إعداد: نبيلة حمزي
الوسواس القهري هو نوع من التفكير المتسلط وغير المعقول وغير المفيد الذي يفرض نفسه على المريض ويلازمه دائماً ويحتل جزءاً من الوعي والشعور مع اقتناع المريض بسخافة هذا التفكير، مثل تكرار ترديد جمل أو أفكار أو أفعال أو حتى تكرار نغمة موسيقية تقطع عليه تفكيره. وقد يقول البعض إن الأفكار التي ينشغل بها المصاب عادية، لكن الوسواس القهري يتدخل ويؤثر في حياة الفرد وأعماله الاعتيادية، وقد يعيقه عن العمل. وقد يصيب هذا المرض بحسب الإحصاءات 2% من الأشخاص بشكل متساو بين الذكور والإناث.
* مرض وراثي أم مكتسب؟
بعض الأشخاص يكون لديه الاستعداد الوراثي لمرض الوسواس القهري، ولكن مثل هذا الاستعداد لا يعبر عن نفسه دائماً... أي، لا يؤدي إلى ظهور المرض. وفي بعض الأحيان، يتم ظهور أعراض الوسواس القهري بسبب حادثة وتوتر نفسي شديد، ولكن لا بد من أن يكون للمرء ميل مسبق لمرض الوسواس القهري لكي يصاب بهذا المرض.
* أسبابه:
لا يوجد سبب واحد لمرض الوسواس القهري، لكن الأبحاث تشير إلى أن هذا المرض يتضمن مشكلات في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ (المسؤول عن الإحساس بالخوف والخطر) والتركيبات الأكثر عمقاً (العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار). وتستخدم هذه التركيبات الدماغية الناقل العصبي الكيميائي الـ Serotonin. ويُعتقد أن مرض الوسواس القهري يرتبط بنقص في مستوى الـ Serotonin بشكل أساسي. هذه المادة تنقص فجأة في الدماغ، وذلك نتيجة حادثة أو صدمة معينة مر بها المصاب.
* سن الإصابة بالمرض:
يمكن أن يبدأ مرض الوسواس القهري في أي سن حتى في الطفولة، فالإنسان معرض في كافة مراحل حياته للإصابةٍ بهذا المرض.
* التصرفات السلوكية:
الأعراض والتصرفات السلوكية المرتبطة بمرض الوسواس القهري مختلفة وواسعة المجال. والشيء الذي يعتبر مشتركاً بين هذه الأعراض هو السلوك العام غير المرغوب فيه أو الأفكار التي تحدث غالباً بشكل متكرر عدة مرات في اليوم. وإذا استمرت الأعراض بدون علاج، فقد تتطور إلى درجة أنها تستغرق جميع ساعات الصحو الخاصة بالمريض. بعض الأعراض والتصرفات قد يشمل الآتي:
ـ التأكد من الأشياء مرات ومرات، مثل التأكد من إغلاق الأبواب.
ـ القيام بعمليات الحساب بشكل مستمر في "السر" أو في العلن.
ـ تكرار القيام بشيء ما عدداً معيناً من المرات، وأحد الأمثلة تكرار الوضوء والصلاة (الشك في الصلاة له أحكام، وإذا كثر الشك في الصلاة فلا اعتبار له).
ـ ترتيب الأشياء بشكل غاية في التنظيم والدقة إلى درجة الوسوسة.
ـ الصور التي تظهر في الدماغ وتعلق في الذهن ساعات طويلة، وعادة ما تكون هذه الصور ذات طبيعة مقلقة.
ـ الكلمات أو الجمل غير ذات المعنى التي تتكرر بشكل مستمر في رأس الشخص.
ـ الخوف الزائد عن الحد من العدوى، كما الخوف من لمس الأشياء العادية بسبب أنها تحتوي جراثيم.
* طريقة العلاج:
والعلاج يكون من خلال طريقتين:
الأولى: العلاج بالأدوية.
الثانية: الجلسات النفسية (العلاج النفسي).
العلاج بالأدوية: وذلك عن طريق إعطاء المريض أدوية تحتوي على مادة Serotonin الذي يقوم بزيادة نسبة مادة Serotonin في الدماغ فيستعيد نشاطه، وقد تحتاج عملية التحسن لمدة تتراوح بين أسبوعين و12 أسبوعاً، ومن المهم إدخال العلاج تدريجياً على الجسم وإخراجه تدريجياً منه.
العلاج النفسي وينقسم إلى نوعين:
أ- العلاج التدعيمي: حيث يحتاج المريض إلى التشجيع وإلى الإحساس بأن هناك من يستمع إلى شكواه ويطمئنه ويواسيه.
ب- التحليل النفسي: يهدف التحليل النفسي في الوسواس القهري إلى إراحة المريض، فيفرجُ عن مكنونات عقله الباطني، وتُعرَف عندها أسباب حدوث المرض.
ومساعدة الأهل هنا مهمة جداً في العلاج وتكون بـ:
ـ إرسال المريض إلى الطبيب النفسي المختص ومواكبته في العلاج.
ـ مساندة المريض، كالحديث معه والاستماع إلى ما يقول وعدم الانفعال أو الاستغراب عند الإخبار عن أفكاره.
ـ عدم الانفعال لغضبه وترْكه ينفس عن نفسه.
ـ عدم استعجال نتيجة العلاج من قبل الأهل، وعدم أخذ المريض عند أكثر من طبيب.
ـ عدم الانفعال إذا تراجعت حالة المريض، لأن هذا الأمر طبيعي في فترة العلاج.
ـ مساعدة المريض على الاهتمام بأمور أخرى. مثلاً: القيام بنشاطات رياضية، مشي، سباحة...
ـ مساعدة المريض على إيجاد حلول لأسئلته إذا أمكن، وإذا لم يمكن ذلك فيتم العمل على إقناعه بشكل هادئ بالأفكار الصائبة، لأن المريض على التكرار يستطيع أن يتخلى عن مرضه.
ـ تذكيره بالأمور الإيجابية في شخصيته واللحظات الجميلة التي أمضاها في حياته.
* نصائح للمريض:
ـ مقاومة الأفكار قدر المستطاع ومحاولة عدم الاهتمام بها، مع المداومة على قراءة القرآن، والتوسل إلى الله سبحانه وتعالى، والاستعاذة دائماً بالله من الشيطان الرجيم.
ـ الإنشغال بالأعمال المفضلّة لملأ وقت الفراغ.
ـ القيام بنشاطات رياضية وترفيهية.
ـ محاولة تغيير مكان العمل أو العمل إذا كانا سبب الوسواس.
ـ محاولة الاسترخاء وعدم التوتر.
ـ تذكُّر الأيام الجميلة.
ـ تذكُّر الإنجازات العظيمة التي قام بها...
ـ عدم الخوف من المرض والإعلان عنه وعدم الصمت أبداً.
إن الإيمان بالله سبحانه وتعالى والثقة به أساس الشفاء دائماً، خصوصاً في مثل هذه الأمراض، لأن المرض يحتاج إلى علاج طويل الأمد. ومن الأساسيات التي يجب التأكد عليها هي أن الطبيب، بيئة المريض، والمريض (الذي يلعب دوراً ريادياً) يشكلون حلقة متكاملة للتخلص من هذا المرض.