أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قرآنيات: لا تقولوا راعنا

الشيخ موسى خشّاب

 



قال الله تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف: 2). القرآن الكريم كتاب الهداية للبشرية جمعاء، وهو نور من الله سبحانه وتعالى. فمن قرأ القران وتدبر آياته، يكون قد فتح طريق الهداية إلى قلبه. وقد يمر الواحد منا على بعض الآيات ولا يتدبر فيها، مما يحرمنا من هذه الهداية، مع أننا نكون قد قرأناه لعشرات السنين. ولذلك تم اختيار عدة آيات كريمة في هذا المقام للتدبر فيها واستلهام بعض الفوائد العملية منها، عسى أن يوفقنا الله تعالى للعمل بها في الدنيا وللاستضاءة بنورها في الآخرة. قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (البقرة: 104).

والآية كما ترى تنهى المؤمنين عن قول "راعنا" للنبي صلى الله عليه وآله، و تأمرهم بقول "انظرنا" بدل "راعنا" ثم تأمرهم بالاستماع، وتختم بالقول: (للكافرين عذاب أليم).  وقصة الآية أنه كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتلو القرآن ويبلغ الآيات التي أمره الله تعالى بإبلاغها للناس، فكان المؤمنون يستمهلون رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يفهموا ما يقول، وكانوا يقولون له "راعنا يا رسول الله" أي "أفهمنا" وكانت هذه الكلمة في لغة اليهود تعتبر شتيمة وتعني "إنك تسمع غير مسمع" أي "أسمع لا أسمعت" كأنك تقول لشخص إن كلامك الذي تقول يذهب أدراج الرياح وإنك تتكلم مع من لا يستمع إليك. قال الله تعالى: ﴿منَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (النساء: 46 ).  فكان اليهود يقولون للنبي "راعنا" ويقصدون منها ما في لغتهم لا ما في لغة العرب أي أن الظاهر فيها "أمهلنا" وأما المقصود "اسمع غير مسمع"، فكانوا يظهرون التأدب معه ويخفون الشتيمة، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يقولوا "انظرنا" بدل "راعنا"، وأمرهم بالاستماع بعد أمرهم بقول "انظرنا"، ثم هددهم بالقول و"للكافرين عذاب أليم". فائدة عملية: ونستفيد من هذه الآية الكريمة عدة استفادات عملية منها :

-ضرورة الوعي: فمن الضروري أن يتحلى المؤمنون بالوعي والحنكة، ولا يقوموا ببعض الأمور التي يستفيد منها الأعداء للاستهزاء بالنبي أو بالدين، ويميزوا الكلام أو الفعل الذي ينطوي على مؤامرة أو خديعة وإن كان ظاهره حسناً. وقد وردت روايات عدة تصف المؤمن بأنه "كيّس فطن"، فالأعداء يُلبسون أفعالهم لباس الدين ويتآمرون على الإسلام بشتى الأشكال بالسر والعلن. وينبغي للمؤمنين أن يكتشفوا هذه المؤامرات من خلال وعيهم وسهرهم الدائم على مصلحة الدين. وقد ابتلي الإسلام عبر تاريخه بمن لا يرى بُعد الأمور وباطنها، وأدى الأمر إلى نكبات حلت بالإسلام والمسلمين، كأمثال الخوارج الذين خُدعوا بحيلة عمرو بن العاص في معركة صفين عندما أشار على معاوية برفع المصاحف على الرماح، قائلين "إنِ الحكم إلا لله" وأجبروا الإمام على وقف المعركة بعد أن كان النصر قاب قوسين، وألزموه قبول التحكيم، ثم كفروه لأنه قَبِل بالتحكيم، فتغير مسار الأمور كلياً وجرت الويلات على الإسلام وأهله.

-التأدب في حضرة الولي: فقد ركز الإسلام كثيراً على احترام مقام النبي وعدم أذيته في العديد من الآيات فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (الحجرات: 7). فالإسلام يفرض نوع معاملة خاصة للنبي، وهو وإن كان يشدد على وجوب احترام الآخرين إلا أن الأمر يصبح أكثر تأكيداً في حضرة المعصوم. وهذا الأمر نابع من معرفة المعصوم التي يؤدي عدمها إلى أن يموت الإنسان على الجاهلية. وقد كان البعض يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين من خلال ترك التأدب في حضرتهم. 

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (الحجرات: 4). فالإسلام قد ذكر الكثير من الآداب التي ينبغي على المؤمنين رعايتها في حضرة الولي في حياته، وكذلك أثناء زيارة المشاهد المباركة، ليؤكد على حرمة مقام المقربين من الله تعالى حتى بعد وفاتهم. والغاية من هذا الاحترام هي التعظيم الذي يؤدي بالإنسان إلى الاقتداء والتأسي بهم عليهم السلام لأن الإنسان يحبّ أن يقتدي بالعظماء بشكل فطري. 

جعلنا الله وإياكم من الذين يتدبرون القرآن الكريم ويعملون به حتى يصبح خلقنا القرآن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع