مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آداب ومستحبات: المرض كفارة الذنوب

السيد سامي خضرا

 




الحمد لله رب العالمين الذي خلقني فهو يهديني، والذي هو يطعمني ويسقيني، وإذا مرضت فهو يشفيني. إذا كانت الحضارات والمفاهيم غير الإسلامية تعتبر المرض شراً ومصيبة على صاحبه، إلا أن الإسلام الحنيف يعتبر المرضَ من قضاء الله وقدره الذي هو تكفير للذنب، وتذكير بالآخرة، وإنابة ورجوع إلى الله تبارك وتعالى في حال الحاجة. ولنتذكر قول علي عليه السلام في نهج البلاغة مذكراً بضعف الإنسان:  "مسكين ابن آدم: مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقّة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة"(1).

* المرض عبادة
فالإسلام لا يعتبر المرض شراً محضاً، وإنما يعتبره نوعَ عبادة لله تعالى، ومغفرة للذنوب المتراكمة التي تتناثر بسرعة، عند الأوجاع. ونظر الإسلام نظرة فريدة إلى الأمراض، لم يصل إليها فيلسوف أو طبيب أو دين غيره أو حضارة. فقد اعتبر المرض عبادة، كما في رواية الباقرين عليهما السلام، التي ورد فيها: "سهر ليلة في مرض أو وجع، أفضل وأعظم أجراً من عبادة سنة"(2). وهذا الكلام موجه، بشكل خاص، إلى أحبائنا وأعزائنا من أصحاب الأمراض المزمنة، الذين نسألهم الدعاء لظنّـنا أنهم موطن للاجابة. فالمستحب أن نحتسب عند الله تبارك وتعالى كلّ ألم ووجع نحسّ به.

* إدامة الحمد والشكر لله
ومن الأدب، أن نديم الحمد لله والشكر له تعالى، حتى في أحلك الظروف، وعند اشتداد الأمراض علينا، وأن نكرّر ذلك ونقرنه بالشكر، تماماً كما عند صحة أبداننا... بل وربما نسهو عند صحة البدن وقوة الجسد، أو لا نخشع لله رب العالمين... فلنكن كمولانا زيـن العابدين عليه السلام الذي يناجي ربّه، في الدعاء الخامس عشر من أدعية الصحيفة المباركة، حيث يقول، عند نزول المرض أو البلاء: "اللهم لك الحمد على ما لم أزل أتصرف فيه من سلامة بدني، ولك الحمد على ما أحدثتَ بي من علة في جسدي، فما أدري يا إلهي أيُّ الحالين أحقُّ بالشكر لك، وأيُّ الوقتين أولى بالحمد لك.... أَوَقْتُ الصحة .....أم وقتُ العلّة التي محّصتني بها، تخفيفاً لِما ثقل على ظهري من الخطيئات، وتطهيراً لمـا انغمسـتُ فيـه مــن السيئـات، وتنبيهـاً لتنــاول التوبة..."

* المرض احتساب
ومن أدب المؤمن المحتسب، أن يتذكر النص المتقدم، ويتذكر أيضاً قول رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا يمرض مؤمن ولا مؤمنة، ولا مسلم ولا مسلمة، إلا حطَّ الله به خطيئته"(3). وذكر العلماء، أعلى الله مقامهم، أنه يستحب للمريض عدة أمور، منها: الصبر والشكر لله تعالى. ونستحضر النصوص التي تتحدث عن ثواب المريض، فإذا تذكّرها، شكر الله وصبر... روي، في فروع الكافي، أن رسول الله صلى الله عليه وآله رفع رأسه إلى السماء، فتبسّم، فقيل له: يا رسول الله، رأيناك رفعت رأسك إلى السماء فتبسّمت! قال: نعم، عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض، يلتمسان عبداً مؤمناً صالحاً، في مصلّى كان يصلي فيه، ليكتبا له عملَه في يومه وليلته، فلم يجداه في مصلاه، فعرجا إلى السماء فقالا: ربّنا، عبدك المؤمن فلان، التمسناه في مصلاه، لنكتب له عملَه ليومه وليلته، فلم نُصبْه، فوجدناه في حبالك، فقال الله عز وجل: اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحته من الخير في يومه وليلته، ما دام في حبالي، فإنّ عليّ أن أكتب له أجر ما كان يعمله في صحته، إذا حبسته عنه(4). وروي عنه صلى الله عليه وآله قوله: "عجبت من المؤمن وجزعه من السّقم، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب، لأحبّ أن لا يزال سقيماً حتى يلقى ربّه عز وجل"(5).

* عيادة المريض
ومن المستحبات المشهورة عيادة المريض. فالمريض يعيش، إضافة لألمه، الشدّة والوحدة والمشقة، حيث إن الألم، وإن كان في بعض الأحيان قليلاً، لكنّـه ذو آثار نفسية تترك بصماتها على أصحابها. روي أنّ أموراً، القليل منها كثير: "النار، القليل منها كثير..... والمرض، القليل منه كثير.... والعداوة، القليل منها كثير"(6). وذكر العلماء، شملهم الله برحمته الواسعة، مستحبات وآداباً مؤكدة لعيادة المريض. وفي بعض الأخبار، أن عيادته عيادة لله تعالى. فإنه تبارك وتعالى حاضر عند المريض المؤمن، ولا فرق بين أن تكون في الليل أو النهار، بل يستحب في الصبـاح والمسـاء، ولا يشتـرط فيها الجلوس... وأن يسأله: كيف أنت؟ كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ ومن آداب العيادة، أن يجلس عنده، ولكن لا يطيل الجلوس، إلا إذا طلب المريض ذلـك. فقد روي عن علي عليه السلام قوله: "إن من أعظم العوّاد أجراً عند الله، لمن إذا عاد أخاه خفّف الجلوس، إلا أن يكون المريض يحب ذلك، ويريده ويسأله ذلك"(7). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله "أعظم العيادة أجراً أخفـّها"(8). ويستحب أن يضع إحدى يديه على يد المريض، أو على جبهته، عند جلوسه عنده. وفي هذا، روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: "من تمام العيادة، أن يضع العائد إحدى يديه على يدي المريض، أو جبهته"(9). ويستحب الدعاء للمريض بالشفاء، وأن يضع الزائر يده على ذراع المريض ويقول: "اللهم اشفه بشفائك، وداوه بدوائك، وعافه من بلائك"(10).

كما يستحب حمل هدية له، من أي صنف كانت، خاصة الفاكهة، مما يفرحه ويريحه. فالإمام الباقر عليه السلام يسأل بعض مواليه، وقد شاهدهم في الطريق، فقال لهم: أين تريدون؟ فقالوا: نريد أن نزور فلاناً المريض، فسألهم، هل يحملون تفاحاً أو سفرجلاً أو طِيباً أو بخوراً، فقالوا: لا، فقال عليه السلام: "أما تعلمون أن المريض يستريح إلى كل ما دخل به عليه؟"(11). ويستحب أيضاً، أن يقرأ عليه فاتحة الكتاب سبعين مرة، أو أربعين مرة، أو سبع مرات أو مرة واحدة، فعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "لو قرئت الحمد على ميت سبعين مرة، ثم ردّت فيه الروح، ما كان عجباً"(12). وجاء في الحديث: "ما قرىء الحمد على وجع سبعين مرة، إلا سكن بإذن الله، وإن شئتم فجرّبوا ولا تشكوا"(13). وعن الصادق عليه السلام: "من نالته علة، فليقرأ في جيبه الحمد سبعين مرة (أي في ثوبه)، ثم ينفضه"(14). فالحمد لله الذي ينزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة ولا يزيد الظالمين إلا خساراً. 

ومن الآداب أن لا نأكل عند المريض ما يضره وما يشتهيه، ويستحب أن لا يفعل عنده ما يغيظه، أو يضيّق خلقه. ومن المستحب، أن يلتمس منه الدعاء، فإنه ممن يستجاب دعاؤه، فعن الصادق عليه السلام قال: "إذا دخل أحدكم على أخيه عائداً له، فليدع له، وليطلب منه الدعاء، فإنّ دعاءه مثل دعاء الملائكة"(15).  وعنه عليه السلام قال: "من عاد مريضاً في الله، لم يسأل المريض للعائد شيئاً إلا استجاب الله له"(16). وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه عندما قام من زيارة سلمان في حال مرضه قال: "يا سلمان، كشف الله ضرّك، وغفر ذنبك، وحفظك في دينك وبدنك إلى منتهى أجلك... يا سلمان، إن لك في علتك ثلاث خصال: أنت قريب من الله بذكره، ودعاؤك مستجاب، ولا تدع العلة عليك ذنباً إلا حطته، متعك الله بالعافية إلى إنقضاء أجلك"(17).


(1) ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص224.
(2) الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص114.
(3)ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص2884.
(4) الكافي، الكليني، ج3، ص113.
(5) بحار الأنوار، المجلسي، ج78، ص206.
(6) المصدر السابق، ج56، ص329.
(7) ن.م، ج78، ص214.
(8) ميزان الحكمة، ج4، ص2888.
(9) الكافي، ج63، ص118.
(10) بحار الأنوار، ج78، ص224.
(11) ن.م، ص227.
(12) ن.م، ج89، ص257.
(13) ن.م، ج92، ص148.
(14) ن.م، ص65.
(15) الكافي، ج63، ص117.
(16) بحار الأنوار، ج78، ص217.
(17) بحار الأنوار، ج78، ص224.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع