أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

عقبات تفكّك عُرى الأخوَّة

أميرة برغل



لقد وردت العشرات من الأحاديث التي تتحدث عن حقوق الأخوان، نكتفي، في هذه المقالة، بذكر أدناها، كما ورد على لسان الصادق عليه السلام إذ سُئل: ما أدنى حق المؤمن على أخيه؟ فقال عليه السلام: "أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه"(1).

انطلاقاً من هذه المقدمة، يتبين لنا مقدار ما يجب على المؤمنين الاهتمام به من تأدية حقوق الأخوان وعدم التفريط بها. ويتبين لنا أيضاً، مدى السعي الذي يجب علينا بذله من أجل تذليل كل ما يعيق تنمية هذه المشاعر وتأدية هذه الحقوق. فما هي المعوقات التي يمكن أن تقف حائلا ًدون تحقيق الأخوّة؟؟  من خلال تتبُّع الأحاديث الحاكية عن الأخوة وما يقوّي أواصرها أو يفسدها، نستطيع الخلوص إلى أن أهم معوقات الأخوة أمران:
الأول: يتعلق بالدوافع.
والثاني: يتعلق بالسلوك.


المعوِّق الأول
ونبدأ بالمعوِّق الأول وهو في منشأ دوافع علاقتنا بالإخوان ومودتنا لهم. هل هي من أجل مصالح شخصية ومادية؟ أم في سبيل الله؟!! فعن علي عليه السلام: "كل مودة مبنية على غير ذات الله سبحانه، ضلال ، والاعتماد عليها محال" إذ إن "الناس إخوان، فمن كانت أخوته في غير ذات الله، فهي عداوة. وذلك قول عز وجل ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ"(2). 

وتعليل ذلك، أن المودة تدوم بدوام سببها، فمن كانت مودته في الله، فهي دائمة لدوام سببها، أما من كانت مودته لمطمع معين، فإنها منقطعة لا محالة. عن علي عليه السلام: "كل إخاء منقطع إلاَّ إخاء كان على غير الطمع"(3). وعنه عليه السلام: "مودة أبناء الدنيا تزول لأدنى عارض"(4). ومن هنا، تتضح لنا العلاقة بين حقيقة الإيمان ومستوى الأخوَّة، ويتيبن لنا أيضاً عظيم الفارق بين علاقات الأخوة المعقودة انطلاقاً من الالتزام بالتعاليم الإلهية وتلك التي أسست تجاوباً مع شعارات جوفاء رفعت بمعزل عن الله، كالتي رفعت في الثورة الفرنسية(5) وغيرها.  فالأولى أنتجت أنماطاً سامية من العلاقات البشرية، كالتي سادت بين الأنصار والمهاجرين في المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وآله إليها، أو تلك التي رأيناها بين أصحاب الحسين عليه السلام في كربلاء. أما الثانية، فقد ولَّدت الكثير من الصدمات والمآسي والحروب وانتهت الى روح فردية ومادية مفرطة، حكمت العلاقات بين الغالبية العظمى من الناس في المجتمعات التي فصلت بين الدين والدولة، الشرقية والغربية منها على حدٍّ سواء.

المعوّق الثاني:
أما المعوّق الثاني، فهو متعلق بسلوكنا الأخلاقي. عن الصادق عليه السلام: "تحتاج الأخوة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء، فإن إستعملوها وإلاَّ تباينوا وتباغضوا، وهي التناصف والتراحم ونفي الحسد"(6). فهناك ثلاثة محكات أخلاقية إن جانبها الإنسان، لم يمكنه إيفاء الإخوان حقوقهم وفَقَد مودتهم.

المحك الأول: التناصف
والتناصف لغة يعني إعطاء حق الآخر كاملاً(7)، ومن أشكاله العدل في الحكم والعطاء وأسلوب التعامل بين من نعرفهم من الإخوة، وإنصاف الإخوان من أنفسنا، فنرى الأمور بكلتا العينين لا بعين واحدة. عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الإنصاف يرفع الخلاف ويوجب الائتلاف" – "الإنصاف يستديم المحبة" – "الإنصاف يتألّف القلوب"(8).  أما لماذا كان التناصف محكاً فلأن مجانبة الإنصاف وقوع في الظلم لا محالة وثمرة الظلم الشقاق، والشقاق إسفين يدق في نعش الأخوة، يقول تعالى: ﴿وإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (الحج: 53). ويقتضي التناصف من الفرد أن يكون في غاية من الدقة والموضوعية في كل حركاته وسكناته، فكيف يتحقق ذلك؟؟

أما المحك الثاني: فهو التراحم.
والتراحم لغة من الرحمة(9)، والرحمة: رقة القلب وانعطاف يقتضي المغفرة والإحسان(10)، وعكسها الغلظة والجفاء، وكلاهما يفسد عسل الأخوة. عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الجفاء يفسد الإخاء" و "إياك والجفاء، فإنه يفسد الإخاء ويمقت إلى الله والى الناس"(11). والتعامل مع الناس على أساس الرحمة والإحسان لا على أساس العدل والاقتصاص، يقتضي رقة قلب وحسن ظن بالآخرين... فكم منا من يتحلى بذلك؟!

أما المحك الثالث: فهو نفي الحسد
والحسد لغة تمني زوال النعمة عن الآخرين وتحولها إلينا(12). عن علي عليه السلام:"الحاسد لا يشفيه الاَّ زوال النعمة"(13).  وللحاسد بحسب قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام ثلاث علامات، فهو "يغتاب إذا غاب ويتملّق إذا شهد ويشمت بالمصيبة"(14). والبواعث على الحسد كثيرة، أهمها حب الأنا والجشع وشدة التعلق بمتاع الدنيا الزائل، وقد تكون له أسباب أخرى نفس مرضية لسنا بصددها. ومما لاشك فيه، فإن الحسد مقوِّض أساسي للأخوة. عن علي عليه السلام: "الحسود لا خلال له" و "بئس الرفيق الحسود"(15). أما نفي الحسد، فيقتضي: نفساً قنوعة راضية بما قسم الله، مؤمنة بعدله وحكمته... فكم منا من يمتلك ذلك؟؟  إن الواقع العملي يدل على أن الإيمان النظري بالله عز وجل والرغبة الصادقة في مؤاخاة المؤمنين في الله عز وجل غير كافيين وحدهما لضمان دوام انعقاد الأخوة. لذا، فإن ندب الناس للأخوة الحقَّة لا بد أن يترافق مع عمل ثقافي وتربوي وإعلامي مدروس وحثيث.
-ثقافي:- لايتوقف عند تثبيت الاعتقاد بالله والإيمان بالغيب، بل يتعداه الى بناء التوحيد الصفاتي والأفعالي.
- ولا يحصر معايير التدين في بعض الأمور الشكلية في العبادات، كإقامة الصلاة أو ارتداء أنواع معينة من الثياب، بل يبرِّز المعايير الأهم، تلك المتعلقة بالمعاملات وكيفية التعامل الأخلاقي مع الأهل والأرحام والأخوان.
-تربوي: يسعى لبناء النمو الأخلاقي السليم لدى الناشئة، وهو أمرٌ يحتاج من المربين، أولياء أمور ومعلمين، لعمل دؤوب ومتناسب مع كل مرحلة عمرية، يبدأ ببناء العادات الأخلاقية السليمة وينتهي بالقدرة على ضبط الذات وانتخاب الفعل الأخلاقي السليم بيسر وسهولة.
-إعلامي: يقدم بشكل مؤثر ومحبب النموذج الأسوة، ذلك الإنسان المسؤول الخلوق، الذي يصلح لكي يتماهى فيه شبابنا وفتياننا، ويروِّج له بكل الوسائل الإعلامية الممكنة.

فعلى المهتمين بالأخلاق والتريبة أن يدركوا:
أن الإنسان لا يرث سلوكاً، بل إن السلوك الذي يختاره هو محصلة ما يحمله من مفاهيم وما مر به من تجارب وما رآه حوله من نماذج. وأن السلوك الأخلاقي لا يكتسب بالوعظ والإرشاد فقط، بل بحاجة لتعليم وتدريب وتحفيز. وأن السلوك الأخلاقي لا يكتسب دفعة واحدة، بل يمر في مراحل متتابعة كل واحدة تمهد للأخرى، ومن لم يمر بالأدنى لا يصل إلى الأعلى.  وأن الإنسان، أخيراً، هو ابن بيئته، متأثر بها ومؤثرٌ فيها، وعلى المجتمع أن يعزز السلوك الحسن ويطفىء السلوك السّيئ، فكيف إذا كان واقع الأمر عكس ذلك....؟! فالمنصف يتهم بالغباء، والمتعاطف بالبساطة، والحسود بالشطارة والذكاء....! فهلاَّ أمرنا بالعدل والإحسان وتناهينا عن الفحشاء والمنكر والبغي، لنكون من المفلحين الممهدين لقيام حكومة العدل الإلهية على وجه الأرض، كل الأرض؟!


(1) ميزان الحكمة،ج2، الحقوق باب: 909.
(2) ميزان الحكمة،ج1، الأخ باب: 39.
(3) (4) ميزان الحكمة،ج1، الأخ باب: 40.
(5) رفعت الثورة الفرنسية بعد الإسلام بأكثر من عشرة قرون شعار الحرية والإخاء والمساواة.
(6) ميزان الحكمة، ج1، الأخ باب: 37.
(7) في المنجد انتصف من فلان: طلب الإنصاف من فلان أي استوفى حقه منه كاملاً.( مادة نَصَفَ)
(8) ميزان الحكمة، ج 10، الإنصاف باب: 3874.
(9) في المنجد: تراحم القوم: رحم بعضهم بعضاً (مادة رَحَمَ).
(10) ن. م استرحمه: استعطفه.
(11) ميزان الحكمة، ج1، الأخ باب: 41.
(12) في المنجد: حسد فلاناً: تمنى زوال نعمته وتحولها إليه. ( مادة حَسَدَ )
(13) ميزان الحكمة، ج2، الحسد باب: 846.
(14) ميزان الحكمة، ج2، الحسد باب: 854.
(15) ميزان الحكمة، ج2، الحسد باب: 848.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع