مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام الخامنئي: عناصر النهضة الحسينية


إنَّ قضية عاشوراء التي سوف أتحدث عنها بمقدار سطر من سجل كبير لم تكن واقعة تاريخية بحتة، بل هي ثقافة وحركة مستمرة، وقدوة خالدة للأمة الإسلامية. إنَّ الإمام الحسين عليه السلام إستطاع من خلال نهضته التي كان لها في ذلك الوقت باعث عقلائي ومنطقي واضح جداً أن يرسم نموذجاً ويتركه للأمة الإسلامية. إنَّ هذا النموذج لا يتمثّل في نيل الشهادة فحسب، بل إنه أمرٌ متداخل ومعقد وعميق جداً. إنَّ لنهضة الإمام الحسين عليه السلام ثلاثة عناصر هي: المنطق والعقل، والحماسة المشفوعة بالعزة، والعواطف.

* العنصر الأول: منطق النهضة الحسينية
إنّ عنصر المنطق والعقل في هذه النهضة يتجلّى من خلال كلمات ذلك العظيم، فكل فقرة من كلماته النورانية التي نطق بها عليه السلام سواء قبل نهضته، عندما كان في المدينة، وإلى يوم شهادته تُعرب عن منطق متين، خلاصته: إنّه عندما تتوفر الشروط المناسبة يتوجَّب على المسلم تحمّل المسؤولية، سواء أدّى ذلك الى مخاطر جسيمة أم لا. وإنَّ أعظم المخاطر يتمثل في تقديم الإنسان نفسه وأعزاءه وأهل بيته المقربين زوجته وأخواته وأولاده وبناته إلى أرض المعركة وفي معرض السبي قربة لله. إنَّ مواقف عاشوراء هذه أصبحت أمراً طبيعياً عندنا؛ لكثرة تكرراها، مع أنَّ كل موقف من هذه المواقف يهزّ الأعماق.

بناءً على ذلك، عندما تتوفر الشروط المتناسبة مع هذه المخاطر، فعلى الإنسان أن يؤدي وظيفته، وأن لا يمنعه عن إكمال مسيرته التعلق بالدنيا والمجاملات وطلب الملذات والخلود إلى الراحة الجسمانية، بل عليه أن يتحرّك لأداء وظيفته. فلو أنه تقاعس عن الحركة، نتج عن ذلك تزلزل في أركان إيمانه وإسلامه، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ولم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله". هذا هو المنطق، فلو أن أصل الدين تعرض إلى خطر كما حصل في فاجعة كربلاء ولم يُغيّر ذلك بقول أو فعل، كان حقاً على الله أن يبتلي الإنسان اللامبالي وغير الملتزم بما يُبتلى به العدو المستكبر والظالم. لقد بيّن الإمام الحسين عليه السلام هذه المسؤولية من خلال كلماته المختلفة، في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي أماكن كثيرة خلال مسيره، وبيّن ذلك في وصيته إلى أخيه محمد بن الحنفية.

لقد كان الإمام الحسين عليه السلام على علم بعاقبة هذا الأمر. وينبغي أن لا يُتصور أنَّ الإمام عليه السلام علّق آماله على الحصول على السلطة وإن كانت هذه السلطة من الأهداف المقدسة وتحرّك من أجل ذلك، كلا، فليست هناك رؤية فكرية تستوجب علينا أن نعتقد بذلك؛ لأنَّ عاقبة هذا الطريق متوقعة وواضحة على طبق الحسابات الدقيقة للإمام الحسين عليه السلام والرؤية الإمامية. إلا أنَّ أهمية المسألة تتأتى من هذا الجانب، وهو أنَّ شخصاً يمتلك روحاً بعظمة روح الإمام الحسين عليه السلام ويتعرض لِما تعرض له عليه السلام من التضحية بالنفس، وجرّها الى ساحة الحرب، يعتبر درساً عملياً بالنسبة للمسلمين الى يوم القيامة، وليس درساً نظرياً يُكتب على لوحة الكتابة ثم يُمحى. كلا، فقد خُطَّ هذا النهج بأمر إلهي على صفحات جبين التاريخ، ونودي به، وأدى ثماره إلى يومنا هذا.

إنّ نهضة الإمام الخميني قدس سره في محرم عام 1962م، إستُلهمت من ثمار التطبيق العملي لدرس عاشوراء، وكذلك في محرم 1978م استلهم إمامنا العزيز نهضته منها حيث قال: (لقد انتصر الدم على السيف). وأدّت هذه الحادثة التاريخية التي ليس لها نظير في التاريخ إلى انتصار الثورة الإسلامية. هذا ما تحقق في عصرنا، وأمام أعيننا. وإنَّ راية الفتح والظفر التي حملها الإمام الحسين عليه السلام ماثلة للشعوب على مرّ التاريخ، ولا بد أن تكون كذلك في المستقبل، وهو ما سوف يكون إن شاء الله تعالى. هذا جانب المنطق العقلائي والاستدلالي لحركة الإمام الحسين عليه السلام. بناءً على ذلك، فلا ينحصر تفسير نهضة الإمام الحسين عليه السلام على صعيد الجانب العاطفي، فهذا الجانب غير قادر على تفسير جوانب الواقعة لوحده.

* العنصر الثاني: الحماسة
أي أنَّ العملية الجهادية الملقاة على عاتقنا، يجب أن تقترن بالعزة الإسلامية؛ لأنَّ ﴿لِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وعلى المسلمين في نفس الوقت الذي يتحركون فيه نحو الهدف، ويتحمّلون فيه المسؤولية الجهادية، أن يحافظوا على عزّتهم وعزّة الإسلام، ولا بد أن يتحلّى الشخص بسمات الشموخ والعزة في أشد الأزمات. فلو أننا نظرنا إلى الصراعات السياسية والعسكرية المختلفة في تاريخنا المعاصر، سوف نجد حتى أولئك الذين كانوا يحملون السلاح ويواجهون الحرب بأبدانهم، يُعرِّضون أنفسهم أحياناً إلى مواقف الذلّة. إلا أنَّ هذه المسألة ليس لها وجود في فلسفة عاشوراء؛ فعندما يطلب الإمام الحسين عليه السلام أن يمهلوه ليلة واحدة، يطلبها من موقع العزّة، وفي الوقت الذي يقول فيه: (هل من ناصرٍ ينصرنا؟) يطلب النصرة يطلبها من موقع العزّة والاقتدار. وعندما تلتقي به الشخصيات المختلفة في الطريق بين المدينة والكوفة، ويتكلم معهم ويطلب النصرة من بعضهم، لم يكن ذلك من موقع الضعف وعدم القدرة، وهذا أحد العناصر البارزة في نهضة عاشوراء.

فينبغي أن يُطبّق عنصر الحماسة المشفوع بالعزّة في جميع الحركات الجهادية المدرجة في جدول أعمال سالكي طريق النهضة الحسينية، وأن تكون جميع الحركات الجهادية سواء كانت سياسية، أو إعلامية، أو المواقف التي تستدعي التضحية بالنفس منطلقة من موقف العزّة. أنظروا إلى شخص الإمام الخميني قدس سره في يوم عاشوراء عندما كان في المدرسة الفيضية: فقد كان رجل دين، ولم يكن يمتلك شيئاً من القوة العسكرية، أو أي شي‏ء من هذا القبيل، إلا أنّه كان يتمتع بشخصية لها من العزّة بحيث يركع العدو صاغراً لقوة بيانه، هذه هي مكانة العزّة. هكذا كان الإمام الخميني قدس سره في تلك الظروف، وحيداً فريداً، ليس له عدّة ولا عدد، إلا أنّه كان عزيزاً، وهذه هي شخصية إمامنا العظيم قدس سره. نشكر الله تعالى الذي جعلنا في زمان تمكنّا فيه من الرؤية العينية المباشرة لنموذجٍ عملي، لما كنَّا نردده ونقرأه ونسمعه كثيراً منذ سنوات عدَّة في واقعة كربلاء، وهذا النموذج هو إمامنا العظيم قدس سره.

* العنصر الثالث: العاطفة
أي أنّه قد أصبح للعاطفة دور مميز في نفس واقعة كربلاء وفي استمرارها، أدّى إلى إيجاد برزخٍ بين النهضة الحسينية والشيعية من جهة وبين النهضات الأخرى من جهة ثانية. فواقعة كربلاء ليست قضية جافة ومقتصرة على الاستدلال المنطقي فحسب، بل قضية اتّحد فيها الحب والعاطفة والشفقة والبكاء. إنَّ الجانب العاطفي جانب مهم؛ ولهذا أُمرنا بالبكاء والتباكي، وتفصيل جوانب الفاجعة. لقد كانت زينب الكبرى عليها السلام تخطب في الكوفة والشام خطباً منطقية، إلا أنها كانت في نفس الوقت تقيم مآتم العزاء. وقد كان الإمام السجاد عليه السلام بتلك القوة والصلابة ينزل كالصاعقة على رؤوس بني أمية عندما يصعد المنبر، إلا أنه كان يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.

إنَّ مجالس العزاء مستمرة إلى يومنا هذا، ولا بد أن تستمر إلى الأبد؛ لأجل استقطاب العواطف. فمن خلال أجواء العاطفة والمحبة والشفقة، يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق، التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء. إنَّ العناصر الثلاثة للنهضة الحسينية تعتبر من العناصر الأساسية لبناء هذه النهضة، إلا أن هذه الزاوية تمثّل لنا دروساً عمليةً كثيرةً.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع