافي، ج‏2، باب الشكر، ح‏10.
(7) أصول الكافي، ج‏2، باب الشكر، ح‏12.
(8) كنز العمال، المجلد 3، الحديث 6443.
(9) الصحيفة السجادية، مناجاة الشاكرين.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع