تحقيق: نانسي عمر
يشارك الإنسان في حياته اليومية في عدد من المجالس في أماكن مختلفة, قد تكون داخل منزله أو في مكان عمله أو في أي مكان آخر بين الأصدقاء والأخلّاء. وتؤثر المجالس وبحسب طبيعتها، سلباً أو إيجاباً، في نفسية وشخصية أفرادها. فما هي طبيعة هذه المجالس التي يمكن أن يكون فيها الإنسان؟ وما هي تأثيراتها المختلفة عليه؟
* اختلاف في المضامين
من خلال لقائنا مع بعض شرائح المجتمع المتنوعة اتفقت الآراء على أن للمجالس دوراً مؤثراً على حياة الفرد وبالتالي على بيئته التي يتفاعل معها. ففي لقائنا الأول مع "زينب" (الموظفة في مؤسسة إعلامية) قالت: "يشكل بعض المجالس فسحة ملائمة لاكتساب المعلومات وتبادل الثقافات والتجارب والأفكار, فيما قد تكون لها تأثيرات سلبية على الفرد إذا تضمّنت غيبة أو نميمة". أما فاطمة فتعتبر أن لكل إنسان الحق في اختيار المجلس الذي يستأنس به وبأهله, لناحية الترفيه أو لزيادة المعرفة والثقافة، وتضيف: "ولكن يجب على الإنسان أن يبتعد عن المجالس التي فيها معصية لله تعالى, كتلك المجالس التي لا تلتزم بالضوابط الشرعية والتي تغرّ الشباب فيتهافتون عليها في المقاهي أو بعض المنازل".
* الإنسان وليد بيئته
تعتبر "هبة" أن كل مجلس لا يخلو من عادات تُكتسب, وقد تكون سليمة أو قد تكون سيئة، وتكمل: "هذا المجتمع ساحة لتبادل الأفكار والعادات والثقافات, وفي النهاية فإن الإنسان وليد بيئته, ما يكتسبه منها يرسخ في كيانه حتى يكبر, صالحاً كان أم سيئاً". وتعلّق "زينب": "من وجهة نظري هناك تأثير كبير للمجالس على الإنسان وعلى نمط حياته وسلوكياته, لأن الإنسان يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها بشكل مباشر"، وتضيف: "من يتربّى في بيئة سليمة مكوّنة من أشخاص خلوقين وطيبين يتربى على الأخلاق والطّيبة, أما من ينمو في بيئة يطغى عليها الكذب أو الكراهية فلا شكّ أنه سيكتسب أخلاقاً سيئة وليس ببعيد أن يتوارثها أبناؤه بعدَه".
* مَن عاشر القوم
وانطلاقاً من القول المأثور: من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم أو رحل عنهم, تعلق نرجس بالقول: "يبين هذا الحديث تأثير الأجواء المحيطة على شخصية الإنسان, وأن الإنسان لا يستطيع العيش في بيئة لا تناسبه ولا تعجبه, فطالما أنه يجلس في هذا المجلس أو ذاك فهذا دليل على رضاه عن المجلس ومن فيه, رغم ما قد يتركه من أثر على شخصه وسلوكه وعاداته".
ويقول مصطفى (طالب جامعي): "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت. وهذا دليل على أن الأصدقاء والأفراد الذين يخالطهم أو يجالسهم الفرد لهم تأثير كبير على سلوكه وشخصيته. فمجالسة ذوي الأخلاق والطباع الحسنة تعلّم الأخلاق والقيم الإيجابية, أما مجالسة أصدقاء السوء فلا تعلّم إلّا الأخلاق السيئة, وتُكسب الفرد، دون أن يشعر، شخصيّة سلبيّة لا تلبث أن تؤثر في من حولها".
* ذكر الله أساس المجلس الطيب
أما غادة (مبلغة في الحوزة) فقد قالت: "لا بد لمجالسنا من أن تخلو من أي أمر فيه معصية لله تعالى حتى تؤتي ثماراً طيّبة, وخاصةً ما نهى الله عنه كالغيبة مثلاً التي صرنا نراها بدايةَ وخاتمةَ غالبية المجالس. يجب أن تكون مجالسنا مبنيّة على طاعة الله وذكره, وهذا لا يعني أن نقضي كل وقتنا بالعبادة, ولكن كل أمر فيه فائدة كالعلم والتعليم ونشر المحبة والأخلاق الحميدة هو أيضاً ذكر لله تعالى وعبادة له".
* ربح الدنيا والآخرة
وفي لقائنا مع فضيلة الشيخ يوسف سرور (إمام مجمع الإمام السجّاد عليه السلام) سألناه عن المجالس ومدى تأثيرها على الفرد سلباً أو إيجاباً فأجابنا بالقول: "إن المجالس هي عبارة عن المحافل التي تجمع أكثر من شخص لغرض مقصود. وهذه المحافل أحياناً تكون مجالس يحبها الله ويريدها لعباده وفي أحيان أخرى تكون مما يبغضه الله ولا يرتضيه لعباده. أما المجالس التي يحبها الله سبحانه وتعالى فهي تلك التي يحصل فيها نفع للإنسان في الدنيا والآخرة, ومنها مجالس الذّكر والعبادة ومجالس التّربية", ويتابع: "إن أعظم المجالس عند الله هي مجالس العلم والعلماء, ففيها مصلحة للإنسان ومنفعة لا تقدّر ولا تعوّض".
- وماذا عن المجالس التي يبغضها الله؟
"أما المجالس التي يبغضها الله تعالى فهي تلك التي فيها فساد للإنسان في الدنيا وخسارة في الآخرة, لما قد تتضمّنه من معصية لله ومحرّمات وتؤدي إلى غضبه وسخطه تعالى. وهذه المجالس هي التي يتخلّلها لهو وإضاعة للوقت دون منفعة تذكر, أو المجالس التي يتناول فيها الإنسان طعاماً أو شراباً محرّماً, أو يشاهد ويستمع إلى ما لا يحلّ له, أو يتناول فيها الناس بالسّوء والغيبة والنّميمة".
* الترفيه طاعة ضمن الضوابط
- ولكن هل كل مجلس يحضر فيه الإنسان للتسلية والترفيه يعتبر مجلس سوء؟
"إن صرف الوقت في المسائل التي لا نفع فيها أمر غير مقبول وغير مستحب, ولكن أحياناً يصبح الإنسان بحاجة للتسلية أو الترفيه للخروج من الظروف الضاغطة والمتعبة التي يعيشها في حياته اليومية، وكما يقال في المأثور "روّحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة"لذلك لا ضرر من حضور مجالس التسلية عندما تصبح دافعاً يبعث الإنسان على استعادة نشاطه وحيويته للانطلاق من جديد, والوصول إلى نتائج مثمرة وأكثر إبداعاً وإفادة في حياته العملية". أما عن كيفية تأثير المجلس على من يوجد فيه, فقال الشيخ سرور: "إن لكل مجلس يحضره الإنسان تأثيراً مباشراً عليه. وكلما كان الفرد أكثر اندفاعاً إليه كلما كان أكثر تأثراً بإيجابياته وسلبياته. فإذا كان المجلس إيجابي الشكل والمضمون بعث وساعد على الهداية والإصلاح, وتوجه الإنسان من خلاله نحو الخير والقيم الإيجابية, أما إذا كان على عكس ذلك كان سبباً في فساد الإنسان وتهديم الشخصيّة الإنسانيّة الإيجابيّة والفعّالة في المجتمع, وتحويلها إلى شخصيّة سلبيّة وفاسدة".
* مسؤولية التأثير في المجلس
- ولكن كيف يمكن توجيه المجلس نحو طاعة الله؟
"إذا كان الإنسان فاعلاً ومؤثراً في المجلس فإنه يستطيع أخذه بالاتجاه الذي يريد, ويصبح بالتالي لزاماً عليه توجيهه نحو اتجاه الحق والهداية, فيقوم هو بتحويل المجلس إلى مجلس لطاعة الله وذكره, عبر التحصّن بطاعة الله والقيم الإيجابية التي يدعونا إليها الإسلام".
- ما هي الطريقة الأمثل لتحصين الإنسان من التأثير السلبي لمجالس السوء؟
"إنّ الحصانة تبدأ من التربية الأولى للإنسان. وهنا يأتي دور الأهل في حماية أولادهم من السلبيات التي تبثّها مجالس السّوء, لتأسيس شخصيّة قوية ممانعة محصّنة بالقيم الإيجابية وطاعة الله. ولكن إن لم يقم الأهل بهذا فيجب على الإنسان عندما يكبر أن يقوم هو بتحصين نفسه, عبر مجالسة أهل الصلاح, واكتساب العقيدة الصحيحة, وصرف الوقت في مسائل مفيدة ونافعة, بالإضافة إلى الابتعاد عن كل مجلس فيه معصية لله, فالمسؤولية الشخصية هي العامل الحاسم في كسب المناعة".ويختم الشيخ يوسف سرور بنصيحة عندما سألناه عن أفضل جليس: "إن أفضل المجالس هي مجالس العلماء, وأفضل الكتب التي يجالسها الإنسان هو القرآن الكريم, أما أفضل الأماكن التي يمكن أن يكون فيها الإنسان فهي المساجد, بيوت الله".