نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع القائد: رسالة المنبر التبليغي: الوصول إلى قلوب النَّاس‏


بما أننا نبلّغ باسم الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، وقد أتيحت لنا فرصة تخليد هذه الشخصية العظيمة، التي من خلالها يمكن تبليغ الدين على جميع الأصعدة، فينبغي أن يكون لكل عنصر من العناصر الثلاثة: المنطق والعقل، والحماسة المشفوعة بالعزة، والعواطف، دور في تبليغنا.

* ما معنى التبليغ؟
التبلغ يعني إيصال فكرة. وجوب الإيصال إلى أين؟ إلى آذان المستمعين؟ كلا، إلى قلوبهم. بعض المبلغين لا يتمكن من إيصال مطالبه حتى إلى الأسماع، فضلاً عن القلوب، بل إنَّ السمع لا يتحمل ما يقول ولا يستقبله. فالسمع عندما يستقبل شيئاً، يُحَوّله إلى الدماغ. ولا بد أن لا تنتهي المسألة عند هذا الحد، بل لا بد أن تنفذ الكلمات إلى القلب وتترسخ فيه، بحيث تتناغم شخصية المستمع مع شخصية المبلّغ، هذا هو دور عملية التبليغ. إننا لا نؤدي الوظيفة التبليغية من أجل الحديث فقط، بل من أجل إيصال المادة التبليغية إلى قلب المستمع وترسيخها فيه.

* ما هي المادة التبليغية؟
هي المبادئ والقيم الإسلامية، التي ضحَّى من أجلها الإمام الحسين عليه السلام بنفسه وحُرمه وأهل بيته، والتي خطّها خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجميع أنبياء الله وأوليائه الصالحين، وكان مظهرَها أبو عبد الله عليه السلام. نحن نريد أن نقوم بتبليغ المنطق والقيم والأخلاق الإسلامية وجميع المسائل، من أجل بناء الهوية الإنسانية على أساس الدين، وبناء شخصية المستمع بناءً إسلامياً، ومن جملة ذلك بناء الجمهورية الإسلامية. إنني أعتبر أنَّ تشكيل الحكومة الإسلامية من أهم الأعمال، وهذا لا يعني أن نتغافل عن صيانة الهوية الإنسانية للأفراد الأشخاص الذين نتعامل معهم فرداً فرداً فإنَّ هذا من أهم الأمور.

إنَّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بدأ ببناء الإنسان بناء اللبنة الأساسية وعندها استطاع أن يحمّله مسؤولية بناء الإسلام. لاحظوا آيات القرآن الكريم، ستجدون أنَّ أهم أهداف التبليغ هو بناء الإنسان. علينا أن لا نصطدم بمسألتين:
الأولى: عدم التغافل عن طرح القضايا السياسية من دائرة كلامنا وأقوالنا وسعينا وجهادنا التبليغي، وهذا ما صَرَف عليه الأعداء الأموال خلال عشرات السنين. إلا أنَّ مجي‏ء الثورة الإسلامية أدّى إلى تبديد هذه الآمال ونفيها من الوجود، وأدخلت الأقوال والأفكار السياسية في مجال النشاطات الدينية.
الثانية: عدم التصوّر بأن كل ما يقال من على المنبر التبليغي، ومخاطبة المؤمنين، هو الجلوس والتحدث في قضايا أمريكا وإسرائيل والتحليل للمسائل السياسية، كلا، فإذا لم تكن هناك مسائل ذات أهمية قصوى، فهناك مسائل أخرى مهمة، وهو قلب مستمعكم، ينبغي عليكم إصلاح وبناء وإرواء قلبه وروحه وفكره، وهذا ما يحتاج إلى جذور معنوية. نحن أيضاً لا بد أن نمتلك جوانب معنوية لكي نستطيع التأثير في المستمعين، وبدونها لا يمكن تحقق ذلك.

* المنطق في التبليغ‏
لا بد أن يشتمل هذا المخزون المعنوي على عنصري الفكر والمنطق. يجب أن لا يشتمل كلامنا ومنبرنا وتبليغنا العملية التبليغة التي نقوم بها على كلام هش، لا متانة له ولا ثبات. فليس من العيب أن نطرح بعض المطالب التي نجدها أحياناً في كتاب وليس لها سند، كأن تكون حكمة أو من المسائل الأخلاقية التي لا تحتاج إلى سند، إلا أنَّ العيب في أن نطرح مسألة بعيدة عن ذهن المستمع، ويصعب عليه فهمها؛ لأنّها سوف تبعده عن أصل المطلب، وتؤدي إلى التقليل من هيبة الدين والمُبلّغ في عقله وقلبه، ويعتقد أن هذا الأمر يفتقر إلى المنطق، في حال كون أساس عملنا هو المنطق. بناءً على ذلك، فإنَّ المنطق هو عنصر أساسي في التبليغ.

* التبليغ بالسلوك‏
عندما نذهب إلى المدينة أو القرية الفلانية، علينا أن نلاحظ سلوكنا، قيامنا وقعودنا، معاشرتنا، نظرنا وعبادتنا، تعلقنا بالملذات الدنيوية وأكلنا ونومنا، فهذه تعتبر أهم وسائل التبليغ، وهي إما أن تكون مع التبليغ أو ضده، فإذا كانت صحيحة تكون تبليغاً، وإذا كانت خاطئة تكون ضده. فكيف نتمكن من جعل قلوب الناس في الوسط الاجتماعي والحياتي تطمئن لكلامنا، والعمل على تقوية ثقتها بنا، ونحن نتكلم في ذم الانغماس في الشهوات الدنيوية، وذم التعلق بالمال والانهماك في طلب الملذات الدنيوية، في حين كوننا نعمل على خلاف ما نقول، لا سمح الله!؟ وكيف يمكن لهذا الكلام أن يؤثر في المستمعين إذا كان كذلك؟ فهو إما أن لا يؤثر أصلاً، أو يؤثر تأثيراً عابراً، أو يؤثر وفي الوقت الذي تنكشف فيه حقيقة أعمالنا، سوف يكون تأثيره معكوساً تماماً. وبناء على ذلك، فإنَّ العمل بما نقوله مهم جداً.

* أهمية المنبر
إنَّ لديَّ قناعة تامة بالمنبر. فمع انتشار شبكة المعلوماتية (الإنترنيت)، والفضائيات، والتلفاز، ووسائل الاتصال الأخرى بكثرة، إلا أنه ليس هناك وسيلة من هذه الوسائل تضاهي المنبر، فالمنبر يعني التكلّم وجهاً لوجه، وقلباً لقلب، وهذا له تأثير مباشر وممتاز، ليس له وجود في أي وسيلة من الوسائل الأخرى. فعلينا الحفاظ على المنبر، فهو أمر قيّم. غاية الأمر، يجب أن نتعامل معه بطريقة فنية من أجل أن يؤدي غرضه.

* بث روح الخوف والرجاء
سوف أتعرض كذلك إلى مسألة أخرى تتعلق بالعملية التبليغية: في أدعية الصحيفة السجادية، يقول الإمام السجاد عليه السلام في أحد الأدعية التي يناجي بها ربّه: "تفعل ذلك يا إلهي بِمَنْ خَوفه أكثر من رجائه لا أن يكون خوفه قنوطاً"، إنَّ خوفي أكثر من رجائي، لا أنني قنوط. هذا المعنى يمثل بياناً رسمياً وقانوناً، ولذلك يجب عليكم أن تنفثوا روح الرجاء والخوف في القلوب، على أن يكون الخوف أكثر من الرجاء. فمن الخطأ، عندما تتعرضون الى آيات الرحمة الإلهية حيث إنَّ بعض هذه الآيات مختص بمجموعة معينة من المؤمنين ولا يشمل الجميع أن تلقوها بصورة تؤدي إلى غفلة البعض فيتصوروا بسبب حالة معنوية واهمة أنها تشملهم، وأنهم قد وصلوا إلى أعلى درجات المعنوية، فيغفلون عن أداء واجبات الدين الضرورية عند التطبيق.

إنَّ البشارة في القرآن الكريم خاصة بالمؤمنين، أمّا الإنذار فهو للجميع، فالمؤمن والكافر هما محلٌّ للإنذار. كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبكي، فقال له أحدهم: يا رسول الله، إنَّ الله تعالى يقول: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (الفتح: 2)، فما هو سبب بكائك؟ قال: (ألا أكون عبداً شكوراً)؛ أي أنّه لو لم أشكر هذه المغفرة، سوف تنهار القواعد الأساسية لها، فلا بد أن يكون الإنذار هو المسيطر على قلوبنا وقلوب مستمعينا في جميع الأحوال.

* ثمار التبليغ‏
إنَّ العمل التبليغي، عمل عظيم، وهو عمل حساس ومؤثر، ونحن نرى اليوم بركات الجهود التبليغية التي بُذلت في السابق، وإن شاء الله سينتفع المجتمع من بركات هذه الأعمال التبليغية في المستقبل. إنَّ تأثير التبليغ ليس تأثيراً آنياً، بل بعيد الأمد، فعلى المُبلّغ أن لا ييأس عندما يرى بعض الظواهر التي توحي بأنها ليست من الدين. وإنَّ بعض الأوهام التي تدعي ابتعاد الشباب عن الدين هو ضرب من الحرب النفسية، فإنَّ واقع القضية هو على خلاف هذه الأوهام؛ لأنَّ شبابنا متعلقون بالدين وقلوبهم متعطشة للنهل من حقائقه، ولا بد من إرواء رغباتهم الروحية، وإشباعها من الحقائق الدينية. إنَّ ثمار هذا التبليغ سوف تأتي أكلها، وسوفَ يجني المجتمع ثمار هذه الأعمال التبليغية في المستقبل.
 


مقتطف من خطبة لسماحته خلال لقائه علماء الدين والمبلغين في 25-1- 2006م.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع