الشيخ علي حجازي
- مقدّمة:
تكثر الوصايا التي تخالف شرع الإسلام؛ ولذا، لا بدّ من طرح موضوع الوصيّة؛ ليميّز المؤمن بين الإيصاء المشروع وغير المشروع.
ـ الواجبات الماليّة:
إذا مات إنسان وكان له تركة، يجب أوّلاً إخراج الواجبات الماليّة من أصل التركة، ولا تنفّذ الوصيّة في غير الواجبات الماليّة، ولا يوزّع الإرث إلاّ بعد إخراج الواجبات الماليّة أوّلاً. ومن الواجبات الماليّة:
1 مهر الزوجة المؤجّل (إن وجد).
2 الديون المشغولة بها ذمّة الميّت.
3 الكفّارات.
4 الخمس.
5 الزكاة.
6 ردُّ المظالم.
7 الحجّ. وما شاكل ذلك.
إذا دُفعت الواجبات الماليّة من التركة فإن لم يبق شيء فلا وصيّة ولا إرث، وإن بقي شيء تنفّذ الوصيّة كخطوة ثانية.
ـ الوصيّة:
يجب تنفيذ الوصيّة بعد إخراج الواجبات الماليّة مع بقاء المال، وهنا أمور:
الأوّل: تنفّذ الوصيّة من ثلث المال الباقي، ويكون ثلثا الباقي للورثة، فالمال الباقي يقسّم إلى ثلاث حصص متساوية، حصّة للوصيّة (الثلث)، وحصّتان للإرث.
الثاني: إن كانت الوصيّة بمقدار الثلث تنفّذ بالكامل، ولا يأخذ الورثة شيئاً من الثلث، وإن بقي شيء من الثلث يوزّع على الورثة.
الثالث: إن لم يكفِ الثلث لتنفيذ الوصيّة، بل احتاج التنفيذ إلى جزء من الثلثين، ففي هذه الحالة لا يجب تنفيذ الوصيّة.
ـ حصص الورثة:
يستحقّ الورثة ثلثي ما تبقّى من التركة بعد إخراج الواجبات الماليّة، ويوزّع الثلثان بينهم بحسب النصّ الشرعيّ، ولا يصحّ الإيصاء بالثلثين بما يتنافى مع النصّ الشرعيّ. ولو أوصى الميّت بأكثر من الثلث، فما زاد عن الثلث له صورتان:
الأولى: إن لم يرضَ الورثة بالتنفيذ من حصصهم فلا تنفّذ الوصيّة من الثلثين، ولا يجوز إكراه الورثة على التنفيذ.
الثانية: إن رضي الورثة بتنفيذ الوصيّة من الثلثين، فيجوز التنفيذ من حصة الوارث الذي تجتمع فيه الشروط التالية:
1 أن يكون بالغاً.
2 أن يكون عاقلاً.
3 أن يكون راشداً.
4 أن لا يحكم بإفلاسه.
فإذا كان الوارث صغيراً أو مجنوناً أو سفيهاً (غير راشد) أو محجوراً عليه بسبب الفلس، فلا يجوز تنفيذ الوصيّة الزائدة عن الثلث من حصّته، ويتمّ التنفيذ من مال الكاملين فقط.
ـ اعتراض الورثة:
لو أوصى بمقدار ثلث التركة أو أقلّ من ذلك فلا مبرّر لاعتراض الورثة، بل يجب عليهم العمل وفقاً للوصيّة، حتّى لو كانت الوصيّة لغير أقاربه.
ـ الوصيّة بين الحقّ والواجب:
إذا ظهرت للإنسان أمارات الموت يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس (إن وجدت عنده) من الودائع والبضائع ونحوها إلى أصحابها. وكذا، يجب عليه أداء كلّ ما عليه للناس إلاّ الديون المؤجّلة. وكذا يجب أداء ما عليه من الواجبات للخالق تبارك وتعالى ـ، كقضاء الصلوات والصيام والكفّارات وغيرها. وإن لم يتمكّن من الإيصال إلى الناس، ولم يتمكّن من الإتيان بالواجبات بنفسه وجب عليه أن يوصي بذلك، وأن يُشهد على الوصيّة. نعم، إذا كان يطمئنّ بأنّ خلفاءه سيؤدّون كلّ شيء فلا يجب عليه الإيصال والإيصاء، ومع ذلك، فالأحوط استحباباً الإيصال أو الإيصاء.
ب حقّ الإنسان بالوصيّة:
يحقّ للإنسان أن يوصي بما شاء من الصلاة والصيام، ومكان الدفن، والكفّارات، وبذل مال لأشخاص، وغير ذلك. نعم، الواجبات الماليّة من أصل المال، وأمّا ما سوى ذلك يكون من الثلث فقط ـ، فلو أوصى بشيء وجب العمل بوصيّته، ولا يجوز مخالفتها، فلو أوصى بأن يدفن في مكان ما وجب تنفيذ ذلك مع الإمكان، أو أوصى بملكٍ ما لشخص وجب التنفيذ إن كان الملك من الثلث، وهكذا، فلا بدّ من العمل بما أوصى به ضمن الضوابط الشرعيّة.
ـ واجبات ماليّة بدون إيصاء:
لو ثبت بحجّة شرعيّة أنّ على الميت ديوناً للناس، أو ديوناً ماليّة لله تعالى، كالخمس والزكاة والكفارات والحجّ، وجب على الورثة إخراج تمام ديونه من أصل التركة، سواء أوصى الميّت بذلك أو لم يوصِ.
ـ توزيع الأملاك حال الحياة:
يجوز للإنسان أن يتصرّف بماله حال حياته بما يشاء ضمن الضوابط الشرعيّة، ولا يجوز منعه من ذلك. نعم ينصح هذا الإنسان بأن لا يغفل عياله والمحيطين به.
ـ التراجع عن الوصيّة:
الوصيّة جائزة وليست لازمة، وهذا يعني أنّه يجوز للإنسان أن يُلغي الوصيّة قبل موته ما دام حيّاً سليم العقل، كما ويجوز له تبديلها، ولو وجدت عدّة وصايا يُعمل بآخر وصيّة.
ـ الوصيّة بالوقف:
إذا أوصى إنسان بوقف بعض أملاكه، فإن كان الموقوف من ضمن ثلث التركة صحّ الإيصاء، ويصير الموصى به وقفاً. وإن زاد عن الثلث صحّ الوقف بمقدار الثلث، وبطل بما زاد، إلاّ إذا أجاز الورثة، وكانوا أهلاً للإجازة (كاملين).
ـ الوصيّة لبعض الورثة:
يجوز أن يوصي بالثلث لبعض الورثة، فيجوز مثلاً أن يوصي لزوجته بعقار، أو بيت، كما ويجوز أن يوصي لابنه وابنته، وغيرهم. فإذا أوصى لوارث صحّت الوصيّة، ويبقى لهذا الوارث حقّ في أن يأخذ حصّته كاملة من الثلثين.
ـ بطلان الوصيّة:
إذا بطلت الوصيّة (كما لو أوصى إلى شخص فمات قبل الموصي) يوزّع المال على الورثة.